مقابلة صحفية: اطلاق برنامج "علم طفلاً

فوربس أونلاين, 14 نوفمبر 2012

مقدّمة المحرّر:

لسموّ الشيخة موزا بنت ناصر، زوجة سموّ أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، دور أساسيّ في دعم رؤية زوجها بعيدة المدى، والتي ترمي إلى النهوض بقطر كمجتمع مزدهر، قائم على المعرفة. كما ترأس مجلس إدارة مؤسّسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، وهي مؤسسة خاصة غير ربحيّة تأسّست في العام 1995. لقد كان دور الشيخة موزا فاعلاً جدّاً مع الأمم المتّحدة لسنوات عديدة: في العام 2003، تمّ تعيينها مبعوث اليونسكو الخاص للتعليم الأساسي والتعليم العالي؛ في العام 2008 عيّنها الأمين العام للأمم المتّحدة سفيرة لتحالف الحضارات؛ وفي العام 2010، أصبحت عضواً في مجموعة الأمم المتحدّة للدفاع عن الأهداف الإنمائية للألفية مع إيلاء تركيز خاص على الهدف الثاني- تعميم التعليم الابتدائيّ.

وقد أجريت هذه المقابلة في الأصل لمنتدى سكول العالمي.

اليوم، الرابع عشر من نوفمبر، أطلقت سموّ الشيخة موزا بنت ناصر مبادرة عالميّة تهدف الى إحراز تقدّم جذري في توفير التعليم الابتدائي النوعيّ لكافة الأطفال في العالم.

رحيم كاناني: ما الذي دفع بسموك لإطلاق مثل هذه المبادرة العالمية وما هي بعض التحديات المتوقعة في المستقبل؟

سموّ الشيخة موزا بنت ناصر: في قطر، بدأنا بالاستثمار جديّاً في التعليم و الإبداع والعلوم والأبحاث منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، كجزء من  سعينا الى التحوّل نحو اقتصاد قائم على المعرفة. وكمبعوث اليونسكو الخاص للتعليم الأساسي والتعليم العالي، وكعضو في مجموعة الأمم المتّحدة لتحقيق الهدف الإنمائيّ الثاني المُرتبط بالتعليم الابتدائيّ، أهتمّ جدّاً بإيصال فوائد التعليم الى الأطفال والمُجتمعات في مختلف أنحاء العالم.

إنّ وجود أكثر من 60 مليون طفل في العالم من دون تعليم، هو تحدٍّ هائل. يُعدّ الوصول الى الأطفال خارج الإطار المدرسيّ من أصعب المهمّات، فهم موجودون في المناطق التي تعاني باستمرار من شدّة الفقر والنزاعات والكوارث الطبيعيّة والتهميش.

يُشكّل التعليم النوعيّ للأطفال بُنيةً حيويّةً تساعد المجتمعات على التطوّر والتعافي. إنّ التعليم الابتدائيّ النوعيّ ليس من حقوق الإنسان الأساسيّة فقط بل عاملاً أساسيّاً للتطوّر الإنسانيّ، وله منافع على الصعيد الصحيّ كما يساهم في تخفيض نسبة الفقر. فكل استثمار بقيمة 10 دولارات في التعليم، يكون مكسب إنتاجيّته 15 دولاراً.

لقد زرت مؤخّراً مشاريع للتعليم في بنغلادش وغزّة وكينيا. في سهول بنغلادش الفيضيّة، يجعل وجود الفقر والفيضانات معاً من التعليم العادي شبه مستحيل. هناك، تلعب المدارس العائمة دورين فهي حافلة تُقلّ الأطفال وصفّ يقدّم الدروس إليهم أيضاً. إنّه حلٌّ مبتكر ومُلهِم، والأطفال الذين التقيت بهم مسرورون جدّاً بالتعلّم- إنّها فرصة حُرِمَ منها غالبيّة أهلهم.

في غزّة، شاهدت صعوبة العيش تحت الحصار، فهناك نقصٌ في المواد التعليميّة، ويعيش الناس تحت تهديد القصف، ويخاف الأهل على أطفالهم عند ذهابهم الى المدرسة. إنّ حياة الأطفال اليوميّة صعبة جدّاً، لكنّهم عازمون ومصرّون ويقومون بكلّ ما يُمكن بالمواد المتوفّرة.

وفي مخيّم للاجئين في كينيا، رأيت 168 طفلاً ما بين ال 6 والـ 20 عاماً يتشاركون الصفّ نفسه- في غرفة بالكاد لها أرضيّة وجدران. والمدهش أنّ رئيسة الهيئة التعليميّة، سعاد، أصبحت رئيسة المدرسة بعمر الـ 25 عاماً، وهي نفسها تخرّجت من هذه المدرسة بالذات. تعلّم سعاد أطفالاً من مختلف الجنسيّات واللغات والأديان؛ أطفالاً عاشوا صدمة النزوح مع عائلاتهم بحثاً عن ملجأً. ولكن مرّة أخرى، إنّها صورة الأمل- أمل يؤمّنه التعليم وحماس يروي تطلّعاتهم، لأنّه أصبح بإمكانهم التعلّم الآن.

إنّ الفرص غير محدودة- فالتعليم لا يُقدّر بثمن. عندما نرى كم يعوّل الأطفال على التعليم، تتّضح أمامنا منافعه والإمكانيّات التي يمنحها.

رحيم كاناني: كيف ستُنفّذ هذه المبادرة فعليّاً على الأرض؟

سموّ الشيخة موزا بنت ناصر: أعتقد بأنّ ثمّة حاليّاً زَخماً فعليّاً يدفع بالمجتمع الدوليّ إلى مواجهة هذا التحدّي. 
علّم طفلاً، المبادرة العالميّة التي أطلقتها في الدوحة اليوم تهدف الى إحراز تقدّم حقيقي في تخفيض عدد الأطفال خارج الإطار المدرسيّ. نركّز على رعاية المبادرات المبتكرة والجديدة، وعلى أقلمة وتعميم الجهود الناجحة للوصول الى ملايين الأطفال. نحن نعمل مع أكثر الشركاء خبرةً في العالم وعند إطلاق المبادرة، كنّا قد تمكّنا من مساعدة 500,000 طفل في الوصول الى تعليم نوعيّ، من خلال 25 مشروعاً تأسيسيّاً. طموحنا أبعد من ذلك بكثير، رؤيتنا تكمن في إعطاء فرصة التعلّم للملايين.

رحيم كاناني: كيف تساهم هذه المبادرة في تلبية أهداف مبادرة الأمين العام للأمم المتّحدة "التعليم أوّلاً"، التي أُطلقت في نيويورك في سبتمبر الماضي؟

سموّ الشيخة موزا بنت ناصر: "التعليم أوّلاً" مثال رائع على الريادة والإصرار. وأنا سعيدة جدّاً بدعوة الأمين العام بان كي مون لي من أجل أن أكون عضواً في اللجنة التوجيهية لمبادرة "التعليم أولاً"، وقد دعمت إطلاقها بكلّ سرور في مقرّ الأمم المتّحدة في نيويورك، سبتمبر الماضي. ستعمل مبادرة "التعليم أوّلاً" على إحداث تقدّم في تحقيق الهدف الإنمائيّ الثاني للألفيّة- وهو الوعد بتأمين حاجات التعليم لكلّ طفل بحلول العام 2015.

تعتمد "التعليم أوّلاً" على ثلاث ركائز: إدخال كلّ طفل الى المدرسة؛ تحسين نوعيّة التعليم؛ وتعزيز المواطنيّة العالميّة. وعبر العمل لإعادة تفعيل دور المجتمع الدوليّ في هذه القضيّة، تقوم "التعليم أوّلاً" بجمع العناصر الفاعلة من حكومات ومؤسّسات، لحثّهم على التزام مشترك من أجل إحداث فرقٍ حقيقيّ.

على الرغم من أنّ مبادرة "علّم طفلاً" ليست مرتبطة رسميّاً بمبادرة "التعليم أوّلاً" إلاّ أنّها تهدف الى المساهمة جديّاً بتحقيق الأهداف المنصوص عليها في أوّل ركيزتين. نحن نعمل مع شركاء لهم خبرة ميدانيّة- شركاء لهم انتشار عالميّ كبير وشركاء لهم جذور محليّة مُتأصّلة، وهم يملكون سجّلات حافلة بالانجازات. تعمل "علّم طفلاً" على تمكين شركائنا من أجل تعزيز وتبادل مبادراتهم الناجحة. أنا واثقة من أنّ الجهود المشتركة المبذولة من قِبَل "التعليم أوّلاً" و"علّم طفلاً" ستشهد تقدّماً بارزاً في السنوات المُقبلة.

رحيم كاناني: إذا نظرنا الى الشرق الأوسط تحديداً، كيف تُصنّفون المشهد الحاليّ للمؤسّسات التعليميّة وعطاءاتها؟ وما الذي يُمكن أن تتعلّمه الدول الأخرى من الجهود القطريّة؟

سموّ الشيخة موزا بنت ناصر: في الأماكن التي سمحت للتعليم بأن يزدهر في الشرق الأوسط، نجد أن نوعيّة العطاءات قد تطوّرت بشكل كبير.

وضعت قطر التعليم في صلب السياسة العامة للحكومة. لقد سعينا باستمرار لتوفير نوعية تعليم عالية للقطريين ولتأمين فرص التدريب، كما قمنا بتحديث المناهج واستثمرنا بشكل كبير في المدارس والمعلّمين والمَرافق التعليميّة. على سبيل المثال، يشمل حرم المدينة التعليميّة في الدوحة التعليم والابتكار من السنّ المدرسيّ وحتّى الوصول الى مستوى البحث. للأسف، هناك أمثلة أقلّ إيجابيّة في المنطقة، خصوصاً في المناطق التي تعاني من نزاعات مثل سوريا، حيث أُقفل أو دُمّر عدد لا يحصى ولا يُعدّ من المدارس، أو أصبح غير مجدٍ بسبب القتال. سعت قطر للحفاظ على حقّ التعليم في مناطق النزاع، وقد دعمت على سبيل المثال مشاريع تعليم في العراق وغزّة. أحلم بأن أرى الشرق الأوسط منطقة يَسهل فيها وصول الجميع الى التعليم، وهو تقليد متميّز وغنيّ، يحتلّ مكانة مهمّة في موروثنا الثقافيّ العربيّ والإسلاميّ.

رحيم كاناني: سؤال أخير، برأي سموك، هل يمكن إعتبار عدم الحصول على التعليم الجيد كعامل من العوامل التي أدت إلى الربيع العربي؟ وما مدى تأثيره؟

سموّ الشيخة موزا بنت ناصر: في أيّ مكانٍ في العالم، نجد رابطاً قويّاً بين النقص في التعليم، النقص في الفرص وبين ما ينتج عنه من إحباط يُسهم في حدوث اضطرابات اجتماعيّة. تُظهر الدراسات أنّ كلّ سنة تعليم يُمضيها طفل يعيش في مناطق النزاع، تقلّل من احتمال انخراطه في الجيش أو الميليشيات بنسبة 20%. إنّه حافزٌ للعالم لكي يؤمّن التعليم المناسب للأطفال. فالتعليم المناسب ينشر التفاهم بين الناس، يعزّز المسؤوليّة المدنيّة والمشاركة السياسيّة، وقد يساهم في إيجاد حلول سلميّة. طبعاً لا يُشكّل التعليم العنصر الوحيد الحاسم في هذه الحالات، ولكن ما يمكن أن يقدّمه التعليم للسلام يُشكّل حافزاً لي شخصيّاً- ويجب أن يكون حافزاً للجميع.