مقال لصاحبة السمو في صحيفة فايننشال تايمز: نداء لحماية المدارس في مناطق النزاعات

لندن, 25 سبتمبر 2012

في تل رفعت على مشارف مدينة حلب السورية، ليس لدى الأطفال مدارس ليذهبوا إليها. فالغارات الجوية أحالت أبنية المدارس إلى أنقاض بعد ضربها مرتين في الأسابيع الأخيرة. وليس الطلبة في منطقة "عزاز" القريبة بحالٍ أفضل، فهناك قاعدة عسكرية تتواجد حيث اعتادت مدرستهم أن تكون. وخارج حدود البلاد، في مخيمات مكتظة في الأردن أو لبنان أو تركيا، سيكون الأطفال اللاجئون محظوظين إذا رأوا معلّماً.

إنّ التعليم يتعرَض للهجوم - ليس فقط في سوريا فحسب، بل في كل مناطق العالم، من أفغانستان إلى كوت ديفوار، ومن غزة إلى جنوب السودان. هناك 28 مليون طفل يعيشون في مناطق النزاع ولا يتلقون أي تعليم على الإطلاق، والهجمات على المؤسسات التعليمية آخذة في الارتفاع. وعلى الرغم من الحظر الصريح الذي ينص عليه القانون الدولي، تتعرّض حرمة التعليم للانتهاك يومياً. 
حمداً لله أن المجتمع الدولي بدأ بالالتفات إلى هذه المشكلة الخبيثة ومعالجتها.

يتعيّن علينا إسماع صوت الضحايا وردع الإفلاس الأخلاقي مع إمكانية حقيقية للعقاب. "التعليم فوق الجميع"، وهي مجموعة غير حكومية أتولى رئاستها، نشرت هذا الأسبوع دليلاً بعنوان: "حماية التعليم في ظروف انعدام الأمن والنزاعات المسلحة"، وهو كتيب جمع القانون الدولي القائم بحماية التعليم في مناطق النزاع. وآمل أن يوفر أداة قوية جديدة لمساعدة المحققين والمحامين والقضاة لملاحقة أولئك الذين ينتهكون حق الأطفال في التعليم.

في اجتماع هذا الأسبوع للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سأشارك الأمين العام بان كي مون وغيره في إطلاق حملة جديدة: ستهدف إلى إدخال 61 مليون طفل، ممن حُرموا من التعليم، إلى المدرسة ومنحهم تعليماً عالي الجودة وشعوراً بالمواطنة بما يساعدهم على صياغة مجتمعات عدل وسلام وتسامح. 

ومن الممكن حتى في أصعب ظروف الفقر والنزاع منح الأطفال تعليماً ذا معنى. وفي عملي كمبعوث خاص لليونسكو شهدت قوة التدخلات البسيطة نسبياً - مثل توفير المنح الدراسية للشباب في غزة لتمكينهم من الالتحاق بالتعليم الجامعي.

إن تفويض اليونسكو والأمم المتحدة عالمي ولكن ثمّة دروساً يمكن استخلاصها من التقدم المحرز في بلدي في الشرق الأوسط. فبفضل زيادة التمويل من الحكومات والمجتمع الدولي، ارتفع معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية بنسبة 10 في المائة عن العقد الماضي، وضاقت الفجوة بين الجنسين، والمزيد من الأطفال ينتقلون من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية.

وفي الشرق الأوسط وحده، لا يزال هناك أكثر من ستة ملايين طفل لم يذهبوا إلى المدرسة وأكثر من ربع البالغين أميون. لا يمكننا أن ننسى أن الطريقة التي ستتبلور من خلالها أحوال هؤلاء الشباب خلال السنوات القادمة ستحدد إلى حد كبير مستقبل منطقتنا والتوقعات المشتركة من أجل السلام والأمن في العالم. والعراق مثال على ذلك، فقد كان رائداً في مجال التعليم في العالم العربي، وقد عانى بشدة نتيجة لثلاثة عقود من النزاع. بينما كانت معدلات القراءة والكتابة عالية في الثمانينيات، فإن ما يقرب من ربع العراقيين الآن أميون، وبمعدلات أعلى من ذلك في بعض المناطق الريفية وبين النساء. إن رؤية التقدم في العمل هناك، لتعزيز كل من التعليم النظامي وغير النظامي، وتدريب المعلمين ومحو الأمية، أقنعني بأن التعليم هو المفتاح لمساعدة البلاد على شفاء جراحها.

إن لدينا الكثير لنحصل عليه. ونحن نعلم أن الطفل الذي يولد لأم تستطيع القراءة تتوفر له بنسبة 50% فرصة العيش لأكثر من خمس سنوات. وفي البلدان النامية يمكن لكل سنة إضافية من التعليم الابتدائي على الأقل أن تضيف نسبة 10% إلى مكاسب الطفل في المستقبل. والبالغون الذين لديهم بعض الأمن المالي أكثر قدرة على الاستثمار في تعليم أبنائهم.

ولهذا، وعلى الرغم من التحديات التي نواجهها، لم يسبق لي أن غمرني الأمل كما أشعر الآن. وستلعب قطر دورها في هذا الاتجاه. ففي نوفمبر، سوف تستضيف الدوحة مؤتمر القمة العالمية السنوية الرابعة للابتكار في التعليم. وهناك، سأعلن المزيد من الخطوات العملية لتمكين 61 مليون طفل من دخول المدرسة.

إن التعليم يمنحنا الفرص والنفوذ. ويمنحنا أيضا التزاماً أخلاقياً واضحاً لاستخدام هذه الهدايا لحماية حق الآخرين.