الملتقى المشترك لمنتدى مؤسسة قطر السنوي للبحوث ومؤتمر شبكة العلماء العرب المغتربين

الدوحة, 21 أكتوبر 2012

الحضور الكريم

ما برِحَ اللقاءُ الأولُ للعلماءِ العربِ المغتربين نَـدِيّاً في أذهانِنا وكيف كانَ يتنازعُنا الأملُ والقلق..

أملٌ بأن نستثمرَ بعضاً من ثرواتِنا الطبيعية لبناءِ ثروةٍ علميّةٍ واقتصادِ معرفة وقاعدةٍ بحثية.. وقلقٌ من أن يتلاشى هذا المشروعُ مع سرابِ التمنياتِ ويعودَ إلى خانةِ الأحلام، لا سيما وإنّ أمّتَنا مرّتْ بتجاربِ الماضي المتعثرة والتي لا تزالُ تُلقي بظلالِها المُحبِطةِ على مسيرةِ التعليمِ والبحثِ العلمي في عالمِنا العربي.

واستحضِرُ هنا ما واجَههُ المؤتمرُ التأسيسي عام 2006 من نقاشٍ حول التحدياتِ المحتملة التي قد تواجهُ أيَّ مشروعِ بحثٍ علمي نهضوي في عالمنا العربي، وخلِصنا في ذلك الوقت إلى أنّ التحديَّ الحقيقي لا ينحصرُ في المواردِ الماليةِ أو البشرية وإنما في تأكيدِ الجديّةِ والمصداقية.

وقبلَ هذا وذاك في كيفيةِ استعادةِ الثقةِ بأنفسِنا لكي نتمكّنَ من الوقوفِ بنديِّةٍ إلى جانبِ الآخرِ في عالمِ البحثِ والابتكار.

وأعتقد أننا، أنتم ونحن، كسِبنا الجولةَ الأولى من التحدي، والفخرُ شعورُنا بتجليّاتِ جهودِكم التي جسّدتْ رؤيةَ وأهدافَ المؤتمر التأسيسي في شواخص هذه السبل: معهد قطر للبحوثِ الطبيةِ الحيوية، معهد البحوثِ القطري للطاقةِ والبيئة، معهد قطر لبحوثِ الحوسبة، ومركز السدرة للطبِ والبحوث.

وإذ كسِبنا الرهانَ معاً في الجولةِ الأولى، وبعد أن تجاوزنا اختبارَ الجديّةِ والمصداقية وبعد أن عادتْ الروحُ للعالمِ العربي وهي عودة ملهِمة منحتْنا تصميماً أكبر وبعد أن استعادَتْ الأمة ثقتَها بطاقاتِ وامكانياتِ شبابها، كَبُرَ حجمُ التحدي في كيفيةِ تطبيقِ هذا الحلم .
وكيف يمكن أن تتضافرَ الجهودُ لخلقِ بيئةٍ علميةٍ محفِّزة للبحثِ والابتكار وكيف يمكن أن يصبحَ البحثُ العلمي والإبداع الفكري جوهراً في ثقافةِ الأمة ومسلَكاً في فعلها الحضاري.وإن هذا كلَّهُ يتطلب تكاتفاً في الجهود ودعماً واسعاً من قبل الجميع.

لقد التزمتْ دولةُ قطر، كما تعلمون، بتخصيصِ 2.8% من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق في مجال البحوث والتكنولوجيا والابتكار، وكُلِّفتْ مؤسسةُ قطر بإدارةِ هذه الموارد. وإنّ تمويلاً سخيّاً بهذا الحجم كان يحتاجُ إلى آلياتِ استثمارٍ قادرةٍ على برمجةِ استخدامِهِ بأفضلِ الصيغ.
وتأتي استراتيجيةُ قطر الوطنيةِ للبحوث لتستوعبَ هذه الحاجة ولتكونَ الآليةَ المرجعيّة لتوصيفِ أشكالِ الإنفاقِ في مجالِ البحوث.

إن البُعدَ المحلي للاستراتيجية يعملُ على التعاملِ مع مختلفِ أسئلةِ وقضايا المجتمع والدولة على مستوياتِ الصحةِ والتعليم والبيئة والطاقة والعلوم الإنسانية والفنون وغيرها. أمّا طموحُنا في البُعد الإقليمي والعالمي فإنه ينتظرُ من مشاريعِ الاستراتيجية تأهيلَ قطر لتكونَ حاضنةً لأفكارِ الابتكار ومصدّرةً لنتاجهِ.

وإنّ لَمِنَ المهم التأكيد على أنَ استراتيجيةَ البحثِ العلمي في قطر وإن أخذتْ بأولوياتِ الاحتياجاتِ الاقتصادية ورؤية قطر الوطنية 2030 إلا أنها تُعنى أيضاً بالنهضةِ العلميةِ في الوطنِ العربي وخلقِ وترسيخِ ثقافةِ البحثِ العلمي وجعلِها ثقافةً إيجابيةً تنافسيةً من خلال اكتشافِ العقولِ العربيةِ الشابةِ الواعدة واستيعابِ مواهبِهم العلمية مع تقديمِ الدعمِ الفني والمادي لتطوير اختراعاتِهم.

كما تتولّى الاستراتيجيةُ دعمَ الاستثمارِ في تمويلِ مشاريعِ الأبحاثِ العربية، وقد تمّ حتى الآن تمويلُ ثمانيةٍ وسبعين مشروعاً بحثياً لثلاثةٍ وخمسين معهداً في اثني عشر بلداً عربياً بأكثر من ثمانيةٍ وستينَ مليونَ دولار.
وهو توجّهٌ يحظى باهتمامِنا انطلاقاً من إدراكِنا لأهميةِ التكاملِ العربي في مجالِ البحثِ العلمي لمواجهةِ التحدياتِ، التي تكادُ أن تكونَ واحدةً ومتشابكة في منطقتنا العربية، للوقوفِ على أسباب التعافي الاقتصادي والاجتماعي العربي.
السادة الكرام..
بكثيرٍ من التقدير أتمنى لأعمالِ ملتقاكم النجاحَ والتوفيق..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.