المناظرة الموضوعية والتفاعلية حول التعليم في وضعية الطوارئ

نيويورك, 18 مارس 2009

بسم الله الرحمن الرحيم 

السيد الأمين العام للأمم المتحدة،،،
السيد رئيس الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة،،،
حضرات السيدات والسادة،،،

أود في مستهل هذه الكلمة أن أوجه خالص الشكر وعميق التقدير لكل من هيأ أسباب انعقاد هذه المناظرة الموضوعية والتفاعلية في رحاب الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأخص بالشكر رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة السيد ميغيل ديسكوتو بروكمان وسفراء الدول الأعضاء أصدقاء حماية حق التعليم في مناطق الأزمات: بنين، البوسنة والهرسك، كوستاريكا، نيكاراغوا والنرويج.

وإنه لمما يزيد من إعتزازي أن أهداف حملة الفاخورة التي أطلقها طلبة قطر تضامنا مع أقرانهم في غزة لمناهضة الغزو العسكري الأخير الذي حرمهم من الحق الطبيعي في التعليم، قد وجدت تأييدا من طرف السيد ميغيل ديسكوتو بروكمان الذي أكد بحضوره الشخصي في جانب من تلك الحملة إلتزام المجتمع الدولي بنصرة القضايا العادلة أّنْى كانت وحيثما وجدت.

لقد لبيت الدعوة للتحدث إليكم اليوم لعاملين إثنين:

أولهما قناعتي الراسخة بقدسية القضية التي ألتزم بها بكل طاقة وجهد، رغم كل الإحباطات وخيبات الأمل التي عمقتها الحرب على غزة، ، إنها قضية الحق في التعليم الجيد للجميع، ليقيني بأن ذلك الحق المقدس هو السبيل الأمثل لتقارب الشعوب وتصالح الحضارات، والذي بدونه ستكون قيم الحرية والعدالة والمساواة مجرد دعابة رخيصة.

فالجهل هو الخطر الجاثم على مستقبل البشرية والمهدد لكيانها أكثر من أي خطر آخر مهما تعاظم أمره.

أما العامل الثاني، فهو موضوع هذه المناظرة الموضوعية والتفاعلية: التعليم في وضعية الطواريء.

ذلك أن تخصيص الجمعية العامة لقاءً لهذا الغرض يجمع صناع القرار بالخبراء، يعني في تقديري الشخصي، اعتراف المجتمع الدولي ليس بالظاهرة فحسب، وإنما باستفحالها وتهديدها لمبادئ وأسس ذلك المجتمع، وفي نفس الوقت هو إقرار ضمني بهشاشة الإرادة الدولية وربما عجزها عن تطويق تلك الظاهرة النشاز.

وأحسب أنكم ستولون تحليل هذه النقطة البالغة الدقة والحساسية كل عناية، مع إستنتاج الخلاصات الكفيلة بإرجاع الأمور إلى نصابها وذلك حفاظا على مباديء وقواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية.

حضرات السيدات والسادة،،،

إن التعليم في وضعية الطواريء يعني تعرض الحق في التعليم للتهديد لأسباب طبيعية مرتبطة بالكوارث، ولأخرى، مع كامل الأسف، إرادية يتسبب فيها الإنسان.

أستأذنكم في تسليط الضوء والوقوف عن قصد عند الشق الثاني من هذه المعادلة دون إطالة، ذلك أن إنتهاك الحق في التعليم هو من الخطورة ما يتطلب إتخاذ مواقف وأفعال حازمة، وعدم الإكتفاء بردود الأفعال والشعارات.

وأكاد أجزم بأن هذا هو بالذات، ما يفسر القلق المشروع الذي يساورنا والمتمثل في كون ما إعتمدناه منذ مؤتمر داكار من رؤى وإستراتيجيات بشأن تحقيق أهداف التعليم للجميع، تبدو اليوم رغم كل النوايا الحسنة والجهود، أبعد مما نتصور، فلا يفصلنا عن عام 2015 سوى بضع سنوات كما أن الأهداف التنموية التي أقرتها هذه الجمعية في سبتمبر 2001 تبدو مع كامل الأسف بعيدة المنال.

ومن هنا فإن تهديد الحق في التعليم هو في واقع الأمر، جدار عازلِ يحول بيننا وبين تحقيق تلك الأهداف التي نحن من سطرها بإقتناع وليس غيرنا.

فهل نقدّر كمجتمع دولي ماذا يعني الحرمان المقصود للطلبة من حقهم المشروع في التعليم عندما تُوضع أمامهم الحواجز التي تمنعهم من الإلتحاق بمدارسهم وجامعاتهم؟

عندما يُُفصل عن عمد التيار الكهربائي عن مؤسساتهم، فيحرمون ليس فقط من خدمة الإنارة وإنما من الإستفادة من إستعمال مختبراتهم وخدمات تكنولوجيا المعلومات فيعودون مع سبق الإصرار عقوداً إلى الوراء في مجال التحصيل العلمي ومتطلبات مجتمع المعرفة؟

هل نعي خطورة فقدان مجتمع بأكمله لنخبه الفكرية حينما يتم استهداف الجامعيين وقتلهم ببرودة دم؟ كيف يمكن تعويض مثل هذه الخسارة؟

هل ندرك خطورة قصف مؤسسات تعليمية يرفرف عليها علم الأمم المتحدة رمز الحق والمشروعية؟

هل نستوعب فعلاً دلالة ترسيخ ثقافة اليأس والخوف لدى الناشئة بدلاً من تعزيز ثقافة الأمل والحياة ؟

ترى ما هو احساسنا ونحن نشاهد ونقرأ عن مخططات وحالات تجييش الأطفال واليافعين وإبعادهم القسري عن المدارس في مناطق الصراعات؟

هذا توصيف مبسط لبعض عناصر الحالة، كل منا في هذا الفضاء على علم بدلالاتها، بقاؤها وإستمرارها ثم إستفحالها ينم عن عجز وضعف.

نقر جميعاً بأنها تمثل انتهاكاً للحق في التعليم، لكننا نكتفي في أحسن الحالات بالتنديد والإدانة، بل أحياناً نجد من يلتمس لها الأعذار، ليطويها بعد ذلك النسيان، لأننا ننشغل بقضايا أخرى، ندخل في التفاصيل، أما القضية الأصل فنضعها خلف الظهر أو نركنها في الزاوية إلى حين.

ومن هنا فإن ما يطرحه المجتمع الدولي لحد الآن من نوايا لإعادة إعمار المناطق المستهدفة بالأزمات والحروب، والزخم الذي تحظى به تلك النوايا، لن تعوض أبدا عقلا بشريا واحدا إذا ما ضاع، كما أنها لا يمكن قطعاً وبالنتيجة أن تعوض فرصة حقيقية للتعليم إذا هُدِرَت.

فعندما نتحدث عن الحق في التعليم، لا يجوز لنا أن نحول الواجب والإلتزام إلى مجرد تعاطف أو ردة فعل ظرفية إنسانية تضيع مع التفاصيل.

إنه لمحبط فعلاً هذا الوضع، في عصر نحاول فيه أن نقنع أنفسنا بقيم ومُثُلِ الحق والعدل والمساواة.

السيد الأمين العام،،،
السيد رئيس الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة،،،
حضرات السيدات والسادة،،،

لقد جئنا جميعاً إلى هذا اللقاء يحدونا الأمل في بناء غدِ أفضل لأبنائنا وأجيالنا الصاعدة.

نحن نتقاسم نفس الهواجس، قد نختلف في التحليل لكن أهدافنا واحدة تتمثل في صيانة وحماية قدسية مبدإ الحق في التعليم بكل مكوناته وعناصره، نحتكم في ذلك إلى القواعد والأسس التي يقوم عليها ميثاق منظمة الأمم المتحدة والعهد العالمي لحقوق الإنسان.

ولأننا نؤمن بقيمة الحياة ونقدر ثقافة السلام، علينا ألا نترك لليأس والإحباط فجوة للتغلغل إلى وجدان أبنائنا، ولذلك فمن واجبنا أن نحرص، من خلال المساءلة، على التصدي لكل من لا يحترم الحياة ولا يحترم البشر ولايقدس الحق في التعليم.

إن الحق في التعليم يتطلب حماية المؤسسات التعليمية والعاملين بها من الإعتداء أثناء النزاعات. وحتى تتحقق تلك الحماية فلابد لها أن تقترن بعنصرين أساسين هما : الردع والعقاب.

ولهذا الغرض يجب تفعيل الإتفاقيات الدولية ذات الصلة، وتعزيز مضمونها من خلال إصدار قرار دولي ملزم يتضمن آليات تنفيذية وعملية لمنع الإعتداء على هذا الحق ومعاقبة مقترفه مع إجباره على تقديم التعويض المناسب عن أي ضرر بشري أو مادي يترتب عن ذلك.

ولهذه الغاية، فإنني أدعو ومن على هذا المنبر، أن تكون هذه المناظرة منطلقاً لخطة عمل إجرائية برعاية الأمم المتحدة ومشاركة كافة الدول، ترمي إلى وضع آلية لحماية النظم التعليمية في مناطق النزاعات والأزمات وجعلها فعلاً ملاذاً آمناً.

وأرى أنه من المفيد أن يتم ذلك عبر تنظيم مؤتمرات إقليمية بمشاركة صناع القرار، جنباً إلى جنب مع الخبراء المعنيين بهذا الموضوع، وذلك لتعميق النقاش واعداد الدراسات وأوراق العمل، على أن تُتوج تلك الجهود بعرض النتائج والخلاصات في مؤتمر دولي ترحب الدوحة بإحتضانه.

أشكركم وأتمنى لمناظرتنا كل التوفيق.