افتتاح مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم "وايز" 2015

الدوحة, 04 نوفمبر 2015

 

أرحّبُ بكم وأنتم تجتمعون مجدّداً تحتَ مظلّةِ وايز للتداولِ حولَ موضوعةٍ جديدةٍ وجديرةِ بالبحث. 

كما أتوجّهُ لكلِّ من السيدةِ الأولى في الولاياتِ المتحدة ميشيل أوباما والسيدةِ الأولى في الغابون سيلفيا بونغو أوندِمبا بترحيبٍ خاصٍ وأقدّرُ لكم جميعاً حضورَكم وايز الذي باتَ مِنبراً عالمياً لتطويرِ آلياتِ الابتكارِ في التعليم، كما بذلَ جهداً مثمراً لتطويرِ عددٍ من السياساتِ ذات الصلة بالتقاريرِ البحثية. 

ويشهدُ وايز هذا العام نقاشاً معمّقاً بشأنِ كيفيةِ الاستثمارِ من أجلِ التأثير نحوَ تحقيقِ تنميةٍ مستدامةٍ وشاملةٍ من خلالِ التعليم. وقبل أن أبدأَ خطابي الذي حاولتُ فيه أن أضعَ يدي على الجُـرحِ في تحليلِ ونقدِ الواقعِ العربي، وبالأخص حالة التعليم، أستأذنُكم في أن ألجأَ إلى اللغةِ الإنجليزية لكي يكونَ التلقّي مباشراً، وحتى نتقاسمَ آنيّةَ الصورِ الذهنية ونتجنّبَ سباقَ الكلماتِ بين الحديثِ والترجمة. 

وكما سمعتم للتو، الآن سأتحدث باللغة الإنجليزية لكي أكون على يقين من أنّنا على نفس الوتر، دون سكون أو تدخل. 

واسمحوا لي أن أقِرَّ بأننا، في هذه المنطقة، لسنا مصابين بالشلل فقط، ولكننا نسير إلى الوراء بسرعة الضوء. ولعل من سخرية القدر أننا لو تراجعنا إلى الوراء لأصبحنا أفضل حالاً! فعلى سبيل المثال لا الحصر، وقبيل حرب الخليج الأولى عام1991 بلغت نسبة الالتحاق بالمدرسة الابتدائية في العراق (100%). وقبلها، فاز العراق عام 1982 بجائزة اليونسكو الدولية لمحو الأمية. وماذا عن حالنا اليوم؟ لقد أفادت تقديرات حديثة لمنظمة اليونسكو عن وجود ثلاثة ملايين طفل غير ملتحقين بالمدارس على الأقل ممن هم في عمر المرحلة الابتدائية في العراق وسورية وحدهما. 

وإنّ شعوراً كبيراً بالحزن والمرارة يستبدُّ بوجداني وأنا أتذكّر وجوه العلماء والأساتذة العراقيين الذين لجأوا إلينا بعد احتلال العراق لتأمين الحماية لهم من الاغتيال، في ظل فترةٍ عانى فيها عدد من الأساتذة العراقيين استهدافاً متعمداً في محاولة نشطة لزعزعة استقرار البلاد وتخريب البنية التحتية التعليمية. وقد شكّلنا لجنة لحماية العلماء العراقيين، وفعلنا كل ما بوسعنا، بما في ذلك تزويدهم بملابس واقية ضد الرصاص. ولكن ما حصل بعد ذلك أننا فقدنا إمكانية التواصل معهم حيثُ طالتْهم الاغتيالات واحداً تلو آخر. وهذا شجعنا لبذل أقصى جهد ممكن. 

ففي عام 2010، قدم تحالف دولي، ضم دولة قطر، قرارا بشأن "حق التعليم في حالات الطوارئ" خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويأتي القرار المذكور تأكيداً على حق الإنسان في التعليم والوصول إليه خلال الأزمات والصراعات، كما يحثّ الدول على الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق باحترام المدنيين وعدم الهجوم على الأساتذة والطلاب والمنشآت التعليمية. 

وفي يوليو 2011 تبنى مجلس الأمن القرار رقم 1998، وبموجبه أصبح الهجوم على المدارس والمستشفيات بمثابة "خرق فاضح" لآلية الأمم المتحدة للرصد والإبلاغ عن الأطفال والصراعات المسلحة. وقد يؤدي مثل هذا الانتهاك إلى إضافة القوات أو الجماعات المسلحة إلى "قائمة العار" الخاصة بالأمين العام للأمم المتحدة، ومعاقبتها وفقا لذلك. ويحق لنا التساؤل هنا ما الذي نقوم به لتعزيز هذه القرارات؟ ولماذا يفلت الجناة دون أدنى عقاب؟ 

وكي أكون في منتهى الصراحة معكم، ليس العراق أو سوريا أو فلسطين فقط من تعاني هجوماً على التعليم، فقد تضرر بشدة نحو 30 بلداً على الأقل من جراء الهجوم على المدارس بين عامي 2009 و 2012. إنها مشكلة كونية حقاًّ. وإذا ما أردنا أن نخطوَ خطوة نحو حل هذه المشكلة، ينبغي علينا ضمان الحصول على بياناتٍ حديثة وموثوقة يمكن الاعتماد عليها واستخدامها للتخطيط الجيد لبرامج تدخلنا لدعم الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاعات، ومساعدتهم على متابعة دراستهم. 

ولذلك يجب أن تتم مساءلة جميع الجناة، سواء أكانوا جهات حكومية أم غير حكومية، وإجبارهم على تحمل كامل المسؤولية عن أفعالهم، وهو ما من شأنه، دون شك، أن يكون رادعاً لمثل هذه الأفعال. وبالتالي ينبغي النظر بجدية في آليات تعزيز هذه المساءلة، إما من خلال التعويضات المالية أو معاقبة المجتمع الدولي الأممي للجناة. 

السيدات والسادة، 

التعليم يتعرض للهجوم. ولا مناص من النظر في مساءلة ومعاقبة الهجوم على التعليم من خلال تنفيذ الهدف الرابع، هدف التعليم، ضمن إطار عمل أهداف التنمية المستدامة الجديدة التي تم الاتفاق عليها في سبتمبر الماضي. 

وبالتزامن مع اجتماعنا هذا اليوم، ينعقد في باريس اجتماع آخر لإقرار خطة العمل هذه. ويجب أن يؤدي هذا الإقرار إلى بلورة فرص واقعية لتعزيز التزاماتنا وجهودنا فيما يتعلق بإيجاد أساليب عملية قادرة على تحقيق أولوياتنا. وإننا على يقين من شيء واحد هو أن أهداف التنمية المستدامة ستكون بمثابة حلم في منطقة الشرق الأوسط لاسيما أننا مررنا بتجربة الكابوس المرعب للرجوع إلى الخلف، وقد تحولت مدارسنا إلى مقابر، وطلابنا ومعلمونا إلى لاجئين. فالجثث صارت ملقاةً على الشواطئ الأوروبية. لقد خذلنا الأطفال "الضعفاء" المعْوزين الذين يتوجّه إليهم الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة. وفي الحقيقة عندما يتعلق الأمر بأهداف التعليم، فإننا لا نزال عاجزين عن الوفاء بوعودنا لجميع الأطفال والشباب في العالم. 

إننا أمام أجندة غير مكتملة بعد، ويجب مساءلتنا على ذلك . 

فمنظمة اليونسكو قدَّرت في آخر إحصاء لها وجود أكثر من 124 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس تتراوح أعمارهم بين المرحلة الابتدائية و المرحلة الثانوية، منهم 58 مليون طفل في عمر المرحلة الابتدائية. غير أن هذه البيانات صدرت في الأعوام الثلاثة الماضية قبل بروز أزمة اللاجئين، ومن ثَمَّ فإننا نعتقد بأن الأرقام الحقيقية ستفوق ذلك بكثير. 

إننا نؤمن جميعاً أن الاستثمار في التعليم يعني الاستثمار في نتائجه على المدى المتوسط والبعيد. فقد نشأت العلاقة بين التعليم والتنمية الاقتصادية منذ مدة بعيدة. وكما هو معلوم تقدر اليونسكو أن كل يوم يُستثمر في التعليم الابتدائي ينتج عنه عائد اقتصادي من 10 إلى 15 دولاراً أمريكياً. ونعلم أيضاً أن كل سنة إضافية من التعليم يمكن أن تضيف 0.37% إلى الناتج المحلي الإجمالي لبلد ما، و 10% إلى متوسط عائد الفرد. 

وما أحوجنا إلى سياسيين يفهمون قوة التعليم بالنسبة لبلدانهم واقتصاداتها. فالإرادة السياسية مطلوبة باعتبارها إحساساً مشتركاً بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية تجاه حماية التعليم والاستثمار فيه. 

السيدات والسادة، 

بعد هذه الإطلالة على حاضرنا القاتم والمظلم، دعونا نلقي شعاع أمل على فرص مستقبل الشباب في العالم. وإذا كنا جادين، فإنّ الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة الجديدة، التي تم اعتمادها مؤخراً، يمنحنا فرصة تاريخية "لضمان التعليم الشامل والنوعي للجميع، وتشجيع التعلم مدى الحياة". إن غايات هذا الهدف تركز على جميع مستويات التعليم، بما في ذلك التعليم الابتدائي والثانوي، مما يتيح لنا إيلاء اهتمام خاص للاستمرارية بين مختلف مراحل العملية التعليمية. 

لقد تولى برنامج علِّم طفلا، منذ إطلاقه عام 2012، إقامة الشراكات الدولية للتصدي لمشكلة انعدام الفرص التعليمية النوعية للأطفال غير الملتحقين بالمدارس ممن هم في عمر مرحلة التعليم الابتدائي. كما عمل البرنامج على إقامة الشراكات والتأكيد على الابتكار والاستدامة وتوسيع نطاق عمله لتيسير حصول الأطفال على حقهم في التعليم. 

وإنني على أتم الإدراك بأن المرحلة الابتدائية ليست نهاية رحلة التعليم ولا ينبغي لها أن تكون كذلك، وقد حدث انخفاض هائل في معدل انتقال الأطفال من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي. كما نعلم أن عدد المراهقين الذين يكملون المرحلة الإعدادية يبلغ 1 من مجموع 3 مراهقين في البلدان ذات الدخل المنخفض، مقارنة ب 5 من مجموع 6 مراهقين في البلدان ذات الدخل فوق المتوسط. وبناء عليه، من الضروري حشد وبناء آليات فعالة لضمان الانتقال السلس من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي باعتباره شرطاً أساسياً لتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة. وإدراكا لهذه الفرصة وتطلعاً إلى التصدي للتحديات التي واجهت الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة في الماضي، يحرص برنامج علِّم طفلاً على تبادل البحوث والتجارب والخبرات مع الشركاء المحتملين المستعدين لإكمال عملنا في توفير التعليم النوعي لما بعد المرحلة الابتدائية لفائدة الأطفال الذين يكملون برامجنا. وإننا نشجع الشركاء الجدد للعمل معنا لضمان أن أطفال العالم الذين يُكملون تعليمهم الابتدائي سيُتاح لهم التعليم الثانوي النوعي. 

السيدات والسادة، 

وبالرغم من اعترافي بخيبة الأمل والحزن والغضب أحياناً، لا أزال على أمل بقدرتنا على بناء مستقبل أفضل. ولعل هذا ما جعل برنامج "المبتكرين الشباب" يحتل مكانةً مميزة في قلبي، فمن خلال هذا البرنامج يمكننا جذب الشباب العربي المميز ومنحهم الموارد والبيئة اللازمة لتجسيد إمكاناتهم في مختلف مجالات الإبداع. وهي فرصة ضاعت مرات عديدة في الماضي. إننا محظوظون بوجود بعض هؤلاء الشباب معنا اليوم في فعاليات مؤتمر وايز . 

وهذا يضعني أمام لحظة أتطلع فيها كل عام إلى الإعلان عن جائزة وايز للتعليم. فمنذ أن أُنشئت عام 2011، جسدت هذه الجائزة تطلعات وايز. إنهم مدافعون مثابرون عن حق التعليم. وتتميز الفائزة بجائزة وايز لهذا العام بإصرارها على توفير التعليم لمواطنيها الذين يعيشون في أقسى ظروف الحرب والاحتلال. فقد استطاعت تأسيس شبكة من المنظمات التي تقدم التعليم العام والتوعية بالصحة العامة، بدءاً من مخيمات اللاجئين ووصولاً إلى المدارس الليلية السرية، وفي كثير من الأحيان لا يخلو ذلك من خطر شخصي كبير. وفي الوقت الذي يركز عملها على الفتيات والنساء، فإن الفتيان والرجال يستفيدون منه أيضاً. فالملايين من الناس استفادوا من تفاؤلها. 

و الآن سأدع ميشيل حسين تقدّم لكم الفائزة بجائزة وايز لهذا العام. 

أشكركم على رحابة صدوركم..