المنتدى الاجتماعي لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة

جنيف، سويسرا, 01 أكتوبر 2019

 

أشكركم، ويسعدني التواجد معكم هنا هذا الصباح.

يسرد الفيلم الذي شاهدناه للتّو قصة أطفال يعيشون في ظروف مأساوية تدعو لليأس، بَيْدَ أنهم لم يفقدوا الأمل ولم يتوقفوا عن الحلم، بل ويتحدَّون أن يحلموا لأنهم يرون في الأمل نوراً يمضون على هَدْيِهِ نحو مستقبل أفضل.

 لقد رأينا أيضاً الطفلة تبارك، ذات الستة أعوام، والتي تعيش في الموصل، شمال غرب العراق، المدينة التي دمّرتها الحرب. رأينا تبارك في فصل دراسي مهجور من ضمن 130 مدرسة مُدَمّرة. ومع ذلك تقطعُ الطفلة تبارك وشقيقتها مريم يومياً الطريق إلى المدرسة في ساعاتٍ من المشي على الأقدام. فلِمَ تتحملان هذه الرحلة الشاقة؟ الجواب هو أن الطفلة تبارك وعائلتها يدركون أهمية وقوة التعليم في إتاحة الإمكانيات والفرص.

وفي هذه اللحظة التي نتحدث فيها يُحرم عشرات الملايين من الشباب من فرصتهم في اكتساب المعرفة التي تمكنهم من بدء حياتهم، فهم محاصرون في دوّامة العنف، وقد سُلبوا مستقبلاً أفضل، حتى أصبحت الصدمات النفسية جزءاً من حمضهم النووي.

أحياناً عندما أجالسهم أجاهد نفسي في أن أتمسك بالتفاؤل، فقد علمت منذ بدأتُ هذا المسعى قبل أعوامٍ مضت، أنه سيكون عملاً مُضنياً. صدقوني يا أصدقائي لم يكن لديَّ حينها ما يساعدني على إدراك الواقع القاسي لهؤلاء الشباب.

لقد عشتُ إحباطا وخيبة أمل حتّى أني فقدت الثقة في نظامنا العالمي غير العادل، فلم يكن لديّ خيار، ولم يكن لدينا خيار، ومع ذلك يجب علينا توفير التعليم النوعي للأطفال أمثال الطفلة تبارك وشقيقتها.

لقد خلّفت النزاعات المسلحة طويلة الأمد دماراً للتعليم لا يمكن تجاوزه. ولأكون أكثر وضوحاً بشأن ذلك، فأنا لا أقصد الأضرار الجانبية، بل الاعتداء المتعمّد على حق من حقوق الإنسانية الأساسية، ألا وهو التعليم. ففي الأعوام الخمسة المنصرمة فقط شهدنا نحو أربعة عشر ألف اعتداء في ثلاثين بلداً، حيث تعرضت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لضربة قاسية. وقد يكون بعض من اطلع قبل بضعة أيام، على تقرير صادر عن اليونيسيف يسلط الضوء على واقع التعليم في اليمن، والذي أظهر بأن عدد الأطفال والشباب غير الملتحقين بالمدارس قد بلغَ حتى الآن مليوني طفل ومراهق، بينما يظل تعليم نحو 3.7 ملايين آخرين في خطر.

إن للنزاعات أوجهاً متعددة، ففي قطر واجهنا نوعاً مختلفاً من النزاعات عندما تم انتهاك حقنا في التعليم بسبب الحصار المفروض علينا من قبل دول الحصار الجارة. لكننا في قطر ننعم بالسلام والازدهار، في حين يعيش آخرون وسط النزاعات، يحلمون بتحقيق السلام يوماً في مدنٍ صارت خراباً ويَبابا.

وسيحتاج اليمن وسوريا والعراق عقوداً من إعادة البناء، ما عدا التعليم الذي إن ضاع لا يمكن استعادته، ولن تكون هناك أُمّةٌ حينما ينعدم التعليم، وإن لم نغير المسار فسندفع ثمناً باهظاً.

وقد يعتقد الناس أن النزاعات تأتي وتنقضي، ولكننا نعرف حقيقةَ أن النزاعات عندما تأتي ستبقى طويلاً، كما أننا قد تجاوزنا مراحل الرصد، وبات في جعبتنا الآن أزمات دولية.

ويؤدي انعدام التعليم بسهولة إلى تنامي الإحباط الكبير لدى الشباب، الذين يصبحون أهدافاً سهلة للتجنيد من قبل جماعات إجرامية وإيديولوجيات متطرفة مختلفة. فعلى سبيل المثال، كان موسى فتىً من جنوب السودان في سنته السابعة عشرة عندما اندلعت الحرب في السودان، حينها اُغتِيل والده واختفت أمّه، فأصبح وحيدا جائعاً مُحبَطاً ويائسا لا انتماء له، ليتم تجنيده كطفل مقاتل، وكان من بين المهام التي كُلِّفَ بها للشروع في العمل أنْ أُجبرَ على قتل عدد كبير من الأبرياء، إلى درجة أنه أخبر فريقنا بأنه قتل عدداً كبيراً لا يمكنه حتى إحصاؤه.

فلو تأتَّى له أن يحظى بالتعليم النوعي لكان ينعم بالاستقرار، ولجنَّبَ نفسه والآخرين ذلك الأسى. وليس موسى هو الوحيد الذي يقبع في هذا الوضع المتزعزع، بل هناك أمثاله كُثُر. فالأمر هنا لا يتعلق بمسألة اجتماعية واقتصادية، إنما بقضية الأمن الكوني الذي يتطلب حراكاً كونياً.

لكلِّ منا دور يقوم به سواء بشكل فردي أو جماعي. ونعلم من خلال تجاربنا أنه لا يوجد هناك جواب واحد لكل الظروف. وبتنا ندرك أن لكل بلد مشاكله المختلفة وديناميكياته المختلفة التي ينبغي مقاربتها بوسائل مختلفة. ينبغي أن يكون لدينا نهج قائم على الانتقاء والاختيار والابتكار والإبداع.

ويتعيّن علينا التطلع للقطاع الخاص على مستوى الأفكار وليس للتمويل فقط. ونحتاج إلى توظيف التكنولوجيا الموجودة وتطبيق مبادئها على تحدياتنا، فضلاً عن الأخذ في الاعتبار كل الأجوبة التي تقدمها جميع القطاعات.

ولعلّ أفضل الطرق لتحقيق ذلك هي البدء بمحيطنا، فكل واحد منكم يملك القوة لعمل تغييرات إيجابية في بلدانكم. دعونا نسخّر كامل قوانا لضمان أن يحظى كل طفل بفرصة الذهاب إلى المدرسة وتلقِّي التعليم النوعي، وبمقدورنا القيام بذلك. قد يخال المرء هذا الأمر أمراً ساذجاً، فقد سمعت ذلك من قبل عندما تعهدت بتعليم عشرة ملايين طفل. وبالمناسبة فقد حققنا ذلك في غضون ستة أعوام. بالإمكان حماية التعليم، لكننا بحاجة إلى استقراره واستمراريته.

ومن هذا المنطلق يتحتم علينا استحداث آليات جديدة وقوية لمعاقبة أولئك الذين يعتدون على المدارس وينتهكون المعايير الكونية التي تربطنا جميعاً. وعلى الحكومات وضع اتفاقيات جديدة مُلزمة لحماية التعليم، على ألاَ يُعملَ بهذه الاتفاقيات الملزمة إلاَّ إذا وقّعَها وصادق عليها الجميع.

وينبغي أن يكون المجتمع المدني والأفراد والمنظمات غير الحكومية والأفراد والمؤسسات في صميم عملنا، فتحقيق التغيير الفعّال على المستوى المحلي يتطلب تكاتف الأشخاص من خلفيات متعددة ويُنصتون ويتعلمون من بعضهم بعضاً، لأنّ هؤلاء الأشخاص هم الأقرب إلى هذه المسألة وهم مَن يعرفونها حقَّ المعرفة.

لقد اقترحتُ قبل أيام قليلة، في اجتماعٍ لمجموعة المدافعين عن أهداف التنمية المستدامة، إقامة يوم عالمي سنوي لحماية التعليم، لغرض معرفة ما تحقق على سنوياً وتحديد الفجوات وما هي الأمور التي ينبغي القيام بها، ووضع حماية التعليم على رأس الأجندة العامة.

وإنه لوقتٌ مثاليٌّ أن يتم حشد المجتمع الدولي ولفت اهتمامه، وتوجيه رسالة قوية إلى مرتكبي العنف ومَن يمكّنونهم من ذلك بأنه لن يتم بعد ذلك التسامح أبداً مع الاعتداء على التعليم.

ولا يمكننا ولا ينبغي لنا أن نتغاضى عن الصورة الكبرى، وهي حماية مواردنا العظيمة: عقول شبابنا.

شكرا لكم.