المنتدى الكوني الثالث لتحالف الحضارات

ريو دي جانيرو, 28 مايو 2010

فخامة السيد لولا دا سيلفا، رئيس جمهورية البرازيل،،،
معالي السيد بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة،،
دولة السيد رجب طيب أردوغان، الوزير الأول لجمهورية تركيا،،
دولة السيد خوسية لويس رودريغز زاباتيرو، رئيس الحكومة الاسبانية،،
سعادة السيد خورجي سان بايو، الممثل السامي لتحالف الحضارات لأمم المتحدة والرئيس السابق للبرتغال،،

حضرات السيدات والسادة،،،

أنه لمن دواعي اعتزازي أن أتواجد معكم اليوم في افتتاح أعمال المنتدى الثالث لتحالف الحضارات بريو دي جانيرو.

نحن اليوم وهكذا أعتقد، مطالبون بأن نجتهد جميعاً لنجعل من هذا المنتدى منعطفاً في مسيرة تحالف الحضارات.بعد خمس سنوات منذ مايوركا، لا شك أننا راكمنا خبرات كثيرة تقتضي منا أن نتطلع إلى الأمام أكثر من النظر إلى الخلف.علينا أن نجعل هدفنا الأساس هو مساهمة هذا التحالف في تحقيق أهداف الألفية ضمن السقف الذي حددناه أي 2015.

خلال السنوات الخمس الماضية كانت حواراتنا مثمرة ومفيدة، قاربنا من خلالها بين رؤانا، حاولنا جهد الامكان تشكيل أرضية تعزز القواسم المشتركة وتفتح قنوات النقاش البناء حول القضايا الخلافية.

وأعتقد شخصياً بأن تلك المرحلة الحوارية الماضية قد كانت جد ضرورية لأنها ساعدتنا على تعزيز قناعتنا بأن هدف تحالف الحضارات لم ولن يكن أبداً التقريب بين الغرب والاسلام وتبديد أسباب التوتر بينهما، كما أن تلك المرحلة بما عرفته من حوارات مثمرة قد وجهت دفة تفكيرنا صوب الهدف الحقيقي مسلحين بالابتعاد عن كافة الأحكام والأفكار المسبقة.

لقد أصبحنا اليوم بفضل تلك الحوارات أقرب ما نكون إلى نبض الانسان حيثما وجد، ومهما اختلفت وتباينت قيمه وجذوره الثقافية.ذلك الانسان الذي يؤمن بأن التحدي الذي يواجهه هو ذاك الذي يشكله التصدي للقضايا الكبرى: مكافحة الفقر والجهل، إبعاد كل مظاهر الظلم والإقصاء والتهميش. 

هكذا نرى في قطر تحالف الحضارات، هي قناعتنا القائمة على الاعتراف بالحق المطلق للانسان أياً كان، وبعيداً عن المعايير المزدوجة، باعتباره عنصراً حاسماً في صنع التغيير الذي هو السبيل إلى التنمية الانسانية المستدامة.

وعلى هذا الأساس فإننا نعتقد بأنه قد آن الآوان للبناء على كل ما انجزناه منذ خمس سنوات.علينا العمل على إعادة هيكلة عملنا بأسلوب براجماتي يسمح بتحويل الأفكار إلى برامج قابلة للانجاز و للحياة، فالتفكير والعمل ضروريان لأجل التغيير والتقدم، كما كان يؤمن المربي البرازيلي باولو فيريري.

حضرات السيدات والسادة،،

بعد برهة من الآن، سوف نناقش موضوعاً على غاية من الأهمية، يتعلق الأمر بقضية التنوع الثقافي كسبيل للسلام.

الموضوع في حد ذاته ليس بالجديد، إذ أن جهود المجتمع الدولي غداة الحرب العالمية الثانية قامت على أساس تمكين كافة المجتمعات الانسانية من التمتع بالحق في ممارسة سيادتها في أوسع ما تحمله السيادة من دلالة ومعنى.

أن يطرح موضوع التنوع الثقافي من جديد تحت مظلة تحالف الحضارات يعني بأن علامات استفهام لازالت قائمة بالنسبة لحق الاختلاف والتنوع.

لذلك أعتقد بأنه بات من الضروري العمل على تفعيل دور المجموعات الإقليمية الكبرى لتلعب دوراً نشطاً في استتباب الأمن والسلام.

أولاً أعتقد جازمة بأن المجموعة العربية بمؤهلاتها البشرية والطبيعية والاستراتيجية بإمكانها أن تشكل إلى جانب مجموعات أخرى من آسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها قوة دافعة لتعزيز قيم تحالف الحضارات، وهذا ما يندرج ضمن مفهوم إعادة هيكلة ذلك التحالف السالف الذكر. فكما كان يؤمن فيريري: " حينما نحاول تحرير المقهورين دون مشاركتهم في فعل التحرير، فكأنما نعتبرهم أشياء نحرص على إنقاذها في مبنى يحترق ".

ثم في مستوىً ثانِ، ستتفقون معي بأنه لكي لا تكون ثقافة السلام مجرد شعار وربما وهم، علينا بناء الثقة وتبديد الشكوك بإجتثاث أسباب التوتر والظلم.

وكمواطنة تعتز بهويتها العربية بحمولتها الثقافية وإرثها الحضاري، لا يمكنني كمئات الملايين من بني قومي، أن نستسيغ معاناة أشقائنا المحاصرين في غزة والضفة الغربية والمهددين في قيمهم ومقوماتهم الانسانية والحضارية.

هل نقدر فعلاً كمجتمع دولي ماذا تعني القدس، ليس بالنسبة للعرب وللمسلمين فحسب، وإنما لأتباع كافة الديانات السماوية، بل للانسانية قاطبة؟

هل ندرك ما يمثله جدار الفصل العنصري من رمزية تتنافى وقيم الحق والعدالة والمساواة التي نحن اليوم مجتمعون لتكريسها؟

هل نستوعب دلالة التجهيل الممنهج لناشئة شعب بحرمانها من الحق الشرعي في التعليم بمنع دخول مواد البناء وأدوات التعليم الأساسية، ماذا نتوقع من هؤلاء الشباب؟

فإذن التنوع الثقافي والحضاري الذي ننشده ونتوخاه، لا يعني أبداً مصادرة الحق وفرض الأمر الواقع وفبركة التاريخ.

لذلك نحن أمام اختيارين :

فإما أن نؤسس للحق وللثقة ونبني عليهما، حينئذ يجوز لنا أن نتحدث عن التنوع الثقافي والحضاري كسبيل للسلام، وإما أن يبقى الظلم والريبة والشك هم المرجعية وحينئذ سيكون الاستنتاج بديهياً لا يحتاج إلى تبيان.

وفي مستوىً ثالث علينا أن نستفيد من الخبرات الناجحة في تجسيد مفهوم التنوع الثقافي، وفي نظري فإن أمريكا اللاتينية التي نحن سعداء باللقاء فوق تراب وطن من أوطانها قد شكلت أرضاً خصبة لتكامل الثقافات وإنضاج ثمارها.

نحن كعرب نعتز بالدور الذي قاده الرعيل الأول من مثقفينا الذين اختاروا القارة الأمريكية شمالها وجنوبها موطناً ثانياً لهم.

من منا لا يتذكر جبران وإيليا ونعيمه واسهاماتهم في تطوير الفكر العربي.

لقد ساهم أولئك المبدعون ومن جاء بعدهم إلى اليوم في نسج علاقات وطيدة مع مجتمعاتهم الجديدة دون التنكر لتلك الأصلية.لقد كانوا بحق سفراء دائمين لثقافتين وحضارتين، فتجاوزوا بذلك وبكل جدارة، مدى الجغرافية السياسية وأصبحوا مثالا حيا للتحالف العملي والواقعي الذي ننشده اليوم.

حضرات السيدات والسادة،،،

أمام البشرية ملفات كبرى عليها أن تتصدى لها بكل عزيمة وإرادة وإصرار.

إنها ملفات مقاومة الأمية، تعزيز الحق في التعليم الجيد والتنوع الثقافي، الاستفادة المتكافئة من الطفرة التكنولوجية والبحث العلمي، مكافحة الأمراض وتطويق آفات البيئة المهددة للأمن الغذائي والأمن البيئي، نعم الأمن البيئي.

حقيقة الأمر أزمة في عولمة باتت تستهدف تحقيق الربح أكثر مما تستهدف خدمة الإنسان . فكثير من الناس ، وبالذات في الدول النامية ، ينظر لهم كمادة اختبارات علمية بدلاً من أن يعاملوا كآدميين يتمتعون بحق متساوٍ في الأمن البيئي .

فعلى سبيل المثال، فإن استعمال الفسفور الأبيض والقنابل العنقودية واليورانيوم المنضب تسبب في دمار لا يمكن التعافي منه في المنطقة العربية بوجه خاص.

فمنذ حربي الخليج الأخيرتين والعلماء يدرسون الآثار بعيدة المدى لليورانيوم المنضب على البيئة والتجمعات البشرية.

فلقد شهدت المنطقة إرتفاعا في الأمراض المزمنة والمستعصية منذ حرب الخليج الأولى كما إرتفعت نسبة التشوهات الخلقية وترتبت العديد من الآثار السلبية على البيئة.

فبعد حرب الخليج الأولى وحدها زادت تشوهات الولادة في العراق من 11 في الألف في 1989 إلى 116 في الألف في 2001 . كما زادت الإصابة بالسرطان في جنوب العراق من 34 فرد في 1981 إلى 603 في 2001 .

وبالإضافة إلى ذلك فإن الدراسات الطبية والبيئية بدأت تكشف عن أثار الأسلحة على التوازن البيئي الشامل في المنطقة بل وعلى النظم البيئية في البحر المتوسط وأوروبا.

كيف يمكن لتحالف الحضارات أن يساهم في معالجة هذه الملفات المهمة والملحّة؟

الجواب عن هذا التساؤل الكبير هو الذي سيعطي لهذا التحالف قيمة ومعنىً ويضعه في مساره الصحيح.

أغتنم هذه المناسبة لأوجه الشكر للسيد الأمين العام بان كي مون بخصوص تشكيل فريق رفيع المستوى حول أهداف الألفية إنها مبادرة يجب أن تلقى منا جميعاً كل الدعم، ولذلك علينا أن نحرص على كيفية توظيفها وأن نعمل على مدّ جسور التعاون لتفعيل رؤية تحالف الحضارات.

هكذا أرى روح ريو دي جانيرو اليوم وأتطلع أن تكون روح الدوحة 2011

أشكركم جميعاً وأتمنى النجاح لأعمالنا،،،