مؤتمر القمة العالمي للإبتكار في التعليم "وايز" 2009

الدوحة, 16 نوفمبر 2009

بسم الله الرحمن الرحيم 
حضرات السيدات والسادة،،،

إنه لمن دواعي سعادتي أن ألتقي بكم اليوم، ونحن نضع سوياً حجر الأساس لبنيان المؤتمر العالمي للابتكار في التعليم ليكون للبشرية جمعاء فضاءً حراً وتربة خصبةً تنتج الأفكار والمبادرات الخلاقة المحققة لكرامة الإنسان.

لقد حرصنا في قطر انسجاماً مع رؤيتنا الاستراتيجية في أفق 2030، أن يكون هذا المؤتمر التأسيسي وما ستعقبه من لقاءات سنوية سبيلاً لتجديد إلتزامنا بالتعليم كحق أصيل في بنية هويتنا.

إننا نؤمن بأن التعليم عامل أساسي وحاسم في اعدادنا الاعداد الجيد لمواجهة التحولات الكبرى والعميقة التي باتت من سمات هذا العصر.

ولذلك فإن امتلاك زمام المعرفة وحسن توظيفها لفائدة رقي الإنسانية يجب أن يكون في صلب أولوياتنا ومقدمة إلتزاماتنا.

فالتعليم هو المفتاح الأساس لثقافة السلام، ذلك السلام كفعل إيجابي مسؤول وواع لأجيالنا في الحاضر والمستقبل.

فبهذا التعليم نلج بأمان وثقة بوابات هذه القرية الصغيرة التي هي عالمنا، وبه أيضاً نحافظ عليها ونحصنها من آفات الجهل والإقصاء والهشاشة.

في هذا السياق، تطلق مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع هذه المبادرة لتنخرط في الجهد العالمي لأجل تعليم جيد ونوعي للجميع، مساهمة منها في مشروع التعليم للجميع لتعليم نوعي متميز.

فمن خلال هذا الحضور المتميز من صناع القرار والفاعلين المهتمين بقضايا التعليم، نأمل في في إرساء أسس منتدى قادر على توسيع دائرة الحوار، واطلاق العنان للإبتكار لأجل إنضاج الأفكار وخلق الفرص والخروج بحلول عملية قادرة على ربط قضايا التعليم بمتطلبات التنمية المستدامة.

حضرات السيدات والسادة،،،

لقد ترسخت لدي منذ سنوات ليست بالقليلة، قناعة مؤداها أن ملف التعليم للجميع رغم كل الجهود المبذولة، لازال يراوح مكانه، بل قد يوحي البطء وربما التعثر في وتيرة إنجاز أهدافه، بأنه على وشك الدخول في غيبوبة أو موت سريري إذا لم نتحرك سريعاً وبكل جهد وكفاءة ومسؤولية.

ولذلك فإن انقاذ ذلك الملف، الذي يحمل أسباب وعوامل التغيير لبناء مجتمع إنساني كوني متضامن في الحقوق والواجبات، يقتضي منا وقفة جماعية تمنع إطالة أمده تحت العناية المركزة وتؤمن له البيئة المناسبة لنقاهته وتعافيه.

ولهذه الغاية، لم أتردد في نطاق إلتزاماتي ومسؤولياتي، في طرق أبواب الأمم المتحدة، اليونسكو، ومواقع صنع القرار والمحافل الأكاديمية وغيرها، لدق ناقوس الخطر الذي يتهدد وفي أحيان كثيرة الحق في التعليم، بإرادة وسبق اصرار.

اليوم هذا الملف عهدة في أعناقنا، بإمكاننا سوياً أن نعيد بناء الثقة في قدرات الإنسان التي ميزه بها خالقنا سبحانه وتعالى وكرمه.

ولعل خطوتنا الأولى في هذا السبيل أن نعترف ونقر بخطورة الأزمة التي تحدق بنا، بالبشرية جمعاء.

هذا الطرح ليس من باب التهويل أو الإثارة، بقدر ما هو نابع عن واقع نعيشه كل لحظة، دون أن نعقد، مع كامل الأسف، العزم الحقيقي ولا أن نتحمل المسؤولية الفعلية والمطلوبة، لإيجاد الحلول الناجعة والمبدعة القادرة على تطويق تلك الأزمة ثم تجاوزها.

فأقصى ما نقوم به في أغلب الأحيان، إذا قمنا بشيء، ردة الفعل الظرفية الفاترة وربما الخجولة، تجاه تقارير التنمية ومراكز الأبحاث، والتي سرعان ما يخبو تأثيرها، رغم ما تتضمنه تلك التقارير من حقائق مزرية حول واقعنا التعليمي وحول لا مسؤوليتنا.

وحينما أتحدث عن اللامسؤولية فإنني لا أميز فيها بين الأقوياء والضعاف، ولا بين المتقدمين والمتخلفين، فالجميع مسؤول والجميع مطوق بأمانة النهوض بالشأن التعليمي، هذا إذا كنا نعني ونعي دلالة وصف عالمنا بالقرية الكونية الصغيرة في معناها الجيوسياسي لا في دلالتها المجازية.

من هنا فنحن مطالبون خلال هذا المؤتمر أن نعمق التفكير والنقاش حول جملة من القضايا التي تدخل في صلب الحق في التعليم وتشكل أسسه ومبادئه، وصولاً إلى صياغة توافق نبني عليه خطواتنا اللاحقة.

فالابتكار في التعليم الذي هو شعار هذا المؤتمر يجب أن يتحول إلى إجراء قابل للإنجاز والتنفيذ.

إذ عادةً حينما يتم التطرق إلى الابتكار، تتبادر إلى الذهن قطاعات الصناعة، التكنولوجيا وإدارة الأعمال و أعتقد أن هذه المقاربة تنم عن كثير من التبسيط وربما السطحية.

فالابتكار يجب أن يكون في قلب العمل التعليمي الذي هو السبيل إلى انطلاق الطاقة الكامنة في الإنسان وتوجيهها الوجهة الرشيدة بغرض الإرتقاء بالعقل والذكاء والابداع البشري خدمة لأغراض التنمية.

ولذلك فقد آن الأوان لوضع ذلك المفهوم في سياقه الشمولي والأعمق وألا يحصر فقط في تحقيق القدرة على مواكبة المستجدات التكنولوجية والتحكم في أدواتها للإستجابة لمتطلبات السوق والمنافسة.

إن الابتكار لا يستورد كما أنه لايزرع في جسم غريب، الابتكار ثقافة مجتمعية تقدر العقل البشري وملكاته ومهاراته وابداعاته، ثقافة تنمو وتزدهر متى تلاءمت ومتطلبات البيئة المناخية المناسبة.

هكذا نقرأ التحولات العلمية والتكنولوجية الكبرى منذ القدم ، تلك التحولات التي صاغت التاريخ الإنساني وحملت معها رياح التغيير الإيجابي لواقع البشرية.

ولأن الابتكار ينبع من المجتمع ولا يفرض عليه من أعلى، فهو بذلك يجب أن يكون جزءً من هوية المؤسسة التعليمية ومكوناتها، يقوي روح المبادرة داخلها، يفسح المجال للطالب والمدرس وولي الأمر في مختلف المستويات التعليمية ليكون الجميع شركاء في صنع القرار في جوِ من الديمقراطية والشفافية والمسؤولية.

وهنا يلتقي مفهوما الابتكار والاستدامة، هذه الأخيرة التي لا تعني أيضاً الثبات والاستمرارية في الزمان بقدر ما تعني انخراط المشروع التعليمي في النسيج التنموي للحي والمنطقة والمدينة والوطن والعالم.

حضرات السيدات والسادة،،،

خلال الأيام القليلة المقبلة سوف نعمل جميعاً على تكامل جهودنا لتحليل واقع التعليم وتشخيص بنية مشاكله لكن أهم من هذا وذاك أن نخلص سوياً إلى مقترحات وخارطة طريق مبتكرة تعكس قناعاتنا المشتركة.

لقد حضرنا هنا جميعاً لأننا نؤمن بأن الابتكار في التعليم هو حجر الأساس في تشييد صرح السلام العالمي الإيجابي كما أشار اليه سمو الأمير في إحدى خطاباته.

في عالمنا العربي، نحن معنيون أكثر من غيرنا بهذا الموضوع ليس بسبب واقعنا التعليمي الحالي فحسب، وإنما بسبب حمولتنا الحضارية على مستوى المعرفة الإنسانية والتي تطوقنا بمسؤولية عظمى.

قدرنا أن نكون طرفاً استراتيجياً بحكم ضرورة الجغرافية السياسية، غير أننا نريد وهذا من حقنا وواجبنا، أن نعزز موقعنا من خلال تجاوز اكراهات واقعنا التعليمي وذلك بتوسيع قاعدة المعرفة وتقوية مجتمعها.

نحتاج أن نغير ما بأنفسنا حتى يتغير واقعنا، هذه قيمنا وهذه ثقافتنا وأحسب ذلك قيماً كونية وانسانية عالمية.

لذلك علينا أن نصنع التغيير بعقولنا وأفكارنا وجهدنا لا أن نحاكي صيغه وأشكاله أي علينا أن نؤمن أكثر من غيرنا بقيمة الابتكار في التعليم.

ربما تندرج مقولة نيتشه في هذا السياق وأقتبس "يكون الابتكار مدعاة للسكينة حينما لا يقطع الصلة بالقديم".

أشكركم وأتمنى التوفيق لأعمالنا،،