الإعلان عن اطلاق برنامج "علم طفلاً"

الدوحة, 14 نوفمبر 2012

في هذه اللحظة، هناك ملايين الأطفال سُلبوا حقّهم في الوصول الى تعليم نوعيّ. أطفال في قرىً دمّرتها الحروب في جنوب السودان، أو في مخيّمات اللاجئين المكتظّة في كمبوديا. أطفال يعيشون في السهول الفيضيّة في بنغلادش، أو في مجتمعات معزولة أو مهمّشة في كينيا.

إنّ الأطفال في مختلف أنحاء العالم، يُحرمون من فرصة تغيير مصيرهم بسبب الكوارث أو الفقر...

نحن هنا اليوم لإعطائهم هذه الفرصة. لتغيير مصائر الملايين. نحن هنا اليوم لإطلاق مبادرة "علّم طفلاً".

لقد سمعتم الاحصاءات- هناك أكثر من ستّين مليون طفل محرومين حاليّاً من الحصول على التعليم. إنها أرقام عصيّة على الاستيعاب. لكن تخيّلوا أنّ هذا العدد يساوي عدد سكّان بكين ولندن وباريس والقاهرة وكراتشي معاً. وخلف هذه الأرقام نجد قصصاً من واقع الحياة لا تُحصى ولا تُعدّ.

قصص حرمان وفقر ونزاع وكوارث. ولكن أيضاً قصص شجاعة وقدرة وإصرار. يستحقّ كلّ واحد من أولئك الأطفال، فرصة لتحقيق أشياء عظيمة. وهذا ما نريد إنجازه في "علّم طفلاً".

في الشهر الفائت، أمضيت بعض الوقت في مخيّم كاكوما للاجئين في كينيا. أردت أن أرى بنفسي تأثير التعليم في مناطق النزاع. تعرّفت هناك الى سعاد شريف محمّد، رئيسة الهيئة التعليميّة في مدرسة هورسيد الابتدائيّة. سعاد مسؤولة عن تعليم ألفٍ وأربعَ مائة طفلٍ. أطفال من جنسيّات وثقافات ولغات وأديان مختلفة. تضمّ المدرسة 25 مُعلّماً فقط. يقوم بعضهم بالتعليم في صفوفٍ تضمّ مائة وثمانية وستّين تلميذاً في مساحة واحدة مكتظّة، من دون كهرباء، ولا أقلام. وحتّى من دون مقاعد ولا طاولات.

يعتقد الكثير منّا أنّ التَعلُّم في ظروف مماثلة مستحيل. ولكن بالنسبة لسعاد والهيئة التعليميّة، ما من شيء مستحيل. فهم يعتمدون على إبداعهم. ففي غياب موادٍ للكتابة، يقدّمون الدرس بواسطة الأغاني أو التمثيل. سعاد نفسها ترعرعت في مخيّم اللاجئين وتخرّجت من مدرسة هورسيد. الآن، وعلى الرغم من الدوام الكامل الذي تتطلّبه منها وظيفة إدارة هذه المدرسة الكبيرة، فهي تدرس لتحصل على شهادة جامعيّة من خلال التعلّم عن بعد.

إنّها شابة رائعة، وقصّة التزامها مصدر للإلهام. سعاد، أعلم أنّك معنا في هذه القاعة اليوم. سعاد، يسرّنا أن نرحّب بك في الدوحة. شكراً لمجيئك.

تدعم مبادرة "علّم طفلاً" حاليّاً جهود سعاد، بالشراكة مع المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين(UNHCR).

ولكن كلّ واحدٍ من الأطفال الألف والأربع مائةِ الموجودين في تلك المدرسة يستحقّ فرصة لكتابة قصّته المُلهمة. لهذا السبب، لا تُركّز "علّم طفلاً" على عدد الأطفال الذين يدخلون المدرسة فقط، بل أيضاً على نوعيّة تعليمهم.

تحتاج سعاد الى عدد أكبر من المدّرسين المتدرّبين. تحتاج الى عدد أكبر من الصفوف. تحتاج من العالَم أن يُقدّر أهميّة تعليم أولئك الأطفال تماماً كما هي تقدّر ذلك. لأنّ الحقيقة الصعبة هي أنّ الأطفال في مدرسة هورسيد محظوظون، إذ لديهم مدرسة يذهبون إليها.

ففي المقابل، هناك الملايين ممن لا تتوفّر لهم حتّى هذه الفرصة.

"علّم طفلاً" ستُعيد تفعيل التزام العالم بمساعدة الأطفال الذين يصعب الوصول إليهم.. الأطفال المنسيّين. إن مهمتنا تكمن في تحويل الأنظار مجدّداً الى الأطفال المحرومين في أيّامنا هذه. أطفال قد يُصبحون في الغد راشدين واثقين من أنفسهم وموهوبين، إذا أعطيناهم الفرصة فقط.

السيّدات والسادة،

أن التحدّي قائم. إنّ الوصول الى الأطفال خارج الإطار المدرسيّ يُعدّ من أصعب المهمّات، في أصعب الظروف. ولكن لا يمكننا غضّ النظر عنهم. يتطلّب الوصول إليهم استثماراً. يتطلّب التزاماً. يتطلّب ابتكاراً عظيماً.

ولنأخذ على سبيل المثال المدارس العائمة في السهول الفيضيّة في بنغلادش- لقد شاهدتموها في الفيلم. معظم الأطفال الذين يحضرون الى هذه المدارس، يأتون من عائلات فقيرة تعيش قرب المياه، ولا يمكنها أن تتحمّل كلفة إرسال أولادها الى المدرسة بعيداً داخل البلاد. ولأنّه لا يمكن للأطفال أن يذهبوا الى المدرسة، تأتي المدارس إليهم. تعمل المدارس العائمة كحافلة وصفّ دراسي في الوقت نفسه- فهي تمرّ على الأطفال لتصطحبهم، وتقدّم إليهم الدروس. هذه هي الحلول المبتكرة التي ستدعمها مبادرة "علّم طفلاً" وستقوم بِعرضِها.

وقد بدأت التأثيرات تظهر. خلال ستّة أشهر فقط، عملنا على أكثر من خمسة وعشرين مشروعاً في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. وصلنا الى خمس مائة ألف طفلٍ. إنّها البداية فقط.

وبالنسبة إليّ، هذا ليس كافياً. طموحنا أبعد من ذلك بكثير.تصوّروا العدد الذي يُمكن الوصول إليه مع استمرارنا في بناء الشراكات بروحٍ من التعاون المُثمر وتبادل الخبرات.

لهذا السبب، تتعاون "علّم طفلاً" مع أكثر الشركاء خبرةً في العالم. شركاء لهم انتشار كبير في العالم. وشركاء لهم جذور محليّة مُتأصّلة. نهدف الى جمعهم معاً في نظام شامل وخصب، حيث يُمكن للأفكار المبتكرة أن تنمو.

حيث يمكن أقلمة وتعميم المقاربات الناجحة. سنقدّم بهذه الطريقة تعليماً نوعيّاً لملايين الأطفال. تكمن أهميّة مبادرة "علّم طفلاً" في التمكين.

تكمن في الفِعل.

تكمن في تكييف الحلول لتلبية حاجات الأطفال.

تماماً مثل مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم، تكمُن هذه المبادرة في البناء على المقاربات القائمة والناجحة والتعاون- من أجل- التغيير.