اجتماع اسطنبول لتحالف الحضارات

اسطنبول, 26 نوفمبر 2010

حضرات السيدات والسادة،،،

اسمحوا لي بداية أن أعرب عن خالصِ الشكرِ للجنة الوطنية التركية لتحالف الحضارات على دعوتها الكريمةِ لي لمخاطبة هذا الجمعِ المتميز، وأن أتحدث إليكم بعدَ صفوةٍ مرموقةٍ من المتحدثينَ.

لقد اقترحت اللجنةُ المنظمةُ أن يكون تحالفُ الحضاراتِ والشرق الأوسط موضوعاً لهذا اللقاءِ.

رحبت بالاقتراح، لا لأنَ الشرقَ الأوسطَ مهم جيوسياسياً و إستراتيجياً، أو لأنَ لهُ دور حيوي في تحقيقِ أهدافِ تحالفِ الحضاراتِ فحسب، ولكن لأن هذهِ المنطقةَ تقدمُ حالةً فريدةً لذلكَ التناقضِ الذي نشهده ونشكوَ منهُ في العالمِ بينَ المبادئِ والممارسة، بينَ النوايا و الأفعالِ.

لقد أُرِيدَ للألفيةِ الثالثة، حضراتِ السيداتِ والسادةِ، أن تكون ألفية للسلامِ والوئامِ وحقوق الإنسانِ والتنميةِ.

استهِل العقد الأول منَ تلكَ الألفيةِ، كما يعلم الجميع، بدعوة من الجمعية العامةِ للأممِ المتحدةِ بموجب القرار 52/15بجعلِ سنةِ 2000، سنة دولية لثقافةِ السلامِ، وقرارها رقم 53/25 الذي دعا لتكون الفترة من 2001– 2010 عَقْداً للثقافة العالمية للسلام وعدم العنف ضد الأطفال.

لكنْ ماذا نلاحظُ على أرضِ الواقعِ؟ 

ما نلاحظهُ أنَ هذا العقد شَهِد تراجعاً لقيمِ السلامِ، والحق، والتسامحِ والعدالةِ بشكلٍ أدى للأسفِ الشديدِ إلى تزايدِ سطوة الحرب وغَلَبَةِ التعصبِ إلى درجةٍ تبدو فيها قراراتُ الأممِ المتحدة وكأنها موجهةٌ لكوكبٍ آخرَ، بدلاً من أن تكونَ،كما هو مفترضٌ، بمثابةِ حاضنة للقيمِ الإنسانيةِ وصمام أمانٍ للبشرية.

وأعتقدُ أنَ أوضاعَ فلسطينَ و العراقَ فضلاً عن أفغانستان تغني عن كل تعليقٍ.لكن برغمِ كلِ ما نراهُ في الواقعِ من صورٍ للغضبِ ومظاهرٍ للجورِ، وأشكالٍ للتعسفِ، يبقى معقوداً على العقلاءِ وكلِ الجادينَ مسؤوليةُ البحثِ المشتركِ في بناءِ عالم أفضلَ وإيجادِ وسائلَ لتغييرِ كلِ هذهِ المظاهرِ السلبيةِ، مستعينين بالأساليبِ الحضاريةِ والمؤسساتِ الدولية وبتنسيق الجهودِ بينَ أبناءِ كافة الأمم والثقافات.

حضرات السيدات و السادة،،،

إني على قناعةٍ تامةٍ بأنَ منبر محاضراتِ اسطنبول واحدٌ منَ المنابرِ المهمةِ التي تتيحُ لنا جميعاً فرصةً للتقريبِ بينَ الثقافاتِ، والبحثِ عن أفكارٍ جديدة يمكن تحويلها إلى برامجَ قابلةٍ للتطبيقِ تستطيعُ فكَ شفرةِ كثيرٍ من الإشكالاتِ المعلقةِ.

لقد بادرتُ من جانبي كلما سنحتِ الفرصةُ، سواءٌ على مستوى اللقاءاتِ الشخصيةِ أو بمناسبةِ انعقادِ تجمعاتٍ دوليةٍ، إلى الدعوةِ للتفكير في ابتكارِ كلِ وسيلةٍ قادرةٍ على تعزيزِ مناخِ السلامِ بينَ الثقافاتِ.

وهكذا سبقَ لي أن دعوتُ في افتتاحِ منتدى ريو دي جانيرو الثالث لتحالفِ الحضارات وأيضاً في اجتماعِ مجموعةِ المدافعين عن الأهدافِ الإنمائيةِ للألفيةِ في سبتمبر الماضي بنيويورك إلى الربطِ بين تحالفِ الحضاراتِ والأهدافِ الانمائيةِ للألفيةِ.

وقد اخترتُ اليوم من خلالِ منبرِ محاضرات اسطنبول لتحالفِ الحضاراتِ أن أعالجَ وأركزَ على هذا الترابط.

ذلك أنَ اسطنبول في تقديري الشخصي المكانُ الملائم لبحثِ هذا الموضوعِ. فهي ركنٌ هامٌ في الشرقِ الأوسطِ، كما أنها تقدمُ برموزها وبعمقها الحضاري نموذجاً مفيداً يساعدُ على تجنب الدمار الحتميِ الذي يتسببُ فيهِ من وصفهم السيد الوزير الأول أردوغان عن حق بأنهم، وأقتبس "لا يقيمونَ اعتباراً لمشاعرِ العدالةِ والمساواةِ والحريةِ في بناءِ العلاقاتِ الدوليةِ".

وأودُ أن أشيدَ في هذا المقامِ بمبادرةِ إنشاءِ جامعةِ تحالفِ الحضاراتِ التي تعكسُ بشكلٍ ملموسٍ وجليٍ الإلتزامَ بترجمةِ الأفكارِ إلى برامج.

إن التلاقي بين تحالفِ الحضاراتِ والأهدافِ الإنمائيةِ للألفيةِ ليسَ فقط ممكناً بل هو ضروريٌ من أجلِ الوصولِ إلى هذا العالمِ الذي نتطلع إليهِ، عالمٍ تُحتَرَمُ فيهِ قيمُ العدالةِ والمساواةِ والحريةِ.

واسمحوا لي هنا وأنا أعرضُ أمامكم رؤيتي حول هذا الموضوعِ أن أسجلَ ملاحظةً استوقفتْني نتيجة مشاركتي في عديدٍ من المنتدياتِ والمحافلِ الإقليميةِ والعالميةِ.

فقد لاحظتُ أن من يتحدثُ عن التنميةِ الإنسانيةِ الدوليةِ كثيراً ما ينظرُ إليهِ إما على أنه من ممارسي السياسةِ أو الفلسفةِ أو متفلسف وأنا لا أعتبرُ نفسي بأي حالٍ من الأحوالِ ممارسةً سياسيةً ولا فيلسوفة.

وأتمنى أن لا أكون متفلسفة ولهذا أرتأيتُ أن أقدمَ لكم وجهة نظري عن الترابط بين تحالفِ الحضاراتِ والأهدافِ الإنمائيةِ للألفيةِ من خلالِ خبرتي الشخصية كامرأةٍ مسلمةٍ من الجزيرةِ العربيةِ تشعرُ تماماً بمسئوليتها تجاهَ المشاركةِ في هذا الحوارِ.

إن تجاربي الشخصيةِ انطلقت من البحثِ عن خططٍ عمليةٍ ترتقي بمستوى التعليمِ والشبابِ في وطني قطر.

وكانَ أن تعلمتُ من خلالِ تربيةِ أبنائي ومن خلالِ المشروعاتِ الوطنيةِ التي تأسست في وطنيأن الشبابَ على أتمِ الاستعدادِ لتشكيلِ مستقبلهم بأنفسهم إذا ما أتيحت لهم الأدواتُ المناسبةُ وتوفرت لهم البيئةُ المشجعةُ على الإبداعِ.

وتأكدتُ أيضاً بعد أن أسسنا المدينةَ التعليميةَ التي تضمُ نخبةً من الجامعاتِ الدوليةِ المرموقةِ، ومن خلالِ عضويتي في المجموعةِ رفيعةِ المستوى لتحالفِ الحضاراتِ أن الاختلافاتِ الثقافيةِ بين الناسِ تتضاءلُ وتختفي حينما يجدُ الجميعُ هدفاً مشتركاً يتفقونَ عليهِ ويجتمعون حولهُ، وقد تمثلَ هذا الهدف بالنسبةِ لنا في الارتقاءِ بمستوى المعرفةِ والتعليمِ.

فالتعليمُ في أجواء ثقافية مفتوحة لا يدعمُ فقط التعايش بين الثقافات وإنما يجعلُ قضيةَ التنميةِ الإنسانيةِ في قلبِ هذا التعايشِ.

ثم كانَ أن قادتني تجربتي كمبعوثٍ خاصٍ للتعليمِ الأساسي والعالي لدى اليونسكو إلى المشاركةِ في أنشطةٍ أخرى في الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا أدركتُ من خلالها بعداً آخرَ هاماً وهو أن الصراعاتِ الدائرةِ في المنطقةِ تَحول بين الشبابِ وامتلاكِ المعرفةِ اللازمةِ التي بدونها لا يمكن للتنميةِ الإنسانية أن تتحقق.

لقد باتت تلكَ التنميةُ الإنسانيةُ تعتمدُ على امتلاكِ المعرفةِ وليسَ فقط على وفرةِ المواردِ.

ولذلكَ حرصتُ من خلالِ العملِ مع اليونسكو على أن يكونَ التعليم مضموناً للجميعِ، وبالأخصِ على حمايةِ التعليمِ في مناطقِ الصراعاتِ.

ولأجلِ هذا الهدفِ سعينا بدأبٍ شديدٍ إلى دعمِ عددٍ من مشروعاتِ التعليمِ في عددٍ من المناطقِ من بينها العراق وقطاع غزة حيث تتهددُ أخطار جسيمة المنظومةَ التعليميةَ بكافةِ مكوناتها فتعوقُ بذلكَ عمليةَ التراكمِ المعرفي وتعرقلُ بالتالي دورها في التنميةِ الإنسانيةِ المستدامةِ.

ومنذُ بضعةِ أشهرٍ انضممتُ إلى مجموعةِ المدافعين عن الأهدافِ الإنمائيةِ للألفيةِ فتَعَززتْ قناعتي بأن التعايشَ بين الثقافاتِ وحمايةَ التعليمِ والتنميةَ الإنسانيةَ قضايا لا تنفصمُ الواحدةُ منها عن الأخرى.

وهو ما أوضَحَتْهُ الأحداثُ التي جرت خلالَ السنواتِ القليلةِ الأخيرةِ. فالأزمة الماليةُ العالميةُ والكوارثُ البيئيةُ المتعددةُ وأعمالُ العنفِ السياسي تشيرُ كلها إلى أنَ البصيرةَ قد غابت عن فهمِ المعنى المقصودِ بالتنميةِ الإنسانيةِ وأنها يجبُ أن تكونَ لمصلحةِ كل الشعوبِ وليسَ من أجلِ منفعةِ أقليةٍ منها. 

لكن للأسفِ الشديدِ، أصبحَ كثيرونَ، وبالذاتِ في الدولِ الناميةِ، ضحايا حولتهم الصراعاتُ المنفلتةُ من أيةَ قيودٍ أو معاييرَ أخلاقيةٍ إلى مادةٍ للصراعِ بدلاً من أن ينعموا بحقوقهم في ثرواتِ هذا العالمِ وخيراتهُ شأنهم شأنُ غيرهم. 

أناسٌ أبرياءُ دفعوا بلا ذنب ثمنَ حروبٍ ونزاعاتٍ تسعى إلى سيطرةٍ وهمية وتفوقٍ كاذبٍ على حسابِ حقِ الإنسان ولو في مستوى متواضعٍ من التنميةِ. 

حضرات السيدات والسادة،،،

إنَ الارتقاءَ بالتنميةِ الإنسانيةِ وتحقيقِ الأهدافِ الإنمائيةِ للألفيةِ لا تُعطي قيمة عملية لتحالف الحضارات فقط ولكنها تصبُ تماماً في خدمةِ تحالفِ الحضاراتِ ومسعاهِ في أن تحلَ ثقافةُ السلامِ محلَ ثقافةِ العنفِ. 

وفي منطقةِ الشرقِ الأوسطِ يصعبُ الحديثُ عن استئصالِ آفةِ العنفِ ووأدِ هذهِ الظاهرةِ بكافةِ أشكالها مرةً واحدةً ما لم تُتَخذ خطواتٌ مدروسةٌ تركزُ على معالجةِ مصادرِ العنفِ من جذورها. 

ومن ذلكَ إنهاءُ بؤرِ النزاعاتِ، وإزالةُ كلِ أشكالِ الاحتلالِ، وتسويةُ الصراعاتِ المزمنةِ والمستعصيةِ على أسسٍ عادلةٍ، وتجنيبُ الأطفالِِ وكافةِ المدنيينَ الأبرياءِ مآسي العدوانِ وغيابَ الأمانِ، وحمايةُ المرأةِ من الامتهانِ وكل ما يهددُ سلامتها، بالإضافةِ بالطبع إلى ضمانِِ الحقوقِ الاقتصاديةِ للإنسانِ.

وأريدُ أن أركزَ في هذا السياقِ على العنفِ الاقتصادي الذي يمارسُ بشراسةٍ ضد شبابنا. إن مشكلةَ إيجادِ فرصِ عملٍ لكثيرٍ من الشبابِ تحتَ سنِ الخامسةِ والعشرين ربما هي واحدةٌ من أكبرِ التحدياتِ والرهاناتِ التي تواجهُ العالم، خاصةً وأن كثيراً من هؤلاءِ الشبابِ يعيشون في مناطقَ جغرافيةٍ تعاني الفقرَ المدقعَ.

ولدينا في الشرقِ الأوسطِ وشمال أفريقيا بالفعلِ أدنى معدلٍ لمشاركةِ الشبابِ في سوقِ العملِ مقارنةً بباقي المناطق.

إن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتمتعان بأغلبية سكانية لا يتجاوز متوسط أعمارها الخامسةَ والعشرين.وهي فئة عمرية وفق النظريات السكانية، الطبية والاجتماعية ،يكون الإنسان فيها في أوج قدراته الذهنية والجسدية لو وفرِت له السبل والظروف للابداع والانتاج ولو نُظر إليه كفرصة اقتصادية. هدرها والنظر إليها كأزمة اقتصادية يفقد تلك المنطقة استقلاليتها ويعزز تبعيتها للآخر السخي.

وهذه بعض الأرقام عن الفرص السكانية الضائعة فبحسبِ تقديراتِ البنكِ الدولي فإن معدلاتِ البطالةِ بين الذكورِ في العالم العربي وإن قَلَتْ عن مثيلاتها بين الإناثِ، والتي تقدر بنسبة 50%، تبقى مع ذلك واحدةً من أهمِ التحدياتِ التي تواجهُ دولَ المنطقةِ في السنواتِ القادمةِ. 

كما تُظهِرُ الإحصاءاتُ أن عددَ العاطلينَ عن العملِ في العالم العربي يتجاوز 16 مليوناً ، وقد يقفزُ هذا الرقم إلى 80 مليون عاطلٍ بحلولِ عام 2020.

وفي نفسِ الوقتِ هناك توقعاتٌ بالتحاقِ عشراتِ الملايين من الشباب بسوقِ العملِ، كل هذهِ المعطياتِ تحتمُ على العالم العربي أن يفكرَ من الآن في كيفيةِ تدبيرِ نحو 100 مليون فرصة عمل على مدى السنوات العشرين المقبلة.

إن البطالةَ الناتجة عن عدم حسن استغلال الفرص الديموغرافية هي كالسوسِ الذي ينخرُ في عظامِ مجتمعاتنا. إنها تمثلُ هدراً للطاقاتِ الشبابيةِ وخسارةً للمواردِ الاقتصاديةِ، بالإضافة إلى ما تتسببُ فيه من مشكلاتٍ اجتماعيةٍ خطيرةٍ، بالذاتِ إذا ما علمنا أن معدلاتها تشهدُ ارتفاعاً مستمراً بين المتعلمين من حاملي الشهاداتِ المتوسطةِ والعليا.

وهو ما قد يضعفُ الروح المعنويةَ للشبابِ وذويهم، ويفقد شرائحَ هامةٍ من المجتمعِ الثقةَ في أن التعليمَ هو السبيلُ الأمثلُ للتنميةِ. ولهذا، فالمعضلةُ ليست اقتصاديةً فحسب وإنما هي أيضاً نفسيةٌ، اجتماعيةٌ، أمنيةٌ، وطبعاً سياسيةٌ.

فهؤلاء الشباب العاطلون عن العملِ يعانونَ من الفقرِ والحاجةِ والعوز ومن تَردٍ في أوضاعهم الصحية،فضلاً عن عجزهم عن تحملِ مسئوليةِ أسرهم. بل إن هؤلاء إن ظلوا قابعينَ في وضعٍ اجتماعي واقتصادي تنعدم فيهِ الكرامةُ الإنسانيةُ، سيصبحونَ لقمةً سائغةً وفريسةً سهلةً لإغراءاتِ واستقطابِ المذاهبِ المتطرفةِ ومشاعرِ العنفِ والانتقام.

ولذا يجبُ أن تتكاتفَ الجهودُ لادارة دفة هذه الحالة كي تصبح هي الحل للأوضاع الاقتصادية المتدهورةفي عالمنا العربي،ومعالجةِ هذهِ المشكلةِ العويصةِ التي تهمُ جميعَ الدولِ والمجتمعاتِ على حدٍ سواء، كما يجب ان تؤسسَ مشروعاتٌ وتُطلقَ برامجُ توَفرُ لها الاعتماداتُ الماليةُ الضروريةُ من أجلِ استثمارِ قدراتِ هؤلاءِ الشباب وذلك من خلال التعاونِ بين الحكوماتِ والمنظماتِ غير الحكوميةِ.

ولا يقلُ أهميةً عن اقتلاعِ العنفِ من جذورهِ وبخاصةٍ معالجةُ أسبابهِ الاقتصاديةِ، التأكيدُ على أهميةِ المشاركةِ والعطاءِ. فأكثرُ من 72 مليون طفلٍ حول العالم لا يتلقون التعليمَ الابتدائي، أكثر من ثلثهم يعيشون في مناطقِ النزاعاتِ والحروبِ.

والسؤالُ هنا هو :

ماذا فعلنا لإنقاذِ هؤلاء الأطفالِ من هذا الواقعِ شديدِ البؤسِ؟

ألم نقرر أن هذا العقد كان عقد إنقاذ الطفولة من العنف؟

ولو نظرنا في هذا الخصوصِ إلى منطقةِ الشرقِ الأوسطِ لوجدنا أنها إحدى أكثر المناطقِ اضطراباً في العالم. والطفولةُ فيها ليست سوى حلمٍ مسلوب لجلِ الأطفالِ الذين باتت الحروبُ والنزاعاتُ تمزقُ أوطانهم وتفككُ أسرهم ومجتمعاتهم وتنالُ من استقرارهم النفسيِ والاجتماعي.

إن سنوات طويلةً من العقوباتِ والحربِ في العراق حرمت مليوني طفل عراقي من الالتحاقِ بالمدارسِ كما أدت إلى نقلِ العراق من مصافِ الدولِ المتقدمةِ في الخدماتِ التعليميةِ إلى واحدةٍ من أكثرِ الدولِ تراجعاً في العالم في هذا الباب.

وعليه ورغم ما يمكن ان يبذلُ من جهودٍ، فإن نسبةِ القرائية لن تتجاوز 82% عام 2015.

وعلى نفس الشاكلةِ يلاحظ في قطاعِ غزة أن ما يقرب من مليون فلسطيني في حاجةٍ ماسةٍ إلى المشاركةِ والعطاءِ بعد أن باتوا مجبرين على التعيشِ من المساعداتِ الدوليةِ، التي أضحى الحصول عليها بدوره أمراً متعذراً بسبب إجراءاتِ الحصارِ الظالمِ المفروضِ على سكانِ القطاعِ نظراً لإغلاق إسرائيل لكافة المنافذِ والطرقِ الفرعية بكتلٍ من الاسمنت والحجارة والحواجزِ العسكرية ونشرِ الدبابات والآليات الثقيلة.

لقد تسببَ الحصار على قطاعِ غزة وسياسة العقابِ الجماعي المفروضة على سكانه في معاناةٍ مزمنةٍ لأطفاله.

فأفضي الحصارُ إلى تجويعِ الساكنةِ وتدهورٍ في نظامِ الرعايةِ الصحيةِ، ناهيكَ عن الاغتيالاتِ الممنهجةِ للأطباءِ وأُطرِ المساعداتِ الإنسانيةِ. ووفقاً للأونروا فإن غزة "تعيشُ حالةً من الفقرِ المدقعِ، المخططِ له عن سبق إصرارٍ بمعرفةِ وتشجيعِ المجتمعِ الدولي". 

وقد تابعنا منذ بضعة أشهرٍ فقط،ذلك الهجومَ المروعَ الذي تعرضَ له أسطول الحريةِ الجريء المتجه إلى غزة من قبلِ الجيشِ الإسرائيلي الذي تلقى أعضاءه في غرابةٍ شديدةٍ أوسمةً على ممارساته الهمجية اللاإنسانيةِ بدلاً من الجزاء والمساءلة والعقاب.

وإذا كان للصمتِ كما يقال فضائلُ كثيرةٍ، فإنه لن يكون كذلك على الإطلاق عندما تترتبُ عنهُ الفوضى ويسودُ العبث. 

حضرات السيدات والسادة،،،

إن تحالفَ الحضاراتِ ليسَ منظمةً دوليةً ولا هيئةً إقليميةً كما أنه ليس حلفاً بالمفهومِ التقليدي المتعارف عليه.

إن هذا التحالف، كما أراه، هو حاضنٌُ لقيمٍ إنسانيةٍ ساميةٍ وبوتقةٌ تتجمعُ فيها المبادئ العليا الراسخةُ، التي تضعُ الإنسانَ في المكانِ اللائقِ بهِ باعتبارهِ صانعاً للحضارةِ.

ولذلك يحتاجُ هذا التحالفُ حتى يؤدي دوره إلى خلقِ بيئة دوليةٍ آمنة تسودها ثقافة السلامِ. تلك الثقافة التي اعتمدتْ اليونسكو معناها منذ عقود، لكن ما زال البعضُ مع كاملِ الأسفِ يتلمسُ طريقهُ بتعثرٍ شديدٍ للعملِ بمقتضاهُ. 

ثقافةُ السلامِ التي أعنيها هي التي تُنشئُ الحضارةَ بل هي جزءٌ لا يتجزأُ من الحضارةِ ذاتها، وهي ليست شعاراً بقدرِ ما هي ممارسةٌ تقومُ على الاقتناعِ بأنَ الحوارَ البناءَ هو أساسُ التغييرِ، وأن نجاعةَ ذلكَ الحوارِ تقتضي تبادلَ الرسائلِ خارجَ الدوائرِ المغلقةِ حتى لا يتحولَ الحوارُ إلى مناجاةٍ مع الذاتِ.

هذا هو السياقُ الموضوعيُ للحوارِ المطلوبِ بين الثقافاتِ على كافة المستوياتِ. حوارٌ يتطلبُ معرفةَ الآخرِ عن قربٍ، والإصغاءَ إليهِ بدون إملاءٍ أو استعلاء أو طلبٍ بالتنازلِ عن المبادئ والثوابتِ الراسخةِ.

ولنتأمل بإمعانٍ وبصيرةٍ في الأحداثِ المقلقةِ التي تتواترُ حولنا من هنا وهناك بصفةٍ تكادُ أن تكونَ مزمنةً. أحداثٌ لا تمتُ بصلةٍ لقيمِ الألفيةِ كما نحبُ أن نرسيها. لكنها تذكرنا بأننا فعلاً في قريةٍ صغيرةٍ وأن ما يَقومُ بين أوطاننا من حدودٍ ليست في الواقعِ إلا حواجزَ سهلةِ الاختراقِ، وهو ما يدعونا إلى الحكمةِ وحسنِ التصرفِ ومعالجةِ مشكلاتنا المشتركةِ بجهدٍ جماعيٍ وبمقاربةٍ عميقةٍ بعيداً عنِ الانفعالِ والتشنجِ والحساباتِ السياسيةِ الضيقةِ.

وأرى في هذا الصدد أن تحالفَ الحضاراتِ بإعتمادهِ على ركائزهِ الأربعةِ :

التعليم، الشباب، الإعلام والهجرة يمثلُ أرضيةً صلبةً وتربة خصبة ً للتعاونِ من أجلِ تحقيقِ ما تصبو إليه الأهدافِ الإنمائيةِ للألفية.

وقد أشرتُ قبل قليلٍ إلى ما يمكنُ للتحالفِ أن يتصدى له بخصوصِ مسألتي التعليم والشباب، سواءٌ من أجلِ حمايةِ الحقِ في التعليمِ وبالذاتِ في مناطقِِ الصراعات أو فيما يخصُ حمايةَ الشبابِ من العنفِ الاقتصادي وما قد يوقعهم فيه من غلوٍ وتطرف.

وأرى في نفسِ السياقِ بأنَ الإعلام يستحقُ منا في تحالف الحضارات مزيداً من النقاشِ والتضامن فالإعلام وثيقُ الصلةِ بالتنميةِ الإنسانيةِ المستدامةِ مؤثرٌ في تحقيقِ الأهدافِ الإنمائيةِ للألفيةِ مقربٌ بين الثقافات.

لقد أصبحَ الإعلامُ وسيلةً أساسيةً للإصغاءِ والتفاهمِ وواسطةً لتنقلِ الأفكارِ بين أبناءِ مختلفِ الثقافاتِ. ولهذا لا يجبُ بحالٍ من الأحوالِ التساهلُ مع ذلكَ الاستهدافِ المتعمدِ والمستمرِ للصحفيين من أجلِ إسكاتِ أصواتهم الجريئةِ التي تعملُ على كشفِ الحقائقِ للناس.

لقد بلغَ هذا النزيفُ المأساوي ذروتهُ في العقدِ الماضي حيث قتل 742 من الصحفيين في جميعِ أنحاء العالمِ، لقي 171 منهم حتفهم في العراق الذي باتَ من أشدِ المناطقِ خطورةً في السنواتِ العشرِ الماضيةِ.

وهذه الوقائعُ الوحشيةُ واللاإنسانيةُ التي يتعرض لها رجالُ الصحافةِ والإعلامِ تشتدُ ضراوةً يوماً بعد يومٍ ويبلغُ بها التعطشُ للعنفِ حدوداً تدعونا لمواجهتها، لأن الإعلامَ الأمينَ والملتزمِ، والمترفعِ عن ضربِ الثقافات ِبعضها ببعضٍ والحريصِ على كشفِ الحقيقةِ كما هي دون أن يلونها أو يُجَمِلَها، والمنخرطِ في إبرازِ معنى التنميةِ الإنسانيةِ العادلةِ هو الإعلامُ المطلوبُ دعمهُ من أجل تقويةِ تحالفِ الحضاراتِ وخدمةِ أهدافِ الألفية.

إن الإعلامَ المسؤولَ والموضوعي من شأنهِ أن يساعدنا على أن نبحثَ معاً عن الخياراتِ المناسبةِ وأن يتيحَ لنا قنواتٍ إضافيةٍ وهامة للحوار علينا أن نستفيدَ منها ،ولكي نتحررَ عندما ندخلُ إلى فضاءاتِ الحوارِ من عُقَدِنا ونتركها إلى الأبد خلفَ ظهورنا وحتى نجلسَ مع بعضنا حول طاولةِ الحوارِ بعقلٍ مفتوحٍ وذهنٍ صافٍ ونوايا سليمةٍ، لأن في فهمِ الآخرِ بدقةٍ يكمنُ طوقُ النجاةِ.

فلا يجب أن يَفْهَمَ طرفٌ دونَ الآخرِ أنه الناجي الوحيدِ مما يواجهنا جميعاً من تحديات.

صحيحٌ أن لكلٍ منا معاركهُ في الداخلِ مع قوى لا تريد النجاحَ لهذا التحالفِ، وهي قوى ترتدي مُسوحاً مختلفةً في كل بلدٍ، لكن هدفها واحدٌ وهو سيادةُ لغةِ التطرفِ وزرعِ ثقافةِ الخوفِ وبثِ العزلةِ أينما استطاعت. 

فمسؤوليتنا وأيضاً مصالحنا المشتركةُ تدعونا إلى أن نستعينَ بقوى الإعلام التي بفضلها يمكنُ الوصولُ إلى أوسعِ فئاتِ المجتمعِ والتأكيد على إصرارنا على بلوغ هدفنا النبيل المتمثلِ في جمعِ العالمِ حولَ مبادئٍ واحدةٍ متوافقٍ عليها.

حضرات السيدات والسادة،،،

إن الأهدافَ الإنمائيةَ للألفيةَ وتحالفَ الحضاراتِ لا يمكن لهما أن يتقدما إلا ضمنَ تصورٍ مشتركٍ نتبناهُ جميعاً بشأنِ البيئة. تصورٌ نصونُ به كوكبنا الذي أصبح ضحيةً للحروبِ والنزاعاتِ المتواصلةِ.

تلكَ النزاعاتِ التي كثيراً ما تسببت في تبديدِ المواردِ الطبيعيةِ وإلحاقِ أكبر الضررِ بالحياة. لقد كانت الحربُ وما تزالُ سبباً في تدميرِ بيئتنا الطبيعية. واستهداف ما اسميه بالامن البيئي، فقد ترتبَ عن استعمالِ القنابلِ العنقوديةِ واليورانيوم المنضبِ والفسفورِ الأبيضِ في حربِ الخليجِ الثانيةِ على سبيلِ المثالِ أضرارٌ بعيدةُ المدى في منطقتنا العربية.

وإذا ما سمينا الأشياءَ بمسمياتها، فإن هذهِ الأسلحةِ التي تتنوعُ مابين المتفجرةِ،والبيولوجيةِ، والكيميائيةِِ، والنوويةِ، والإشعاعيةِ لها خصائصها المدمرةِ في إلحاقِ الضررِ بالإنسانِ وبالمكانِ وهو ما يجعلُ منطقتنا ترزحُ حتى الآنَ والى أجل غير مسمى تحتَ مخاطرِ وأهوالِ الأمراضِ المختلفةِ والإصاباتِ السرطانيةِ والأورامِ الليمفاويةِ والتشوهاتِ الخلقيةِ، 
وطبعاً لم يتوقف البلاءُ عندَ هذا الحدِ بل طالَ النظامَ البيئي بالسمومِ الإشعاعيةِ وهددَ الغذاءَ والماءَ بالتلوثِ بما ينذرُ بكارثةٍ قد تلحقُ بالأجيالِ القادمةِ ما لم نعجلِ بمعالجةِ كل هذهِ المشكلاتِ، وإلا فبئسَ الميراثُ ذاك الذي سنخلفهُ لها.

ولا يمكن، حضرات السيدات والسادة، لتحالفِ الحضاراتِ أن يؤدي دورهُ في تحقيقِ الأهدافِ الإنمائيةِ للألفيةِ من غيرِ أن نتضامنَ مجدداً بشأنِ قضيةِ أراها في غايةِ الأهميةِ وهي تلكَ التي تتعلقُ باحترامِ المبادئِ الديمقراطيةِ.

وأول ما يتوجبُ علينا عملهُ إذا ما أردنا حقاً أن نعزز تلكَ المبادئ أن نقبلَ بإرادةِ الشعبِ كما هي، وحقهِ في الاختيارِ كما يعبر عنه، وأن يحترمَ المجتمعُ الدولي بدورهِ نتائجَ هذه الإرادةِ وهذا الاختيار.

فلا فائدة ترجَى بالمرةِ من عمليةٍ انتخابيةٍ تجري بنزاهة ثم نرى من بعدها أطرافاً في المجتمعِ الدولي وهي تعمل كلَ ما في وسعها لإجهاضها وإسقاط من اختارهم الشعبُ بإرادتهِ بدعوى أن المجتمعَ الدولي لا يوافقُ على ذلك الإختيارِ.

فهذه الطريقةُ تعاقب الشعوبَ ولا تحترمُ إرادتها، بل وتزيد على ذلك عندما تعاقبها على خيارها الديمقراطي بفرضِ الحصارِ والتجويعِ.

فأي نوعٌ من الديمقراطيةِ هذهِ؟

هل نقبل بأن تكونَ الديمقراطية مصنوعة ومفبركة و أن تَغتصب إرادة الشعب أونرضى بها إن ختمها المجتمع الدولي بختمٍ مزيف؟

هل هذا حقاً هو كل ما يمكن أن نتطلع إليه بعد كل ما نسمعه ليل نهار عن الديمقراطية وفضائلها!؟.

إن الديمقراطيةَ لا يمكن أن تقاس إلا بتلبيتها لمطالبنا واستحقاقاتنا وشروط بيئتنا وثقافتنا الخاصة، ولا يمكن الحكم على نجاحها بمقدار ما تقدمه الحكومات من خدمات وحماية للمصالحِ الخارجية.

ولهذا فإننا بحاجةٍ لتأكيدِ المعاني الأولية والأساسيةِ للديمقراطيةِ بوصفها تعبيراً عن خيار الناس بأنفسهم وليس بإرادةِ غيرهم. خيارٌ لما يعتبرونه أنه متوافقٌ مع تطلعاتهم في الحقِ في الأمنِ ومنسجمٌ مع آمالهم في التنمية.

الديمقراطيةُ ليست كذلك مجردَ آلية انتخابية وإنما بيئةٌ متكاملةٌ يتمتع فيها المواطنون بحقوقهم كاملة بما فيها نصيبهم من عوائدِ التنمية وحقهم في التعليم والرعاية الصحية والعملِ المستقرِ وحريةِ التعبيرِ.

حضرات السيدات والسادة،،،
لقد حاولتُ اليومَ أن أقدمَ لكم وجهةَ نظري بشأنِ عددٍ من القضايا التي أراها على قدرٍ كبيرٍ من الأهميةِ لتحالفِ الحضاراتِ ومستقبلِ التنمية الإنسانية.

اجتهدتُ في عرضها عليكم من منظورِ امرأةٍ عربيةٍ مسلمةٍ تؤمن بأن تحالفَ الحضاراتِ وتعايش الثقافاتِ لن يتحققَ إلا إذا كان الإنسانُ متعايشاً ومتسقاً أولاً مع نفسهِ وثقافتهِ.

ولهذا أرى، كما حاولت أن أعرضه عليكم، أن لدينا في الشرقِ الأوسطِ كثيراً من المشكلاتِ التي ينبغي أن نتحدثَ عنها بصدقٍ وجرأةٍ، كما أن لدينا كثيراً من المفاهيمِ والرؤى التي بنيناها عن الآخرِ معتمدينَ على أحكام مسبقة، أضحت في حاجة ماسةإلى إعادة نظر.

لكن الغربَ أيضاً، مدعوٌ بدورهِ وبجديةٍ تامة لأن ينظرَ في المرآةِ ليرى صورتهُ بنفسهِ تماماً مثلما هو مطلوبٌ منا في منطقتنا أن نفعلهُ.

ولهذا وكما ندعو أنفسنا باستمرار لنقدِ أنفسنا، فإننا ننتظرُ من الغربِ أن يشرعَ هو الآخر ضمنَ عمليةِ بناءِ تحالفِ الحضاراتِ وتعايشِ الثقافاتِ في نقدِ نفسهِ ونقدِ ممارساتٍ تاريخيةٍ قام بها، وأن يعيدَ النظرَ في كتابتهِ عن تاريخِ الإسلامِ وعن المسلمين، وفي تصويرهِ سواءٌ للمسلمِ قديماً أو حديثاً، لنصحح معاً كل ما نستطيع ونتجاوز معاً كل ما أمكن ونغفر لبعضنا البعض كل ما تيسر.

إن تطور المجتمعات، حضرات السيدات والسادة، مرتبط بقدرتها على الانفتاح على الآخر واستيعاب المشترك الإنساني الذي يجمعها وبث روح التسامح في كل ما تختلف عليه.

وكل ذلك مشروط بممارسة نقدية واعية وأمينة للذات وللغير. وأرى أنه لا يمكن أن نحقق ذلك أعود وأكررإلا إذا أصبحَ التعليمُ حقاً طبيعياً لكل فرد.

ليس هذا فحسب وإنما أن يعتمد التعليمُ على إحداثِ تغييراتٍ حقيقيةٍ في محتواهِ ومنهجيتهِ.فالتعليم هو أساس بناءِ الفرد، وتكوين ثقافته التي يشكل من خلالها وجهة نظرِ في الحياة ورأيهُ تجاه العالم.وبلا شك فإن ثقافة السلامِ تعتمد على التعليمِ في تطويرِ الملكاتِ الإبداعيةِ والقدرةِ على التسامحِ لدى الأجيالِ الصاعدة.

لكن السيرَ فيه سيظلُ واجباً مقدساً لأن الإنسانَ لم يأتِ إلى الأرض ليعيشَ فيها بمفردهِ وإنما ليتعايشِ عليها مع غيره.

وذلك يتطلب بالتأكيد بناء رؤيةٍ أخلاقية مشتركة وتضامنٍ صادقٍ من الدولِ ومنظمات المجتمع المدني تحتَ رايةِ تحالف الحضارات.

حضرات السيدات والسادة،،،

لقد مضت خمسُ سنواتٍ على انطلاقِ هذا التحالفِ، وهي مدةٌ قصيرةٌ بالقياسِ إلى مستوى تعقدِ المشكلاتِ التي تعيشها العلاقاتُ الدولية وبالقياس أيضاً إلى الجهودِ الكبيرةِ المطلوبةِ للتصدي لها.

خلال هذه المدةِ لا بد من أن نسجلَ تطوراً إيجابياً في عدةِ مجالاتٍ لعل أبرزها اتساعُ قاعدةِ العضويةِ من الدولِ المنخرطةِ في التحالف.

إن هذا الاتساع لمؤشر على تزايد الثقة والاهتمامِ بالتحالف وهو أيضاً نتيجة للجهودِ المتواصلةِ للرئاسةِ المشتركةِ التركيةِ الإسبانية وللممثلِ الأعلى الرئيس سامبايو الذي نكن له كل الاحترام ونستطيع بجهودنا المشتركة ان نستشرف افاق تحالف الحضارات خلال العقد المقبل.

طبعاً هذا يضعنا أمام رهانٍ وتحد كبيرين. علينا أن نعي بأن تحقيق ركائز تحالف الحضاراتِ في تناغم مع الأهداف الإنمائيةِ للألفيةِ لا يتم بالتمني، إنه رهين بمدى إلتزامنا الصريحِ والقطعي في إنجاز تلك الركائز، ورهين أيضاً بقناعتنا الراسخة بأن ذلكَ شرط أساسي وليس ترفاً إن أردنا ولوج عقد ثان من ألفيتنا مختلفٍ عن الذي سنودعه، وهو أمرٌ ضروريٌ وحيويٌ أيضاً إذا آمنا بكل صدقٍ بأن تحالف الحضارات منهاج حياة وليس ردة فعل آنية ولا ظرفية.حين اذ فقط تكون الألفيةَ الثالثةَ هي ألفيةٌ للتنميةِ والحق والعدالة والمساواة لا لشيء آخر.

شكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،