مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية "ويش" 2016

الدوحة, 29 نوفمبر 2016

 

السلام عليكم.. 
السيدات والسادة.. 
مُذ كانَ فكرةً تجسدّتْ في انعقادِهِ الأولِ عامَ ألفين وثلاثةَ عشر عزَمنا على استثمارِ خبراتِ ويش العالميةِ والإقليميةِ من خلالِ توظيفِ توصياتِهِ وأبحاثِهِ في التطبيقاتِ العمليةِ في مجالِ الصحة، فضلاً عن الاستفادةِ من أدواتِهِ في الرصدِ والتقييم للوقوفِ على واقعِ تطوّرِ الصحةِ والخدماتِ الصحية في قطر. وكنا نُدركُ أنّ مبادئَ الوعيِ الصحيِّ المتقدّم تستدعي رؤيةً متطوّرةً لرعايةٍ صحيّةٍ تتجاوزُ الحاضرَ وتقيمُ في المستقبلِ في عمليةٍ استباقيّةٍ للتحدياتِ المنظورةِ والمحتملة. 

ولتجسيدِ هذهِ الرؤية على أرضِ الواقع شرَعْـنا في الاشتغالِ على ثنائيّةِ التعليمِ والصحة التي تتلازم شرطيّاً مع البحث العلمي والابتكارِ والتنميةِ المستدامة، وفي الصميمِ منها التنميةُ البشرية. وهو ما أكّدنا عليهِ سابقاً ونواصلُ التشديدَ على جوهريتِهِ في مقارباتِ الحلول.

لا شكَّ أنَّ كلَّ بلدٍ من البلدانِ يسعى إلى تطويرِ نظامِ الرعايةِ الصحية مع تفاوتِ درجةِ الفلاحِ من بلدٍ إلى آخر، فليس ثَـمَّةُ بلدٌ يتوافرُ على نظامِ رعايةٍ صحيةٍ مثاليٍّ حيثُ تعاني جميعُ دولِ العالمِ، ونحن كذلك، من تحدياتٍ صحية مختلفة. 

ولعلَّها فرصةٌ للمشاركين في المؤتمر أن يستفيدوا من تقاريرِ ويش في تطويرِ منظوماتِهم الصحية والانخراطِ في منظومةِ ويش للرصدِ والتقييم. ونحنُ في قطر نفخرُ بما أنجزناه في التصدّي للتحدياتِ الصحية ونَتوقُ إلى ما هو أبعد من الصحة، أي التأثير في المجتمع، بمختلفِ قطاعاتِ تنميتِهِ، من خلالِ الصحة.

 في ويش ألفين وثلاثة عشر، وضعَ منتدى الرعايةِ المسؤولةِ إطارَ عملٍ قابلًا للتطبيقِ على نطاقٍ واسعٍ لكي تسترشدَ بهِ الجهودُ الراميةُ إلى إصلاحِ المنظومةِ الصحيّةِ من خلالِ آلياتِ تمويلٍ صحيٍّ مصحوبةٍ بقَـدَرٍ أكبرَ من المساءلةِ لتحقيقِ نتائجَ أفضل . وبالرعايةِ المسؤولةِ يمكنُنا التحوّلَ إلى نهجِ التركيزِ على المرضى في المقامِ الأول، واستخدامِ البياناتِ والمقاييسِ لدعمِ التقدّمِ وتوثيقِهِ، وإشراكِ مقدِّمي الرعايةِ في المسؤوليةِ عن الجودةِ والتكلفة. وهذا ما يجري العملُ عليهِ في قطر حالياً بما يعكس قدرات ويش على دعم البرامج الصحيّة على المستويات الوطنية.

وبعد إطلاق قطر بيوبنك عام ألفين وأحدَ عشر، أعلنتُ في ويش، ألفينَ وثلاثةَ عشر أيضاً، عن مشروعِ جينوم قطر، لدراسةِ العلاقةِ بين الجيناتِ وأعراضِ الأمراضِ وذلك بهدفِ تجاوزِ الأفكارِ التقليديةِ للرعايةِ السريرية نحوَ طبٍّ يُدرِكُ أنّ لكلِّ شخصٍ خصوصيتَهُ الجينية وبالتالي الصحيّة، وعليه ينبغي أن يركّزَ التعاطي الطبي مع المريض على هذه الخصوصية من خلالِ معرفةِ الخريطةِ البيولوجية للإنسان بما يُشَـخِّـصُ المحدَّداتِ الدوائيةِ المناسبة لكلِّ مريضٍ بذاتِهِ، وهذا ما باتَ يُعرف بـ (Personalized Medicine ) أو الطبُ المُـشَخْـصَن كما أطلقتُ عليه، ولعلَّ أهلَ الاختصاصِ من العلماءِ في مجامعِ اللغةِ العربيةِ هم الأقدرُ على التعريبِ المناسبِ لهذا المصطلحِ وسواه. 

وقد تمَّ اطلاقُ المرحلةِ الأولى التجريبيةِ من مشروعِ جينوم قطر في شهرِ سبتمبر من العامِ الماضي (ألفين وخمسة عشر) ضمنَ خطةٍ وطنيةٍ شاملةٍ جعلتْهُ، بنوعِهِ، واحداً من أكثرِ المشاريعِ الوطنيةِ طموحاً في المنطقةِ والعالم.  وكانَ من نتائجِ هذه المرحلةِ التجريبية أنْ تَحقّقَ الانتهاءُ من تحليلِ التسلسلِ الجينيِّ الكامل لأكثرِ من ثلاثةِ آلافِ مواطنٍ قطري، والبِدءُ في رسمِ خريطةٍ مرجعيّةٍ للجينومِ القطري تتيحُ التعرّفَ على التفاوتاتِ النوعيّةِ في الجيناتِ المميِّزة للسكانِ المحليين، وخصوصاً تلك التي تحدّدُ مختلفَ الأمراضِ الجينيّةِ الوراثية. 

كما تمَّ وضعُ مسوّداتٍ للوائحَ وسياساتٍ تنظّمُ أبحاثَ علومِ الجينوم وتطبيقاتِ الطبِّ المشخصن، وبتعاونٍ وثيقٍ بين برنامجِ جينومِ قطر وقطر بيوبنك من جهة، ووزارةِ الصحةِ من جهةٍ أخرى. وسوفَ تشكّلُ هذه الوثائقُ مِظلّةً وطنيةً وإطاراً عاماً لتنظيمِ جميعِ البحوثِ والأنشطةِ ذات الصلة. هذا فضلاً عن بناءِ شبكةٍ كبيرةٍ من الباحثينَ المتخصصين ليتقاسموا تحليلَ الكمِّ الهائلِ من بياناتِ مشروعِ جينومِ قطر. 

إنَّ الهدفَ المستقبليَّ الأساسَ لبرنامجِ جينومِ قطر يتمثّلُ بالإسهامِ في تطويرِ نظامٍ صحيٍّ وطنيٍّ يجمَعُ ويحفظُ بياناتِ جينومِ المواطنين في سجلاتِ الرعايةِ الصحيّةِ بجميعِ المستشفياتِ والعياداتِ الرئيسةِ في البلاد، وهو هدفٌ تجري مناقشتُهُ واستعراضُهُ تفصيلياً مع اقترابِ نهايةِ المرحلةِ التجريبية، وبما يضمنُ حمايةَ المعلوماتِ الصحيةِ للمريضِ من الاستخدامِ لأغراضٍ غير صحية.

وفي هذا السياقِ أودُّ التأكيدَ على أهميةِ مراعاةِ البُعدِ الأخلاقيِّ والدينيِّ في التعاطي مع قضايا التقدّمِ الهائلِ في مجالِ الطب، وضرورةِ الانفتاحِ وتوسيع ِالآفاقِ في النظرِ إلى القضايا المتصلّةِ بصحةِ الإنسانِ والعملِ على تجديدِ اجتهاداتِـنا مع وجوبِ البحثِ في ثقافتِنا ودينِنا على كلِّ ما يُدَعِّـمُ الاستفادةَ من منجزاتِ العلومِ الطبية، وبكلماتٍ أخرى أنْ نحترمَ فكرَنا الديني في الوقتِ الذي نحرصُ فيه على أنْ نكونَ جزءاً من الخريطةِ الصحيةِ العالمية. ولمقاربةِ مثلِ هذهِ القضايا يشهدُ ويش، هذا العام، تنظيمَ ندوةٍ حولَ الجينوم في منطقةِ الخليج العربي من منظورٍ أخلاقي. 

السيدات والسادة،،

إنَّ ما نعملُ عليهِ في كلِّ ما أتيتُ على ذكرِهِ ينطلقُ من إيمانِنا بالإنسانِ باعتبارِهِ القيمةَ الأعلى في جوهرِ السياساتِ والابتكار. وهذا ما تقومُ عليهِ رؤيةُ قطر في التصدّي لمختلفِ القضايا.

أحيّي جهودَكم وأتمنى لكم التوفيقَ في أعمالِ مؤتمرِكم. والسلام عليكم.