مقال لصاحبة السمو في تايم: الأمم المتحدة مُطالبةٌ بالاتحاد لحماية المدارس من الاعتداء

هولندا, 19 مايو 2017

لقد حالفني الحظ في شهر مارس أن ألتقي مخترعاً استثنائياً يافعاً، لم يتجاوز أحد عشر عاماً، اسمه صلاح، وقد استحدث بعض المحركات والأجهزة الميكانيكية التي تعمل بالطاقة الشمسية.

وصلاح كذلك لاجئ، نزحت عائلته من ويلات الحرب والنزاع، بعد أن شهدوا فظائع مروّعة، وأمسوا لا يملكون شيئاً. وبسبب النزوح فقدَ صلاح سنوات من الدراسة.

وكان لي أن التقيت صلاح في "مركز التعلّم البديل" الذي يدرس فيه في ضاحية الخرطوم عاصمة السودان. وهو مركز، تدعمه مؤسسة التعليم فوق الجميع ومنظمة اليونيسيف، يعمل على مساعدة التلاميذ الذين فاتتهم سنوات من الدراسة بسبب النزاعات.

وبينما كنت أبدي إعجابي باختراعاته، لمحتُ أيضاً نموذجاً مجسّماً لتصميم منزل إلى جوار السيارات، فسألته عن الأمر، وأذهلني جوابه لأنه كان متيقناً منه بالمطلق: "ذاك هو البيت الذي سأشيده يوماً ما لعائلتي".

وبالرغم مما واجهه صلاح من تحدياتٍ كبيرة، باتَ بوسعِهِ الآن أن يحيا ويحلم ويخترع ويخطط لمستقبلٍ ما كان له أن يتأتَّى له في ظروف أخرى. وما لا شكّ فيه أنّ التعليم قد حوَّل حياته.

ومما يبعث على الأسى أن ملايين الأطفال في جميع أنحاء العالم لا يمكنهم إظهار قدراتهم بسبب النزاعات في أغلب الأحوال. ووفقاً لمنظمة اليونيسيف يعيش ربع أطفال العالم ممن هم في مرحلة الدراسة، البالغ عددهم 462 مليون شاب، في بلدان دمرتها النزاعات. ففي الشهر المنصرم، أفاد مركز أبحاث التنمية الدولي بأن واحداً من بين خمسة أطفال في عمر الدراسة ممن يعيشون في مناطق الحروب تفوتهم فرصة الالتحاق بالمدارس.

وفي معظم هذه النراعات يذهب الأساتذة والتلاميذ ومدارسهم ضحايا للاعتداءات الممنهجة. وتتعرض المدارس منذ 2013 لسلسلة من الاعتداءات في حوالي 21 بلداً من البلدان التي تعاني من نزاعات مسلحة بدءا من أفغانستان ووصولاً إلى كولومبيا والفلبين وجنوب السودان وسوريا وأوكرانيا واليمن.

كما أن المرافق التعليمية تتعرض هي الأخرى للقصف والإحراق والتدمير. ويتم الاستيلاء على المدارس واستخدامها كقواعد عسكرية، بينما يُجنَّد الأطفال ويتعرض التلاميذ والأساتذة للاختطاف أو القتل.. ولا يجد ملايين الأطفال ملاذاً آمناً يلجأون إليه، الأمر الذي يجعل عدم اليقين عنواناً لمستقبلهم.

التعليم النوعي هو السبيل لبناء السلام وجعل التنمية مستدامة، غير أن المستويات المقلقة للنزاعات والأزمات الإنسانية في جميع أنحاء العالم، لا تهدد الأهداف الإنمائية الكونية للأمم المتحدة فحسب، بل وتهدد مصداقية النظام العالمي الذي تمثله هذه المنظمة.

مجلس الأمن الدولي هو الجهاز المنوط به تطبيق ميثاق الأمم المتحدة لضمان السلم والأمن الدوليين، لكن هذه المؤسسة المهمة تغيب في معظم الظروف التي تستدعي حضورها: حيث ينبغي أن تحاسب أولئك الذين يرتكبون مجازر جماعية وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي.

ومع مرور الأيام، وعندما لا يتمتع أعضاء مجلس الأمن الدولي بالشعور بالمسؤولية في استخدام حق النقض المخول لهم، فإن الجناة لا يحاسبون على أفعالهم، لتضيع بذلك فرص منع النزاعات وإحلال السلام.

لنأخذ على سبيل المثال الاعتداء الذي تعرضت له مدرسة في إدلب بسوريا في أكتوبر، فقد خلَّف 21 قتيلاً من الأطفال وعدداً كبيراً من الجرحى. وتعرض مجمّع تعليمي آخر للاعتداء، يتواجد به رياض أطفال، ومدرسة إعدادية، ومدرستان متوسطتان، ومدرسة ثانوية. وقد وصف مسؤول أممي رفيع المستوى الاعتداء بكونه جريمة حرب محتملة، غير أن مجلس الأمن الدولي أخفق في الاتحاد وإدانة هذا العمل الوحشي، وهو ما يعني أنه لن تكون هناك أي تبعات على الجناة.

وكأن العالم ينظر من خلف نوافذ مكسورة، بينما يواصل اللاعبون الكبار رمي أوراقهم الجيوسياسية  المميتة، مقامرين غير آبهين بحياة الناس، وتراهم يغيرون قواعد اللعبة في كل شوط، يقلبون أوراقهم ويخلطونها لتلائم مصالحهم الاستراتيجية، في تجاهل واضح للحريق المستعر بالخارج.

لكنها ليست لعبة بالنسبة إلى الآباء الحزينين في إدلب، أو الفتيات اللواتي أسِرْنَ من قبل جماعة بوكو حرام في نيجيريا، ولا بالنسبة لملايين الأطفال في مخيمات اللجوء في أنحاء العالم، الذين سُلبت منهم فرصة التعليم.

لن يتوقف العنف والانتهاكات أبداً ما لم تتم محاسبة القوات الحكومية المسلحة والجماعات المسلحة غير الحكومية المسؤولة عن الاعتداء على المدارس. ولضمان أمن الأطفال أثناء التعلّم يتعيّن على جميع الحكومات الالتزام بالقوانين والقرارات الدولية ذات الصلة بحماية التعليم وحقوق الطفل؛ فالعدالة والأمن وحدهما فلن يوفرا التعليم لملايين الأطفال ممّن هم بحاجة إليه.

معلوم جيداً أن التعليم النوعي يقوّي الاقتصادات ويعزّز المخرجات الصحية، وله إسهام بالغ الأهمية في منع حدوث النزاعات، وتعافي المجتمعات بعد انتهاء هذه النزاعات.

وعلى أولئك الذين يمنحون العالم موازنات الإعانات التنموية أن يُدركوا قيمة الاستثمار طويل الأمد في التعليم الآمن والنوعي، وعليهم أيضاً أن يُقدروا إمكانيات التعليم في منع النزاعات والتعافي منها، فضلاً عن قدرته على بناء المرونة في المجتمعات.

ونحن اليوم في معهد لاهاي للعدالة الدولية حيث يجتمع قادة عالميون وناشطون على مستوى القاعدة، ليعربوا عن التزامهم بحماية الأطفال وبناء نظام حوكمة دولية قوي. ولعلها خطوة أولى على خريطة طريق تهدف إلى تقوية  القانون الدولي وجلب المسؤولين عن الاعتداء على الأطفال والمدارس والتلاميذ إلى العدالة.

وإنني لأدعو إلى قيادة جريئة تمنح التعليم فرصة لكسر دائرة العنف؛ إذ سيشكل اجتماع مجموعة الدول العشرين في يوليو 2017 فرصة لقادة العالم للبرهنة على أنهم على مستوى المسؤولية والمحاسبة. ويجب عليهم أيضا تجديد التزامهم تجاه التعليم باعتباره السبيل إلى تحقيق رؤية أهداف التنمية المستدامة.

كما ندعو الأمم القوية إلى رمي أوراقها ووضع نهاية للعبتها المميتة.