منتدى مؤسسة قطر للبحث العلمي

الدوحة, 10 ديسمبر 2010

حضرات السيدات والسادة،

يسعدني أن أرحب بكم في هذا المنتدى الذي هو تجسيد لإرادتنا في قطر لجعل البحث العلمي أحد الأسس الإستراتيجية لرؤيتنا الوطنية.

منذ ثلاثة أيام تحديداً تحدثت عن علاقة التعليم بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، تلك العلاقة التي نظراً لقوتها، أضحت محل إجماع كوني. 

اليوم أتناول أمامكم مساراً أحسبه وثيق الصلة بذات الموضوع بل هو جزء لا يتجزأ منه.

ولأن السياق هو الأهداف الإنمائية للألفية وسبل تنفيذها، فإنني أتساءل: كيف يمكن للعالم النامي أي غالبية البشر في هذا الكون الإنخراط في الطفرة العلمية والتكنولوجية وتوظيف نتائجها لتحقيق تلك الأهداف؟

كيف يمكن لهؤلاء ألا يستمروا واقفين وقوف إنبهار وفرجة أمام ما شهدته العقود الأخيرة من ثورة في الإبتكار العلمي؟

إن الواقع مع كامل الأسف يبين بوضوح تام بأن الإستفادة من الطفرة العلمية ليست شاملة ولا عادلة لكل البشر، إنها بكل بساطة وجه آخر لمعادلة أو قانون (باريتو) أي 20 إلى 80.

ولأنه قد بات مستساغاً ومقبولاً الحديث عن العولمة التربوية، الإقتصادية،الثقافية والمعلوماتية.فإنه آن الأوان لكي يكون للعولمة البحثية مكانها أيضاً.

وحينما أتحدث عن العولمة البحثية فإنني أقصد بها تلك التي لا تتوقف عند البحث و اقتناص الفرص المتاحة والمكسب المربح، وإنما أهدف بالذات تلك العولمة التي يجب أن تأخذ بعين الإعتبار خصوصيات ومتطلبات وإحتياجات العالم النامي.

علينا أن نقتنع جميعاً بأننا قد تجاوزنا مرحلة مناقشة مبدأ وجوب تعزيز فرص البحث العلمي، فهذا الأمر أصبح بديهياً.

لكن أي بحث علمي يا ترى؟أهو ذاك المحصور في قطب واحد المتحكم في أدواته ونتائجه؟ أم البحث العلمي الذي يجب أن يكون شاملاًأي ديمقراطياً في متناول الجميع؟

وكما أنادي بإستمرار بأن التعليم يجب ألا يُستورد أو يُفرض وإنما عليه أن ينمو في البيئة المحلية ويترعرع فيها فكذلك البحث العلمي الذي يجب أن يقوم على مراعاة المعرفة المحلية و تلبية و خدمة الواقع الإجتماعي.ولذلك فالإبتكار في البحث العلمي والإستفادة من نتائجه يجب ألا يتوقف عند حدود من هو قادر على ذلك وإنما من الضروري أن يطال أيضاً من ليس لهم القدرة والإستطاعة.

إذن فالبحث العلمي حضرات السيدات و السادة،

يجب أن يأخذ بالإعتبار حاجيات الدول النامية وألا يبقى مقتصرا على تلبية إحتياجات فئة قليلة من البشر.

فإحتياجات المجتمعات النامية لا زالت تسعى إلى تحقيق الضروري لحفظ الحياة، بينما هي في المجتمعات المتقدمة تهدف إلى تحقيق الرفاهية.

ولذلك فمن المطلوب ونحن نتحدث عن دمقرطة البحث العلمي أن نفكر في إحتياجات ومتطلبات وقدرات أغلبية ساكنة الكون.

من هنا علينا أن نجيب على الإشكال الآتي.كيف يمكن إقناع و حث و تحفيز القطاع الخاص والمؤسسات الكبرى،التي هي الممول الأساس للبحث العلميو الماسكة بزمامه لكي تغير أو على الأقل تعيد ترتيب أولوياتها من تحقيق الربح والفائدة فقط إلى المساهمة في بناء شراكات للتنمية الإجتماعية من خلال البحث العلمي و ذلك بمساعدة مجتمعات تفتقد الوسائل؟هذا هو التساؤل المحوري الذي علينا أن نجد له الأجوبة المقنعة.

حضرات السيدات والسادة،

أعتقد، وهذا ما استنتجته من خلال حواراتي المتعددة في هذا الموضوع، بأن توفير التمويل اللازم هو من بين الأولويات لإطلاق بحث علمي واقعي مستجيب للإحتياجات و محقق للأهداف.

فمثلاً كيف يمكن القضاء على المجاعة التي تهدد مئات الملايين من البشر إذا لم نطلق مشاريع بحثية بشراكة مع المؤسسات المحلية تحقق التطور المطلوب للإنتاج الزراعي كما هو الحال في إفريقيا؟

وهذا ما ينطبق أيضاً على مكافحة الملاريا و السل و داء فقدان المناعة.

كيف يمكن تطوير بنية بحثية بالمجتمعات النامية حتى تصبح طرفاً استراتيجياً و فاعلاً في بلورة و تنفيذ بيان (كانكون) لمقاومة التغيرات المناخية والذي صدق عليه بالأمس و الحرص على استدامته؟

و في وطننا العربي كيف يمكننا من خلال تعزيز بنية البحث العلمي مواجهة التحديات على مستوى الأمن الغذائي والمائي؟

وبالخصوص الأمن البيئي الذي لا يعاني في منطقتنا من التغيرات المناخية فحسب وإنما من نتائج تدخل البشر ومع كامل الأسف بسبب توظيف البحث العلمي في التكنولوجيا العسكرية التي أثّرت في إختلال التوازن البيئي بإستعمال الأسلحة المهددة للبيئة. فتواتر الحروب في منطقتنا هددت الإنسان والحيوان والتربة في الحاضر وفي المستقبل. فالبحث العلمي إذا سبيل إلى تحقيق الأمن البيئي. 

لكن بالإضافة إلى التمويل، البحث العلمي لا يقوم بدون اعداد وسائل بشرية مؤهلة تأهيلاً عالياً و هنا تأتي مسؤوليتنا الجماعية و الفردية.ففي عالمنا العربي على سبيل المثال علينا أن نضع ونطور أطر عمل بحثية كفيلة بإيجاد حلول متناسبة وإحتياجات مجتمعاتنا العربية.

إن الإستجابة لهذا المعطى بالذات هو ما حدا بنا في قطر إلى إحداث بنية بحثية مفتوحة لكافة الكفاءات وذلك من خلال واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا وكذلك المراكز البحثية المتخصصة في البحوث البيولوجية الطبية، البحوث في تكنولوجيا المعلومات والبحوث البيئية. 

فضلاً عن توفير التمويل اللازم من خلال صندوق رعاية البحث العلمي والوقف المخصص لنفس الغرض.

فإذن الحل هو في اعداد و احتضان القدرات و أيضاً في ايجاد البيئة المناسبة بدلالتها الواسعة، و طبعاً هذه مسألة مبدئية في التعليم كما في البحث العلمي.

نقطة أخيرة أريد أن أطرحها عليكم.البنية البحثية تحتاج إلى وضع إستراتيجية قريبة، متوسطة وبعيدة المدى وتحتاج قبل هذا وذاك إرادة سياسية راسخة.

وهكذا فالتوجه الذي اعتمدناه في قطر، في أفق تحقيق أهداف رؤية 2030 يقوم على إعداد الأطر الوطنية و تأهيلها لبناء شراكات عربية، إقليمية ودولية،وتوجيه البحوث ووضعها في سياق تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.

فالبحث العلمي يجب أن يتسم بالقدرة على انجاز الأهداف الاستراتيجية كأولويات كما يجب عليه الإستجابة للمتغيرات المواكبة للرؤية الوطنية، فمثلاً أتوقع أن يساهم البحث العلمي في قطر في تقديم الحلول لمختلف الرهانات البيئية و غيرها التي قد نواجهها ونحن نعدّ العدّة لإستضافة كأس العالم 2022 .

لا أستبق هنا الأحداث لكن هذه من المتغيرات التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار.فبذلك يصبح البحث العلمي كالتعليم مساراً للحل أي سبيلاً للتنمية من خلال تطوير القدرة البشرية.

في ختام هذه الكلمة ما هو المطلوب منا في هذا المنتدى؟ 

لدينا سنة من الآن لإعداد مشاريع بحوث وتقديم دراسات لبعض المفاتيح البحثية التي تفيدنا في قطر و في بقية المجتمعات النامية في وطننا العربي في افريقيا, جنوب الصحراء, آسيا و العالم.

نحن في مرحلة دقيقة علينا ألا نقبل من الآن فصاعداً التقليد والإستنساخ،لا نريد مشاريع بحثية مستنسخة وهجينة قد لا نستفيد منها. نريد منتدى مبدعاً، مبتكراً، متميزاً يتخصص في تقديم الحلول والبدائل لمساعدة المجتمعات النامية على ولوج النادي البحثي بعضوية كاملة لا شرفية و لا كملاحظ.

هكذا أرى هذا المنتدى وإلا فلا فائدة ترجى منه إن كان هدفه رصد ما أنجزه الآخرون فقط.عهد الإنبهار و ستتفقون معي يجب أن نسعى جميعاً لوضعه وراء ظهورنا و أن نبدأ عهد الشراكة و البناء و الندية.

أشكركم على حسن إصغائكم.