مقابلة صاحبة السمو مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية

Doha, 06 نوفمبر 2015

ذات يوم في أواخر التسعينيات، كانت طائرة الشيخة موزا، حرم أمير قطر الذي يتمتع بكامل السلطات، في المدرج على وشك الإقلاع إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للبحث عن جامعة مرموقة لتوفير التعليم العالي النخبوي لهذه الدولة الخليجية الصغيرة، وكانت الشيخة واثقة من أنها تستطيع أن تمضي بذلك إلى أبعد الحدود، إلاَّ أن شخصاً ما من حاشيتها أبدى شكوكه حول ذلك.

وما كان من الشيخة إلاَّ أن قالت لمساعديها: "إذا كنتم تفكرون بهذه العقلية، فالأجدر أن تغادروا الآن"، وعبّرت عن إحباطها ممّن أبدى شكوكه قائلةً: "إذا لم تكن مقتنعاً، فغادر الآن".

أقلعت الطائرة، وأقلعت معها المدينة التعليمية. 

روت الشيخة موزا هذه القصة في مقابلة أجريت معها مؤخرا بالقرب من مجموعة من فروع الجامعات الأمريكية التي أقيمت هنا خلال العقدين الماضيين وفق وعد مزدوج: ضمان الحرية الأكاديمية، ودفع كافة المصاريف. وقد حققت جامعات كورنيل، وكارنيجي ميلون، وجورجتاون، ونورث وسترن، وتكساس أي أند إم، وفرجينيا كومنولث هذه الشروط مع مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.

[الجامعات الامريكية تبني واحة أكاديمية في المدينة التعليمية في قطر]

وعندما أسس الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر آنذاك مؤسسة قطر عام 1995، كانت الشيخة موزا زوجته الثانية والمؤسس المشارك له. وفي عام 2013، تنازل الشيخ حمد عن الحكم لصالح ابنهما، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. ومعلوم أن ثروة قطر، التي جمعت من صادرات الغاز الطبيعي والنفط، تمُدُّ المؤسسة بموارد هائلة، وهو الأمر الحاسم في إنشاء المدينة التعليمية.

وهكذا كانت الإرادة القوية للشيخة موزا بكل المقاييس، فهي الآن في ال56 من العمر، ولا تزال رئيسة المؤسسة وحاضرة بقوة في عملياتها.

وقد قال جون تي. كاستين الثالث، الرئيس السابق لجامعة فيرجينيا عن الشيخة موزا: "لقد امتلكت رؤية استثنائية جداً، واستطاعت حقاً أن تستشرف المستقبل".

تفاوضت مؤسسة قطر مع جامعة فيرجينيا عامي 1998 و 1999 حول إنشاء فرع في الدوحة يضم برامج في الطب والهندسة وغيرها من المجالات، وقالت الشيخة موزا: "لقد كنا على وشك التوقيع مع جامعة فرجينيا". لكن الصفقة أخفقت عندما أيدها المجلس الحاكم في جامعة فرجينيا. وتذكر الشيخة أن بعضهم أخبرها أن ولاية فرجينيا تشعر بالقلق إزاء "بيع" الجامعة لبلد من بلدان "البترودولار" في شبه الجزيرة العربية.

وقالت الشيخة: "لقد ندموا على قرارهم، فإلى جانب النفط لدينا جوهرٌ أيضاً".

لقد رفضت الشيخة قبول الهزيمة، وأسرعت في فتح نقاشات مع جامعات مرموقة أخرى، تلا ذلك توقيع سلسلة من الاتفاقيات أولاها قرار كورنيل عام 2001 لفتح كلية للطب هنا.

فليس من السهل جلب جامعات غربية إلى مجتمع يفرض قيوداً على الخطاب العام وتوزيع الكتب. منذ عام 2011 تسجن قطر الشاعر محمد العجمي لكتابته وقراءته أبياتاً شعرية اعتُبرت مثيرة للفتنة ومهينة للأمير، وفقا لمنظمة العفو الدولية. 

وفي مايو 2013 وافق أعضاء مجلس هيئة التدريس في جامعة نورث وسترن بولاية إلينوي في إيفانستون على قرار دعا قطر إلى العفو والإفراج عن الشاعر، كما أعرب القرار أيضا عن دعم "حرية التعبير الفكري والفني لشعب قطر".

لكن عمداء الكليات والجامعات في المدينة التعليمية يقولون إنهم لم يعاينوا أي قيود على حريتهم الأكاديمية. كما أن هذه الجامعات تتحكم في عمليتي التوظيف والقبول في إطار اتفاقاتها مع مؤسسة قطر.

هذه صورة لسماء الدوحة التي ستكون خلفية للمقر الجديد لجامعة نورث وسترن في قطر في حرم المدينة التعليمية بقطر. وقد صمم المهندس المعماري أنطوان بريدوك هذا المبنى الذي تبلغ مساحته 350 ألف قدم مربع، وهو في طور الإنشاء منذ أوائل نوفمبر. (من تصوير بوني جو ماونت – جريدة واشنطن بوست)

أخبرت الشيخة موزا صحيفة واشنطن بوست أنها تعاملت بيقظة لكي تضمن الوفاء بالوعود للجامعات.

فكلما اتصل بها أحد أقربائها يطلب منها استخدام نفوذها للمساعدة في تسجيل أفراد الأسرة في كلية طب وايل كورنيل في قطر، قالت إنها كانت تجيبه: " لا يمكنني المساعدة". فمجرد التدخل في القبول من شأنه أن يقوض جميع الوعود المقطوعة للمشروع.

وذات مرة اتصلت الشيخة موزا بمسؤول حكومي عندما احتُجزت لدى الجمارك شحنة من الكتب كانت متجهة إلى المدينة التعليمية، وقالت له: "ماذا الذي يحدث؟ ولماذا لم تُسلَّم الشحنة؟". فأجاب المسؤول أنه يتعين على شخص تحمل المسؤولية عن الكتب قبل تسليمها. فأجابت المسؤول: "أنا أتحمل المسؤولية." وتم تقديم خطاب للمؤسسة للتوقيع عليه.

لا تزال هناك حواجز، فقد كشفت موهانا لاكشمي راجكومار، أستاذة مادة الكتابة في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر، العام الماضي أن الحكومة قد حظرت بيع إحدى رواياتها الموسومة بـ "الحب يأتي لاحقاً". ومؤخراً أكدت راجكومار هذا الحظر لصحيفة واشنطن بوست في بريد إلكتروني. يُذكر أنها درَّست أيضا في جامعة نورثويسترن وجورجتاون في قطر.

وقالت الشيخة موزا: "أنا مندهشة لسماع هذا، فمفهوم الرقابة عفا عليه الزمن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي". وقالت الشيخة إن العقبات التي تعوق التعبير لا تأتي عموماً من الحكومة بل من أشخاص أخرين في المجتمع "الذين لا يفهمون ما يجري". ولتغيير ذلك، قالت الشيخة: "ينبغي تغيير الثقافة".

وأكدت الشيخة موزا أن تغيير الثقافة هو أحد أهداف المدينة التعليمية: "لدينا ثروة، وإذا لم نستخدمها في بناء مجتمع قائم على المعرفة، فإن ذلك سيكون خسارة كبيرة".

تشيد الشيخة موزا بدعم زوجها لهذه الفكرة، مضيفة "إنه رجل صاحب رؤية، فلم يكن يرفض أي شيء له علاقة بالتعليم". وقدمت إنشاء "بئر المعرفة" كمثال على ذلك. فذات يوم اقتربت من زوجها لتأمين مصدر تمويل لأنشطة المؤسسة من احتياطيات النفط في دولة قطر، وقالت: "سأطلب من صاحب السمو تخصيص بئر لدعم برامجنا، وسأطلق على هذا البئر ’بئر المعرفة’، وذلك بهدف إعادة تدوير الثروة من موارد طبيعية إلى موارد بشرية".

وافق الأمير على تخصيص إيرادات بئر نفطية للمؤسسة، وأفاد مسؤولون بالمؤسسة أن الصفقة تمت بعد الظهيرة.

حصلت الشيخة موزا على البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة قطر، التي تأسست بعد فترة وجيزة من حصول البلد على استقلاله عام 1971. وقد نشطت لسنوات في مبادرات الأمم المتحدة التعليمية، ومن خلال مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم الذي ينعقد سنوياً في قطر، حيث أعربت عن حزنها في كلمة ألقتها في المؤتمر في 4 نوفمبر من أن الصراعات الدائرة في العراق وسوريا وأماكن أخرى جعلت أعداداً من الأطفال غير ملتحقين بالمدارس، وقالت: 

"السيدات والسادة، التعليم يتعرض للهجوم".

ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "تحولت مدارسنا إلى مقابر، وطلابنا ومعلمينا إلى لاجئين".

أجرت الشيخة موزا حديثاً مع صحيفة واشنطن بوست في اليوم التالي خلال مؤتمر وايز في مركز قطر الوطني للمؤتمرات.

ويذكر أن السيدة الأولى ميشيل أوباما، حرم الرئيس الأمريكي، قد شاركت أيضا في المؤتمر.

ميشيل أوباما السيدة الأولى للولايات الأمريكية المتحدة رفقة الشيخة موزا على الخشبة في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم في الدوحة في 4 نوفمبر (من تصوير بوني جو ماونت – جريدة واشنطن بوست)

ينظر العديد من النساء القطريات إلى الشيخة موزا نظرة إجلال، لجهودها في تعزيز الفرص التعليمية المتساوية. فالمدينة التعليمية تستقطب أعداداً كبيرة من الطالبات في فصول مختلطة، وهذا يتناقض مع أعراف التعليم غير المختلط في بعض أنحاء العالم العربي.

قالت مرام الدفع، وهي طالبة عمرها 22 عاما حصلت في مايو على البكالوريوس في السياسة الدولية من جامعة جورجتاون في قطر: "لقد فتحت لنا الأبواب، فقبل 20 عاماً كانت قطر بلداً مختلفاً، وكان خطراً على المرأة أن ترتاد جامعة مختلطة في بيئة مختلطة، فلم يكن هذا هو المعيار في الماضي. أما الآن فقد أصبح يُنظر إلى القطريات كقياديات ولسنَ تابعات. فقد أثبتت المرأة القطرية نفسها، والمجتمع في بداية التغيير"

الدانة الدوسري وفاطمة الساعي في المدينة التعليمية بتاريخ 2 نوفمبر. الطالبتين في السنة الثانية في جامعة نورث وسترن في قطر. (من تصوير بوني جو ماونت – جريدة واشنطن بوست)

لقد قالت الشيخة إنها ترغب في توضيح شيء ضمن أجندتها، "كي أكون صريحة معك، أنا لست نسوية"، مضيفةً أن المدينة التعليمية بُنيت "للجميع، رجالاً ونساء.. فلم أر يوماً أنها مشروع للمرأة".

وحتى هذه اللحظة تقول إنها لم تلاحظ أي رد فعل عكسي تجاه تأثير الجامعات الغربية في بلد محافظ ثقافياً وينمو بوتيرة سريعة، وأغلب سكانه مسلمون، "نحن لا نقوم بذلك لجعل الأمور مختلفة أو حديثة، وإنما لأن التعليم هو أساس تنميتنا وتقدمنا"

لقد أنفقت مؤسسة قطر مليارات الدولارات لتطوير وتشغيل المدينة التعليمية، وقد كان واضحا مدى التزامها على المدى الطويل. فالجامعات الأمريكية هنا تعمل بموجب اتفاقات مدتها 10 أعوام، مع قابلية التجديد. وعلى سبيل المثال فإن جامعة جورجتاون الآن توجد في المدينة التعليمية للعقد الثاني ويستمر التزامها إلى عام 2025. وقد سددت المؤسسة لجامعة جورجتاون حوالي 59 مليون دولار أمريكي عن نفقاتها في قطر خلال عام 2014، كما أن سجلات التعليم في الولايات المتحدة تظهر أنها تنفق عشرات الملايين من الدولارات سنويا لتشغيل كل فرع من فروع الجامعة الأخرى.

وقد أكدت الشيخة موزا بأنها قد تساعد في المستقبل إذا تعذر العثور على مصادر أخرى لتوفير التمويل اللازم لتغطية النفقات كالمساعدات المالية المقدمة للطلاب، قائلةً: "لمَ لا؟ أنا لا أرى ضيراً في ذلك". وقالت إنها طلبت من سانفورد ويل، وهو متبرع كبير لكورنيل سميت به كلية الطب في الجامعة، تقديم مساعدات مالية للطلاب في قطر، ولم تتلق أي إجابة حتى الآن، قائلةً: "ما زلت أنتظر الرد".