مقال صاحبة السمو على موقع نيوزويك: أهو حلمٌ مؤجّل؟ الإسلام والحداثة والمعايير المزدوجة

الدوحة, 19 يونيو 2015

لقد شهد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أحداثاً مُلهمةً خلال الأعوام الخمسة المنصرمة. وذُهل العالم لطاقة ورؤية الشباب الذين طالبوا بالتغيير بكل بسالة، حتى أن بعض المعلِّقين لاحظوا أن على أوروبا أن تتعلّم كثيراً حول الديمقراطية من الشباب العربي. فما برز واستمر في الحراك إنما هو روح المقاومة، روح الإصرار، تلك الروح الإنسانية التي غرست بذور الحرية بالدرجة الأولى.

ولكن، كما تساءل لانغستون هيوز ذات مرة "ما الذي حدث لحلمٍ مؤجلٍ؟

وها نحن نشهد ماذا يحدث عندما لا تؤجّل الأحلام فقط وإنما تُقمَع، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل وفي شوارع أمريكا وأوروبا كذلك. لقد تعلّمنا بأنّ الأحلام النبيلة لا يمكن سحقها. ولكن من المؤسف أن تتعرّض للتشويه، ما يدفعها إلى البحث عن قناة تعبير أخرى أكثر عدائية. وهذا هو الثمن الذي ندفعه اليوم لعدم شجاعتنا عندما يتطلب الأمر ذلك. فإذا كان لكل فعلٍ عاقبتُهُ، فإن لكل تقاعسٍ عاقبةٌ أيضاً.

إن أي تشخيص للوضع الراهن يتطلّب تحليلاً سياسياً جاداً وليس ثقافياً فحسب، وأن تكون الخطوة الأولى اختباراً نقدياً للكلمات التي نستخدمها في تشخيصنا. 

هل يمكننا حقاً في عالم اليوم أن نستمر في الحديث عن الغرب والشرق؟ وهل هما متمايزان جغرافياً أم مجرد حالتين ذهنيتين؟ وهل سيظل الشرق صورة أبدية للغرب؟ وكما قال جلال الدين الرومي: "أنا لست من الغرب ولا من الشرق".

الأمر نفسه ينطبق على الحديث حول الإسلام. فنحن نسمع يومياً عن المسلمين "المعتدلين" أو "الليبراليين". وغالبا ما أسأل نفسي هل أنا معتدلة أم ليبرالية أم محافظة؟ فكلما حاولت ترجمة هذين المفهومين إلى اللغة العربية لا أجد لهما ترجمة بليغة. الأمر الذي يدعو إلى التساؤل: من الذي يبتكر هذه المسميات وتعاريفها؟ ولأية أغراض؟

كذلك الحال بالنسبة لكلمة "القروسطي" التي تبرز أكثر فأكثر لتوصيف أفعال المتطرفين. لكن لماذا نصدّر إلى الأذهان، على نحوٍ ما، أنّ أولئك الذين يرتكبون أعمال العنف لا ينتمون إلى عصرنا؟ وأنهم على نحوٍ ما غير "حديثين"؟

إنه رفضٌ ساذجٌ للقبول بمسؤوليتنا المشتركة. فحركة داعش حديثةٌ كسجن غوانتانامو وأبو غريب. كلهم نتاج عصرنا.

إن وسائل الإعلام العالمية، سواء الغربية أو العربية، تدَّعي أن الإسلام لا يؤمن بحرية التعبير، وأنه عالقٌ في القرون الوسطى. فكيف للإسلام ألاَّ يؤمن بحرية التعبير وهو دينٌ يقوم على مبادئ كونية وأبدية أحدثت ثورةً في النظام الاجتماعي في عهد الرسول؟

حرية من؟ وتعبير من؟ عندما ندافع عن الحرية، يجب أن ندافع عن حرية الجميع، وعندما ندافع عن حق شخصٍ ما في التعبير، يجب أن ندافع عن حق الجميع في التعبير، وعندما ندعو إلى الديمقراطية، يجب أن نقبل نتائجها. ولماذا يجتمع قادة العالم في مسيرة للدفاع عن شارلي إيبدو، في حين تم تصوير حادثة القتل في تشابل هيل وكأنها خلاف على موقف السيارات؟ إننا نواجَه في الوقت نفسه بمعايير مزدوجة. ولماذا يا ترى تُقدمُ الإعتذارات عندما يُقتل الأوربيون بالخطأ من قبل طائرات من دون طيار، في حين يطبقُ الصمت عندما يُقتل الأبرياء في اليمن والأطفال الباكستانيون والمدنيون بالطائرات نفسها؟

لماذا تُذبَح الخيارات الديمقراطية للمسلمين؟ ولماذا تبدو حياة المسلمين أقل أهمية من حياة الآخرين؟ هذا إذا ما كانت حياتهم مهمة أصلاً! إنني أرى أن هذا التجريد من الصفات الإنسانية هو نتاج عملية التخويف من المسلمين، فالتخويف من المسلمين لا يعني بالضرورة الخوف من الإسلام. وفي أوروبا يوجد هناك فضولٌ فكريٌّ حول الإسلام على سبيل المثال، وهو احترامٌ للإرث التاريخي والفلسفي والمعماري العريق والغني. 

ولمن المفارقة أن الاهتمام بالحضارة الإسلامية يتوازى مع خوف من المسلمين الأحياء. فعلى سبيل المثال يُعَرَّفُ المسلم في المقام الأول والأخير كمسلم وليس كإنسان. فحتى لو وُلدوا باكستانيين أو ماليزيين أو سنغاليين أو بريطانيين، فإن هوياتهم المتعددة تُختزل إلى وحدات متراصة من الإسلام. 

ودعوني أذكّركم أن الإسلام لم يكن أبداً وحدات متراصة، بل كان منذ البداية وعاءً كبيراً لأعراق وثقافات متعددة. إن رسم صورة متجانسة عن المسلمين "كآخرٍ" مخيفٍ ومجهولٍ، معزول عن جمالية ونبل الإسلام وحضارته، هو جذر التخويف من المسلمين. فالإسلام يحيا في قلوب المسلمين المنتمين إلى ثقافات ومجموعات إثنية متنوعة تؤثر على نظرتهم للعالم، أي إن الإسلام لا يوجد فقط في النصوص المقدسة، والآداب، والفن، والفلسفة، والتاريخ.

وباتَ واضحاً أن الشعوب تستقي معلوماتها أكثر فأكثر حول المسلمين والإسلام من الانترنت، بينما تبقى المعلومات على رفوف المطبوعات الأكاديمية، ولا تصل إلى عامة المواطنين. إننا في حاجة إلى ربط الدراسة الأكاديمية للإسلام بالجمهور الذي يبحث عن المعلومات.

إننا نحتاج إلى النظر في احتياجات الشباب المسلم الذي يبحث في تقاليده عن وسائل لبناء الحداثة الجديدة.

إن الشباب في منطقتنا، كما شباب العالم كله، متحمسون لبناء حداثتهم الخاصة. فالحداثة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتضمن الإسلام. وهكذا يلزمنا أن نسأل: هل كلما أصبحنا أكثر كونيةً أصبحنا في الواقع أكثر تعدديةً؟ فنحن نعيش في عالم ذي أنساق دينية وإثنية متعددة، ولدينا في الإسلام الأدوات الكفيلة باستيعاب هذا التنوع.

لا ينبغي علينا العودة إلى التاريخ بحثاً فقط عن المجد الذي كان هو الإسلام، وإنما أن نتطلع إلى المستقبل سعياً إلى المجد الذي هو الإسلام.

كما ينبغي علينا ألاَّ نستلهم القيم التاريخية وحدها، وإنما نستلهم القيم الأبدية كذلك.

إننا أحوج ما نكون لتطبيق المبادئ والأخلاق الإسلامية في بناء مجتمعات تعددية وعادلة على النحو الذي يتصوره شبابنا.

ويتعين علينا كمسلمين أن نكون حاضرين في الخطاب العام، ليس فقط في مجتمعاتنا بل في المجتمع الكوني أيضاً.

إننا في حاجة إلى تِبيان أن الإسلام إرثٌ أخلاقي حيٌّ وغنيٌّ بوسعهِ تقديم حلول للتحديات الكونية.

فما الذي حدث لحلم مؤجلٍ؟ ولي أن أجيب: قد يتعثّر، ولكنه لا يموت أبداً. 

يمكنك قراءة المقال من المصدر الأصلي:
http://www.newsweek.com/dream-deferred-islam-modernity-and-double-standards-344960