مقال لصاحبة السمو في تايم: كيف لحماية التعليم أن تردع الإرهاب؟

نيويورك, 26 أبريل 2018

التعليم هو المفتاح لإطلاق القدرات الإنسانية، وهو الأمل لبناء مستقبل أفضل بالنسبة إلى الأطفال الذين يعيشون في أكثر المجتمعات حرمانا وتهميشاً. ولكن التعليم اليوم أصبح عرضةً للتهديد في البؤر الساخنة في العالم، الأمر الذي يُخلِّف نتائج وخيمة علينا جميعاً.

وفي دوما، يواصل المدنيون السوريون حياتهم في خوف بعد الهجوم الكيميائي الذي استهدف قريتهم مطلع أبريل الجاري، مخلّفاً 42 قتيلاً في الأقل. وفي مكان آخر بالغوطة الشرقية قُتل قرابة 1900 طفل في الفترة بين فبراير 2014 ويناير 2015. وما زالت البراميل المتفجرة تستهدف المدارس والمستشفيات، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، والفتيان والفتيات السوريون يكافحون من أجل البقاء في وقت كان مُفترضاً أن يكونوا فيه ينجزون واجباتهم المدرسية أو يستعدون لاجتياز الامتحانات الدراسية.

وفي فبراير، أغار متطرفون من جماعة بوكو حرام على مدرسة في قرية دابشي بنيجيريا واختطفوا حوالي 100 فتاة. كما اختطفت نفس الجماعة مئات الفتيات في غارة على قرية شيبوك عام 2014، ولحسن الحظ أن معظم الفتيات المختطفات من قرية دابشي قد أطلق سراحهن الآن، لكن ما تزال مائة فتاة نيجيرية على الأقل أسيرة لدى جماعة بوكو حرام. يا تُرى ما الذي يدور في خلد الفتيات النيجيريات وهن يحزمن حقائبهن الدراسية للذهاب إلى المدرسة؟ وهل يكون التعلُّمُ ممكناً في مثل هذه الظروف؟

لقد خذلَ المجتمع الدولي هؤلاء الأطفال، ويخذل فتيات وفتيان اليمن وغزة أيضاً. ألا  يَنُصُّ ميثاق الأمم المتحدة على أن مسؤولية مجلس الأمن الدولي هي "ضمان السلم والاستقرار الدوليين"؟ لكن هؤلاء الطلاب بلا سلم ولا استقرار، ومجلس الأمن الدولي يبدو عاجزاً عن التدخل لصالحهم.

وفي أنحاء عديدة من العالم، يعيش الشباب والأطفال حياة اليأس والإحباط. ويعيش ربع الأطفال في عمر الدراسة في بلدان دمرتها الصراعات، أو يعيش بها ملايين اللاجئين النازحين، بينما يترعرع ملايين آخرون في مجتمعات يفتكها الفقر. ونتيجة لذلك بات هناك أكثر من 263 مليون طفل وشاب غير ملتحقين بالمدارس، 63 مليوناً منهم في عمر التعليم الابتدائي.

بدون تعليم سيواجهون مستقبلاً من الطموحات المُحطَّمة والأحلام المهشمة، وسيفتقدون المهارات لاكتساب عمل ذي قيمة، وسينعطف بعضهم، بدافع الغضب والإحباط، نحو التطرف والعنف. ويبدو أن الإرهاب، وتلك حقيقةٌ محزنة، يمنح المُحبطين واليائسين شعوراً خادعاً بالانتماء وأن لهدفهم معنىً. وفي المجتمعات المهمشة والمحرومة يستشري الإرهاب كالفيروس.

التعليم هو لقاح العالم للتطعيم ضد الإرهاب.

لقد عملت لأكثر من عشرين عاماً مع أفراد ومؤسسات في أنحاء العالم لتوفير التعليم للأطفال الذين يعيشون في الأحياء العشوائية في البرازيل، ومخيمات اللاجئين في تركيا، والأحياء التي تشكلت بعد الحرب في العراق. ومن خلال مؤسسة التعليم فوق الجميع، التي أسستها عام 2012، عملت أنا وزملائي مع منظمات شريكة وجماعات مجتمعية ومسؤولين حكوميين للمساعدة في توفير التعليم النوعي للفتيان والفتيات الذين ما كان لهم أبداً أن يشاهدوا فصلاً دراسياً. ونسعى في برنامج علِّم طفلاً التابع لمؤسسة التعليم فوق الجميع إلى توفير التعليم لعشرة ملايين طفل من مجموع 63 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس، حصلوا الآن على التزامات من منظمات شريكة في أنحاء العالم بأن يساعدونا في تحقيق هذا الهدف المستحق.

غير أن هذا العمل لن يكون كافياً أبداً ما دامت المدارس والأساتذة والتلاميذ غير محصنين من العنف. ففي العقد المنصرم، قُصفت مدارس وأُحرقت في غزة وسوريا واليمن ونيجيريا وأماكن أخرى من العالم؛ وقُتل الأساتذة وجُنِّد الأطفال، وبلغ ضحايا هذه المآسي الفظيعة سن الرشد الآن.

كيف سيصبح حال هؤلاء الأطفال عندما يبلغون سن الرشد؟ ما هي فرصهم ليعيشوا حياة سلمية منتجة؟  كيف سيقاومون النداءات المشؤومة التي تدعوهم إلى اعتناق العنف والتطرف؟ التعليم يمنح الشباب الصمود والمهارات الضرورية التي يحتاجونها لنبذ الكراهية والعنف، ويمنحهم أيضاً الذهن المستعد والعقلاني، أي الوسيلة الأكثر أهمية التي يحتاجونها وهم يؤسسون طريقهم في عالم معقد ومتغير.

نحن بحاجة لبذل كل ما نستطيع لضمان ألاَّ يُحرم الشباب، ذكوراً وإناثاً، في المجتمعات المحرومة والمهمشة، من فرصة الحصول على التعليم. علينا أن نقوم بذلك من أجل الأطفال ومن أجلنا نحن كذلك؛ وعلينا إذا ما أردنا أن نحيا في عالم يسوده السلام لا مكان فيه للإرهاب، أن  نبذل المزيد لتحصين أطفالنا من التطرف.