مقال لصاحبة السمو في موقع مؤسسة تومسون رويترز: التعليم.. والقنبلة الموقوتة

الدوحة , 20 يونيو 2018

أفرزت الصراعات في جميع أنحاء المعمور أعداداً قياسية من اللاجئين والنازحين، إلى حدِّ أن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أكد بأن عدد النازحين قسراً يبلغ حاليا على مستوى العالم 65 مليوناً و600 ألف شخص، وهو أعلى عدد يُسجل على الإطلاق. ويشكل الأطفال الفئة الأكبر ضمن هؤلاء اللاجئين والنازحين، وتُقدر اليونيسكو أنهم نسبةٌ كبرى من بين 63 مليون طفل في العالم بعمر المرحلة الابتدائية انقطعوا عن الدراسة.

لقد كان عدد كبير من هؤلاء الفتيان والفتيات ملتحقين بمدارس جيدة، بها أساتذة وكراريس مدرسية وسبوراتٍ، إلى أن نشبت الصراعات فعطَّلت تعليمهم ومعه حياتهم، أمّا الصغار منهم فقد تأثرت حياتهم بالحروب قبل أن يبلغوا عُمُر الدراسة، فكان أن حُرموا حتى من النظر إلى داخل الصف.

فَقَدِمت المنظمات الدولية لمدِّ العون لهؤلاء الأطفال وذويهم، ووفَّرت- ما أمكن ذلك، مُتحمِّلةً أخطار جمَّة- الغذاء والماء والمأوى لأولئك الذين يكافحون بيأس من أجل البقاء على قيد الحياة في مناطق الحروب ومخيمات اللجوء. ومعلوم أن الغذاء والماء والمأوى ما هي إلاّ ضروريات تفي بحاجات المدى القصير فقط، وهي في جميع الأحوال ليست الضروريات الوحيدة في حياة المرء، فبالنسبة إلى الشباب الذين يأملون أن يصبحوا بالغين أصحاء ومنتجين ومستقلين فالتعليم هو الآخر من الضروريات طويلة المدى.

تفيد البحوث بأن نسبة كبيرة من الأطفال المهمشين والضعفاء غير الملتحقين بالمدارس الذين تفوتهم فرصة التعليم، لن يكونوا قادرين في مرحلة البلوغ على إيجاد عمل أو تأسيس أسرة، كما أنه لولا الفرص التي يُتيحها التعليم لكان كثيرٌ من هؤلاء الأطفال عبئاً اجتماعياً واقتصادياً على مجتمعاتهم في مرحلة ما بعد انتهاء الصراعات أو في البلدان التي تستضيفهم؛ وقد يتّجه بعضهم بدافع الإحباط واليأس إلى التطرف العنيف. وفي هذا السياق، يصبح أطفال الحروب غير المتعلمين بمثابة قنبلة اجتماعية واقتصادية وسياسية موقوتة. لن نتلافى هذه الكارثة المستقبلية إلاّ إن نحن وفّرنا التعليم لهؤلاء الأطفال اللاجئين والنازحين داخلياً غير الملتحقين بالمدارس.

وفي حقيقة الأمر، باتَ من الصعب حشد الدعم لتعليم هؤلاء الفتيان والفتيات، فبعد عقدين من الحروب، استنزف "الإرهاق العاطفي" احتياطي العالم من التعاطف ما أدى إلى تراجع الحماس تجاه التعافي من الكوارث ومبادرات غوث اللاجئين. بَيْدَ أنه ليس الوقت المناسب الآن لنفقد الأمل. فقد تَبيَّن لنا من خلال خبرتنا في مؤسسة التعليم فوق الجميع أن تعليم الأطفال المهمشين غير الملتحقين بالمدارس ممكنٌ فقط عندما نجعل تعليمهم أولوية من منطلق كونه حاجة إنسانية أساسية مَثلُها مَثَلُ الغذاء والماء والمأوى. وقد تعلّمنا بأنه يتعيّن علينا الحد من العقبات التي تقف حائلاً أمام التعليم في مناطق الصراعات ومخيمات اللجوء، ومنها عقبات عَملية متمثلة في غياب شهادات الولادة، والوثائق الدراسية، ووثائق الهوية، هذا فضلاً عن العقبات السايكولوجية كالخوف من الدخول ثانيةً إلى مدرسة سبق وتعرضت للقصف.

 ندرك أيضاً الأهمية القصوى لحماية المدارس والأساتذة والتلاميذ في مناطق الحروب، ومساءلة أولئك الذين يهاجمونهم. فقد رأيت بأمِّ عيني كيف دمَّرت الحرب مدارس شيَّدناها.

أمام المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية فيما يتعلق بتعليم الأعداد المتزايدة من الأطفال اللاجئين والنازحين الذين ضاعت منهم فرصة الدراسة نتيجة ظروف خارجة عن إرادتهم، وهذا يُحتم على الأمم المستضيفة إيلاء تعليم الأطفال اللاجئين أولوية، وإن هي تخلَّفت عن ذلك فإنها ستخلق مشاكل مستقبلية ستقلل بدورها من التحديات التي يواجهون.

أطباء المستقبل والمهندسون وقادة الأعمال والشعراء، جميعهم سيأتون من الفصول التي نبنيها ونجهزها ونحميها اليوم. لهذا يجب أن يكون تعليم هؤلاء الأطفال أولويتنا الأولى، ولمصلحتهم ومصلحتنا أن لا نسمح بتحوّلهم إلى قنبلة موقوتةً قابلة للانفجار في أي وقت. والآن علينا أن نقوم بما يلزم لحماية حقهم في التعليم النوعي إذا ما أردنا ضمان مستقبل آمن وأكثر ازدهاراً لنا جميعاً.