مقال لصاحبة السمو على موقع هافينغتون بوست: علّم طفلاً: تقديم تعليم نوعيّ لأطفال العالم الذين يصعب الوصول إليهم

الدوحة, 14 نوفمبر 2012

نميل في العالم المتقدم إلى تناسي قوة التغيير في التعليم. يمكن تفهّم ذلك بطريقة ما، فالهِبة التي تحصل عليها كحقّ مكتسب منذ الولادة، تصبح من المسلّمات مع مرور الوقت. وما لا شكّ فيه أنّنا فقدنا ارتباطنا بروعة ونعمة التعليم النوعي. إنّ واقع ملالا یوسافزي ذكّرنا ولو لبعض الوقت بالقيمة الحقيقيّة لتلك الهِبة. أصبح العالم اليوم على معرفة بشجاعة ابنة الـ 14 عاماً

التي قالت من على سرير مرضها في المستشفى، بأنّ ما من شيء تريده أكثر من العودة الى المدرسة في المدينة الباكستانيّة مينغورا، المكان الذي تعرّضت فيه الى محاولة قتل من قبل متعصّبين متوّحشين. تُذكّرنا هذه الحادثة بأنّ الكثير من اليافعين في بلدان مختلفة هم على استعداد للمخاطرة والقيام بتضحيات كبرى من أجل الحصول على التعليم.

لا يجب أن نستغرب. فخلال عقدين من الزمن قمت بقيادة مشاريع تعليميّة، ولم ألتقِ بطفلةٍ واحدةٍ لم تكن مولعة بمدرستها، أو حتّى في الأماكن لا توجد فيها مدرسة.. لم ألتقِ بطفلة لا تعيش على أمل أن ترتاد المدرسة يوماً ما.

ومع ذلك، نجد حاليّاً ستين مليون طفل محرومين من حقّهم الأساسيّ في الحصول على تعليم نوعيّ، وذلك بسبب الكوارث، الفقر، التعصّب، النزاعات، الضغوطات الثقافيّة، أو بسبب وجودها مع عناصر أخرى مختلفة. أطفال في قرىً تنهشها الحروب جنوب السودان، أو في مخيّمات اللاجئين المكتظّة في اليمن. أطفال يعيشون في السهول الفيضيّة في بنغلادش، أو في مجتمعات معزولة وفقيرة في كينيا. أطفال يعيشون بين أنقاض قرى دمّرتها الحروب في ساحل العاج، أو في ضواحي المدن السوريّة المحطّمة. قد نجد أنفسنا ننظر الى حجم المشكلة بشيء من العجز، أو قد نضعها جانباً مع باقي التحدّيات التي لا يمكن إحصاؤها والتي تواجه البشريّة. ولكن هذه المشكلة ليست مستعصية. فنحن نعلم ما يُمكن القيام به في هذا المجال. ولأنّه لدينا القدرة، علينا أن نتصرّف.

اليوم، في مؤتمر القمّة العالمي للابتكار في التعليم بدورته الرابعة في الدوحة ، مؤتمر يجمع أكثر من 1000 موفدٍ من أكثر من 100 دولة يتشاركون أفضل وأكثر المقاربات ابتكاراً في التعليم، أُطلقُ مبادرةَ "علّم طفلاً". إنّها مبادرة تجمع تحالفاً من أهمّ الشركاء المحليّين والإقليميّين والعالميّين من أجل معالجة مساوئ الحرمان من التعليم، ومن أجل كسر حلقة الفقر المفرغة التي يولّدها ذاك الحرمان في معظم الأحيان. وخلال ستّة أشهر فقط، وصلت "علّم طفلاً" الى نصف مليون طفل وغيّرت حياتهم نحو الأفضل، من خلال أكثر من 25 مشروع تعليم مبتكر يتناسب مع واقعهم. ولكن طموحنا أكبر من ذلك بكثير. إنّ نموذج التمويل بالتساوي، والشراكة والتعاون الذي اعتمدناه يعني أنّ قدرة "علّم طفلاً" تكاد تكون بلا حدود تماماً كقدرة الأطفال أنفسهم.

في الشهر المنصرم ، أمضيت بعض الوقت في مخيّم كاكوما للاجئين في كينيا، بالقرب من الحدود الجنوبيّة للسودان. أردت أن أشاهد مباشرةً تجربة الأطفال في مناطق النزاع وانعدام الأمن. في كاكوما، أُدهشت بأنّ الذهاب الى المدرسة بحدّ ذاته له تأثير على الأطفال أبعد حتّى من التعليم الذي يتلقّونه. أخبرني أحد الأولاد أنّه وحين يضع لباسه المدرسيّ الموّحد البالي، يشعر وكأنّه يرتدي سترة واقية من الرصاص، تحميه من التهديدات خارج المدرسة.

في كاكوما أيضاً التقيت بسعاد شريف محمّد، رئيسة الهيئة التعليميّة في مدرسة هورسيد الابتدائيّة. وهي مسؤولة عن تعليم 1400 طفلٍ من مختلف الجنسيّات والثقافات واللغات والأديان. تضمّ المدرسة 25 مُعلّماً،

يقوم بعضهم بالتعليم في صفوفٍ تضمّ أكثر من 160 تلميذاً، كلّهم في أماكن مكتظّة، من دون كهرباء، وأحياناً من دون مقاعد ولا طاولات حتّى. يعتقد الكثير منّا أنّ الحصول على تعليم جيّد في ظروف مماثلة مستحيل، ولكن سعاد والهيئة التعليميّة يعتمدون على إبداعهم؛ ففي غياب الكُتب والأقلام، يقدّمون الدرس بواسطة الأغاني. وقد خصّصوا رقعة أرضٍ صغيرة خلف المدرسة لكي يقوم الأطفال بزرعها من أجل تأمين محاصيل غذائيّة، تفادياً للجوع الذي قد يعاني منه الأطفال.

سعاد هي خير دليل على أن هذه الطريقة يمكن أن تنجح، لأنها ترعرعت في مخيّم اللاجئين وتخرّجت من مدرسة هورسيد التي تدعمها اليوم.

مبادرة "علّم طفلاً" بالشراكة مع المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. واليوم، وبالإضافة الى إدارة هذه المدرسة الكبيرة، فهي تدرس لتحصل على شهادة جامعيّة من خلال التعلّم عن بعد. إنّها امرأة مدهشة— ولا تزال في ريعان شبابها. وقد كانت منذ وقت قصير طفلة مدهشة تماماً مثل مالاله، ومثل ملايين الصبيان والبنات التي تملك مبادرة "علّم طفلاً" القدرة على تغيير حياتهم نحو الأفضل.

الأهم من ذلك, إنّ "علّم طفلاً" لم تركّز على أعداد الأطفال الذين يرتادون المدرسة فحسب بل ركّزت أيضاً على نوعيّة تعليمهم. لذلك نحن نتعاون مع أكثر الشركاء خبرةً في العالم - خبراء استراتيجيّون مثل اليونسكو والشراكة العالميّة من أجل التعليم - وأيضاً شركاء في التنفيذ مثل BRAC والمجلس النرويجي للاجئين.

تكمن أهميّة مبادرة "علّم طفلاً" في التمكين والفعل. تكمن في أقلمة الحلول لتلبية حاجات الأطفال واستثمار الموارد في المكان المناسب

.تكمن في إيجاد ما هو عبقريّ في الحلول المحليّة والارتقاء به لتنفيذه أينما تدعو الحاجة.

لقد علّمتني خبرتي في مجال التعليم أنّه وحيثما وُجِد الأطفال، وُجِد أيضاً الأمل، العزيمة والتصميم. إنّ إعطاء فرصة التعليم النوعيّ للأطفال الفقراء والمهمّشين، تعني تقديم فرصة للتخلّص من الفقر وتحسين ظروفهم الصحّيّة ودفعهم الى تحقيق تطلّعاتهم وتطلّعات أهلهم ومجتمعاتهم.

لذا أدعوكم لزيارة موقعنا educateachild.org.qa، وأكثر من ذلك أنا أناشدكم للمشاركة إذا كانت لديكم الإمكانيّة. بدأنا بإحداث الفرق، وبمساعدتكم يمكن أن نغيّر حياة الكثيرين ومجتمعاتهم. في عالم يضع فيه الأطفال حياتهم على المحكّ، من واجبنا دعم أحلامهم عبر إعطائهم الأمل الذي يؤمّنه التعليم النوعيّ. الهدف الانمائي للألفية الثاني مع التركيز بشكل خاص على توفير التعليم الابتدائي للجميع.