منتدى النهوض باللغة العربية

الدوحة, 31 مايو 2012

الحضور الكريم... أساتذةً أجلّاءَ وضيوفاً كُراماً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

أحيّيكم في بلدِكم: قطر.. فحيثما تحضرُ اللغةُ العربيّة يصبحُ المكانُ وطناً.. وهكذا هي اللغةُ دائماً: توّطِّنُ النفوسَ والوعيَ والثقافةَ وتصنعُ الهويّة. لقد حرصتُ على التحدّثِ إليكم في منتداكم الأول للمشاركةِ في حوارِ النهوضِ باللغةِ العربيّة التي تمثّل رديفاً أكيداً للأمّةِ العربيّةِ. وإذ نتحدثُ عن اللغةِ فإنما هو حديثٌ أصيلٌ ومباشرٌ عن الثقافةِ والهويّة وبالتالي عن الوجودِ الحضاري للأمّة. واللغةُ، وأنتم العالمون، هي الضلعُ الأصلبُ في ثلاثيةِ "اللغةِ والثقافةِ والهويّة" التي تختلُّ كلُّها إذا ما اختلَّ أحدُ أضلاعِها.. والإنسانُ، في خلاصتِهِ: لغة. يحقّق ذاتَهُ ويجسّدُ أصالتَهُ ويقاربُ تطلعاتِهِ ويواجُهُ تحدياتِهِ بمقدارِ حمايتِهِ وصيانتِهِ لأضلاعِ هذهِ الثلاثيةِ التي تغيبُ بغيابِهِ ويحضرُ بحضورِها.

هذهِ التحدياتُ كلُّها، بينَ حاضرِ اللغةِ العربيةِ ومستقبلِها، تنتظرُ منكم أفكاراً ورؤى إجرائية تسهمُ في تحويلِ اللغةِ العربية من لغةِ منابر وأرشفة وتدوين فقط إلى لغةٍ حية.. حاضرة على الألسنة وعامرة في الأذهان.. لغة معامل ومختبرات، لغة علم وبحث. إن التحدي في إحياء اللغة لا ينفصل عن مشروع إحياء الأمة ينبغي أن تكون حرة فكرياً وقوية اقتصادياً ومستقلة سياسياً وفي مختصر القول إنّ لغةَ الضاد لن تنهض من خارج نهوض أمة الضاد.

وليس من العدل أن تُنعتَ اللغةُ العربية بعدم المواكبة والمعاصرة، وكأنها تعملُ من خارجِ مقاصدِنا وأفعالنا وننسى أنها مفعولٌ به ونحن الفاعلون. فهي لغتُنا ونحن مَن لا يواكبُ ولا يعاصر، إنها مسؤوليتُنا جميعاً أن نعيدَ إليها مكانتَها لتعودَ كما كانت قبل مئات السنين لغةَ علمٍ وأدبٍ وتثاقفٍ مع الحضارات الأخرى، ينقل عنها الآخرون ويتأثرون بنتاجها العلمي والثقافي ويسعون إلى تعلّمِها. ونتأسّى على حالِنا ونحن نرى غيابَ اللغة العربية عن حقول البحث العلمي وضعفَ حركة التأليف والنشر والترجمة في الوطن العربي وضآلةَ الميزانيات المرصودة عربياً لتمويل برامج البحث العلمي التي لا تقارب 0.2% مقارنةً بـ 2% كحد أدنى في البلدان المتقدمة.

إن الإعراب عن الالتزام السياسي بدعم اللغة العربية لا يكفي لوحدهِ، وإذ نحيّي جميع المبادراتِ العربية، الرسميّة والأكاديمية، وتوصيّاتها نتطلّعُ إلى وضعِ برامجَ للنهوضِ باللغة العربية من خلالِ تنميةٍ لغويّةٍ تجعلُ العربيّةَ وعاءً معرفيّاً في صميمِ التنميةِ المستدامة ولغةَ علمٍ قادرةً على مواكبةِ مُخرجاتِ التعليمِ العالي والبحثِ العلمي في مجتمعِ المعرفة.

ومن الأهميّةِ بمكان أن نعرّجَ على دورِ الشبابِ الواثق المتعلّم المؤمن بهويتهِ في تحيين أسباب النهوض العربي الذي يؤدي بالضرورة إلى نهوض لغوي. لقد غمرتنا البهجة والحناس ونحن نرى شبابنا العربي يستخدم بكل ثقةٍ واعتزاز لغته العربية الفصحى كأداة تثوير في عواصم الثورات.

إنّ اللغةَ العربية تشرق في تاريخنا وتقيم في ذاكرتنا الجماعية وتنساب من ألستنا، نرتبط بها ثقافياً ووجدانياً ووجودياً، إذا لم ننهض لن تنهض.

الحضور الكريم..
قد قصدتُ من الاجتماعِ بكم المساهمةَ في إثارةِ الأسئلة، أتركُ لكم ولعلمِكم وخبراتِكم البحثَ في الكيفيّات التي تكفلُ المساهمة في إحياءَ اللغّةِ العربية. وفي ضوءِ ما تخرجونَ به من نتائجَ وتوصياتٍ سيناقشُ المختصونَ معكم وضعَ الآلياتِ العمليةِ والتقنيّةِ الكفيلةِ بتطبيقٍ نموذجيٍّ للأفكار، التي يتصدّرُها توحيدُ جهودِ التعريبِ وإصدار معجم عربي موّحد والتنسيقُ المتواصلُ بين مجامعِ اللغةِ العربية. ويحدونا الأملُ أن يخرجَ منتداكم بمقترحاتِ مشاريعَ استراتيجيةٍ وخططٍ طويلةِ المدى. ومن طرفِنا لن نتردّدَ في تبنّي كلِّ ما يساعدُ على النهوضِ بلغةٍ ألهمَتْنا معنى وجودِنا.. وأيُّ تفريطٍ بكينونتِها ووجودِها سيعني تفريطاً بكينونتِنا ووجودِنا. فلنحافظْ على لغتِنا لنحمي هويِّتَنا.. ولننهضْ بأمتِنا لتنهضَ لغتُنا.

تمنياتي لكم بالنجاح والتوفيق..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.