المنتدى العالمي للتعليم

سول, 19 مايو 2015

 

فخامة الرئيس، سعادة رئيس الوزراء، سعادة الأمين العام، سعادة المدير العام، أصحاب السعادة الوزراء، الضيوف الكرام،

اسمحوا لي أن أعرب عن بالغ شكري لحكومة كوريا الجنوبية على استضافة هذا المنتدى، وعلى التزامها بمعالجة أزمة التعليم العالمية.

فخامة الرئيس، لقد انخرطنا صباح هذا اليوم في مدينة سول، مع حشدٍ من القادة من كوريا الجنوبية وآسيا، في نقاشاتٍ جمَّة حول التحديات التي تواجه التعليم على المستوى العالمي، بعد أن ظلَّ المجتمع الدولي يَعِدُ الأطفال بفرصة الحصول على التعليم الابتدائي النوعي منذ العام 1948. 

وقد قطعت بلدان كثيرة أشواطاً كبرى في توفير فرصٍ أفضل لملايين الأطفال. وتم تمرير قوانين كثيرة لجعل التعليم إلزامياً للأطفال في عمر المرحلة الابتدائية. وبُنيت مدارس جديدة. وَوُضعت السياسات للمساعدة على ردم الهوة بين الفقراء والأغنياء. وأطلقت بعض البلدان حملات لتوعية أولياء الأمور للمساعدة على إلحاق الأطفال بالمدارس واستمرارهم فيها.  بينما فرضت بلدانٌ أخرى إلزامية التعليم الثانوي الأدنى.

وفي غضون الأيام القليلة القادمة سنناقش إعلان إنتشيون، ومسودة إطار العمل الذي وُضِع من أجل مساعدتنا في بلوغ أجندة التعليم 2030. لقد مضينا في عملية من المشاورات غير المسبوقة، وجعلنا التعليم الابتدائي أولوية في سياق التعليم الأساسي الشامل، ذلك أن هدفنا الطَموح يُعبّر عن سعينا الحثيث نحو التعليم النوعي كي يكون قوةً للتغيير، ودافعاً للتنمية البشرية.

ومع ذلك، فإن أجندة التنمية لعام 2030 تحمل بين طياتها بعض "الأعمال غير المكتملة"، التي ينبغي معالجتها. فالأجندة السابقة لم تخدم تطلعات ملايين من المراهقين والأطفال غير الملتحقين بالمدارس، باستثناء نصف بلدان العالم التي تمكنت من تحقيق الالتحاق بالتعليم الابتدائي، بينما ظل حوالي 58 ملايين طفل ممن هم بعمر المرحلة الابتدائية غير ملتحقين بالمدارس. 

لقد بات المجتمع الدولي اليوم يدرك جيداً أن ملايين الأطفال يعيشون في مناطقَ تفتك بها النزاعات والأزمات الإنسانية. وحقيقةُ الأمر أن نسبة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس الذين يعيشون في مناطق النزاعات تتزايد وتيرتها باستمرار، ولاسيما في الدول العربية حيث ارتفعت هذه النسبة إلى 87%.

وهذه الأعداد تتزايد يومياً على نحوٍ يثير القلق، من نيبال، إلى ميانمار، ثم اليمن. فعلى سبيل المثال، هناك حوالي ثلاثة ملايين طفل سوري تقريباً غير ملتحقين بالمدارس، يعيش نصف مليون منهم بمخيمات اللاجئين في كلٍّ من مصر والعراق والأردن ولبنان وتركيا. وقد قمتُ شخصياً بزيارة مخيمات اللاجئين في تركيا، وتأثرت عميقاً بإصرار أولئك الأطفال على استئناف الحياة الطبيعية، وتعليم أنفسهم رغم قساوة الظروف التي يعيشونها.

ناهيكم عن حقيقة أن ملايين الأطفال يتركون المدارس وهم لا يجيدون القراءة ولا الكتابة.

إننا نحتاج إلى فهم هذه المشكلة فهماً شاملاً، ومعالجة مسألة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بشكل كاملٍ. وهكذا يُصبح إدماج جميع الأطفال المهمشين أمراً في غاية الأهمية، بغض النظر عما إذا كان السبب في عدم التحاقهم بالمدارس ناتجاً عن الفقر، أو التمييز، أو النزاعات، أو الكوارث الطبيعية. فلا مجال أمامنا للاستسلام، لأن مهمتنا هذه شاقةٌ وخطرة.

السيدات والسادة،

التمويل والإرادة السياسية أمران مطلوبان. ولنسأل أنفسنا لماذا يا ترى تراجعت مساعدة التعليم الأساسي بحوالي 15%، في عامين فقط، بين 2010 و2012. لماذا؟ هل نسينا أن أجندتنا لم تكتمل بعد؟ لقد استجابت قطر لمواجهة هذا الانخفاض العالمي من خلال تخصيص 50% من مساعداتنا التنموية الرسمية لفائدة التعليم. وندعو الآخرين بدورهم إلى إعادة النظر في أولوياتهم. فالإرادة السياسية الحقيقية هي التي تصنع أولوياتنا، وتمكننا من تحقيق مهمتنا.

لذا ينبغي تحقيق أجندة التعليم الطموحة لعام 2030 وفق نهج واقعي وعملي. ولتكن نقاشاتنا في الأيام القليلة القادمة نقاشاتٍ بناءة ومثمرة. ولنجدد التزاماتنا الوطنية عبر تنفيذ آليات تمويلٍ للتعليم الابتدائي بالدرجة الأولى.

وفي هذا السياق، فإن كوريا الجنوبية تُمثل نموذجاً متميزاً، حيث قامت بادئ الأمر بتعميم التعليم الابتدائي في الستينيات، ثم ركزت على تعميم التعليم الثانوي في السبعينيات. وتُخصص الحكومة حوالي 8% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق على التعليم.

ومع ذلك فإن مسؤولية التعليم الابتدائي هذه لا ينبغي أن تظل على عاتق وزارات التعليم وحدها، بل تتطلب أيضاً دعم القطاع الخاص، لاسيّما وإنّ اعتبار التعليم الابتدائي مسؤولية الدولة وحدها لم يحل مشكلة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس.

وسوى ذلك، دعونا نعمل دائماً على تقييم إنجازاتنا من منظور الجودة، ولا نقبل أبداً أن يغادر 250 ملايين طفل المدارس الابتدائية وهم لا يجيدون القراءة ولا الكتابة.

واليوم في إنتشيون، لدينا فرصة لا تحدث إلا مرّة واحدة في الجيل كي نَحُثَّ الحكومات، ونحفّز المانحين، ونستقطب مستثمرين جدداً. وَلِنُثْبِت أن المجتمع الدولي ملتزم حقاً بضمان تعميم التعليم الابتدائي النوعي.

ولنكن جيلاً لا يُنسى.