مقابلة صاحبة السمو مع صحيفة ذا ستار الماليزية

كوالالمبور، ماليزيا, 31 مايو 2019

ملكة القلوب

تحرير: شيلا شاندران

 

تُدرك الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع ومؤسسة التعليم فوق الجميع، أهمية العلم كحقل للأصول القيّمة.

فقد كافحت بقوة خلال مسيرتها العملية بالمؤسسة من أجل تحسين التعليم والتنمية البشرية للمهمشين من الأطفال والشباب والنساء في البلدان النامية. وظلّت تُشدِّد على أن التعليم يجب أن يكون حقا لكل طفل بغض النظر عن جنسيته أو لونه أو عقيدته.

وقالت الشيخة موزا في مقابلة أُجريت معها مؤخراً في كوالالمبور: "للتعليم القدرة على تغيير حياة الأفراد والمجتمعات، وهو مهم بشكل خاص للتنمية البشرية، فعندما تعلِّم طفلاً، ذكراً أم أنثى، فإنّما تمكّنه من الاكتفاء الذاتي والاستقلالية، وترفع من كفاءته الوظيفية، لأن التعليم هو عماد كل شيء".

لقد كان لوالد الشيخة موزا، ناصر بن عبد الله المسند، تأثيرٌ قويٌ في غرس أهمية التعليم داخل أسرته. فالشيخة موزا خريجة علم الاجتماع من جامعة قطر، وهي تقول في هذا الصدد: "نشأنا في أسرة تؤمن بقوة التعليم، وكان والدي يُلّح بإصرار على أن نحصل على التعليم الأفضل، فأرسلنا إلى بريطانيا لصقل لغتنا الإنجليزية، ولعلّ ذلك ما شدّني بدايةً إلى التعليم. فالتعليم يؤسس الثقة في أفئدة الأطفال والمجتمعات".   

وفي العام 2012 أسست الشيخة موزا مؤسسة التعليم فوق الجميع، وهي مؤسسة تهدف إلى توفير فرص حياة جديدة للمحرومين في العالم النامي، وتنضوي تحتها أربعة برامج هي علِّم طفلاً، الفاخورة، أيادي الخير نحو آسيا (روتا)، وحماية التعليم في ظروف النزاع وانعدام الأمن.

وقالت وهي مُنفرجة الأسارير، "عندما انطلقت مؤسسة التعليم فوق الجميع قبل سبعة أعوام، قطعت على نفسي وعداً بتوفير التعليم لعشرة ملايين طفل حُرموا منه، وقد نجحنا حتى الآن في إلحاق 10.4 ملايين طفل بالمدارس، وذلك بفضل مجموعة من الشراكات السخية، فمن خلال مزيدٍ من الجهود الجماعية يتطلّع كثير من الأطفال إلى مستقبل مشرق".

الشيخة موزا هي حرم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر السابق، وقد جاءت إلى كولالمبور لزيارة مركز الكرامة في منطقة سينتول كي أل، أحد المراكز التعليمية الـ131 التي تنسقه عملها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ضمن برنامج علِّم طفلاً.

وكانت الزيارة في ضوء اتفاقية تقوم على شراكة اقتصادية تهدف لتوفير التعليم لنحو 450 ألف طفل من الأطفال اللاجئين والنازحين داخليا في 15 بلداً. وستوّفر هذه الشراكة مساهمة مشتركة بنحو 417 مليون رينغيت ماليزي (100 مليون دولار أمريكي) لدعم تعليم الأطفال اللاجئين والنازحين داخلياً.

وقالت الشيخة موزا "إنّ هناك الكثير مما ينبغي فعله حيال وجود أكثر من أربعة ملايين طفل لاجئ في الوقت الحالي خارج المدارس في جميع أنحاء العالم، وإنني لأدعو المزيد من الشركاء إلى المبادرة، إذ يتعيّن علينا جميعاً أن نؤدّي دورنا لإلحاق المزيد من الأطفال بالفصول الدراسية - حيثما يتواجدون".

منذ العام 2012، تعمل كلٌّ من مؤسسة التعليم فوق الجميع والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مع شركاء وداعمين آخرين، على توفير التعليم الابتدائي النوعي للأطفال الأكثر تهميشاً في جميع أنحاء العالم.

ففي ماليزيا التي تستضيف نحو 167 ألف لاجئ، قامت مؤسسة التعليم فوق الجميع وشركاؤها بتوفير التعليم لأكثر من 9400 طفل لاجئ ينتمون لأكثر من 17 بلداً. ومع ذلك فلا يزال هناك أكثر من ستة آلاف طفل لاجئ في عمر مرحلة التعليم الأساسي غير ملتحقين بالمدارس.

وأكدت الشيخة موزا، وهي أمٌّ لسبعة أبناء، على أن محنة اللاجئين هي مسألة مستمرة ولا بد من معالجتها. وفي السياق نفسه قالت: "لقد أخفقت مؤسساتنا الدولية في المعالجة الجذرية لأسباب الحروب وانتهاك حقوق الإنسان والاضطهاد. إننا بحاجة لتقاسم المسؤولية تجاه هؤلاء اللاجئين حيثما تواجدوا، لأننا خذلناهم من خلال مؤسساتنا العالمية وأنظمتنا الدولية، ولذا يتعيّن علينا تقاسم المسؤولية من أجل إصلاح هذه المنظومة".

وليست الشيخة موزا بغريبة على العمل الإنساني، فقد كانت، طوال عشرين عاماً، القود الدافعة للإصلاحات التعليمية والاجتماعية في قطر، وتتبوّأ حالياَ موقع رئاسة مجلس إدارة كل من مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، ومستشفى سدرة للطب، المستشفى البحثي الذي شُيِّدَ ليكون مؤسسة مرموقة لتقديم الرعاية الصحية الخاصة للأطفال والنساء.

وفي العام 2008 أسست مبادرة صلتك لمعالجة معدل البطالة المتنامية بين أوساط الشباب في الدول العربية، وقد نجحت هذه المؤسسة في توفير الوظائف والفرص الاقتصادية لأكثر من مليون شاب عربي.

وقد جالت الشيخة موزا مختلف بقاع العالم من خلال مؤسسة التعليم فوق الجميع للوصول إلى المجتمعات النازحة داخلياً، والتقت الأطفال الذين مزقتهم الحروب في غزة، وزارت مخيمات اللاجئين في إفريقيا، وساعدت في دعم المدارس العائمة على القوارب في بنغلادش.

وتتذكر الشيخة موزا تعليقاً لأحد الأطفال، ترك أثراً عميقاً في نفسها: "أراني أحد الأطفال بعض بطاقاته "السحرية"، وقال لو تأتَّى له تغيير شيء بهذا العالم لرغبَ في أن يكون الناس أكثر طيبة. وهذا يعني أن هؤلاء الأطفال تعرّضوا إلى أذى جعلهم يفقدون الثقة بنا كَبَشَرٍ، وإنّ هذا الطفل يرى الطيبة أمراً مستحيلاً في الوقت الحاضر، أو من عالم سحري". وبتأثير مثل هذه المواقف راحت تصطحب أبناءها معها في هذه الرحلات، حيث أكدت قائلة: "رافقني أحد أبنائي خلال زيارتي لبنغلاديش، ورأى الأطفال في المدارس العائمة، وكان معي في كينيا كذلك، لقد أكسبته تلك التجربة فكرة حول الأحوال التي تعيشها الشعوب الأخرى".

وتقول الشيخة موزا، التي تم تعيينها عام 2016 ضمن مجموعة المدافعين عن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، "لقد حاولت تعليم أبنائي وتعريفهم بالواقع كما هو، وكلما نظرت إليهم اليوم أدرك بأنهم تعلموا فعلاً".

إنّها تشجع الناس على تولّي زمام المبادرة ومدِّ يد العون للمجتمعات المحرومة، وفي هذا الصدد تقول "لقد ساعدنا ملايين الأطفال من خلال مؤسسة التعليم فوق الجميع، فلو أنّ الجميع تكاتفوا للعمل معاً لكان بوسعنا تحقيق المعجزات ولجعلنا العالم مكاناً أفضل للحياة".