مقابلة صاحبة السمو في صحيفة كوريرا ديلا سيرا الإيطالية

إيطاليا, 03 يونيو 2016

1. ما الهدف من زيارتك لإيطاليا؟ خلال زيارتي إلى إيطاليا هذا الأسبوع سأتشرف بلقاء البابا فرانسيس ورئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي.
كما تعلمون أركّز في منذ عشرين عاماً على توفير وحماية التعليم النوعي في قطر وجميع أنحاء العالم، وأنا أتطلع لمناقشة عدة مشاريع خاصة بالتعليم في الاجتماعين المرتقبين، ولاسيما القضية الملحة الخاصة بتوفير التعليم للاجئين.

وبطبيعة الحال فإن إيطاليا، باعتبارها في طليعة الدول الأوروبية التي تواجه تحديات أزمة اللاجئين، والشعب الإيطالي يواصل القيام بذلك بتعاطف كبير. وبالقدر نفسه من الاهتمام أبدى قداسة البابا دوماً دعمه العلني للاجئين والتزامه تجاههم. فقيادة البابا، سواء من خلال أقواله أو أفعاله، ألهمت دوما شعوب العالم. وأنا أؤمن أن رسالته فيما يتعلق بالوحدة ومد يد الصداقة لجميع الشعوب والأديان، لهي أهم الآن أكثر من وقت مضى. وقد ارتبط بلدي قطر بعلاقات وثيقة وعريقة مع إيطاليا، وكلي أمل أن تشكل زيارتي فرصة لتدعيم الأواصر بين بلدينا.

2. كيف تصفين لنا التنمية في قطر خلال العقدين المنصرمين؟ هل ترين أن النفط سيظل الثروة الأهم للبلاد كما كان في الماضي أم بات ضرورياً الآن التركيز على موارد أخرى؟
لقد كانت التنمية في بلادي هائلة خلال العقدين المنصرمين. وهذا يؤكد رؤية زوجي الشيخ حمد، التي يصونها الأمير الحالي الذي يقود جهود الدولة للانتقال إلى المرحلة اللاحقة من تنمية قطر.

إن رؤية قطر الوطنية تحفز البلاد للانتقال من الاقتصاد القائم على النفط إلى اقتصاد المعرفة. ولهذا السبب استثمرنا بشكل قوي في التعليم والأبحاث على جميع المستويات. إننا نعتبر مواردنا الطبيعية نعمةٌ تتيح لنا الاستثمار الرشيد في مستقبل آمن ودينامي لبلدنا؛ وأنا مقتنعة بأن المورد الأفضل الذي يمكن لأي بلد أن يمتلكه هو التعليم والشباب المبدع.

3. لقد دعمت مبادرات هامة من أجل تعليم اللاجئين السوريين، هل تعتقدين أن بإمكانهم العودة إلى بلدهم والأسد ما زال في السلطة؟ كما أن الحكومات والمدنيين في الخليج قد مولوا مجموعات الثوار: هل يمكن اعتبار ذلك جزءاً أساسياً لضمان عودة اللاجئين؟ أم أنه أصبح جزءاً من المشكلة؟
أنا لست وزيرة أو مسؤولة حكومية، ولا أرغب في التعليق على القضايا السياسية. ومع ذلك من الواضح أنه يتحتم علينا خلق سوريا آمنة وسلمية ذات حكومة ممثلة، ليتسنى للشعب السوري استعادة حياته الطبيعية وعودة اللاجئين والمهجرّين إلى ديارهم وإدخال أبنائهم إلى المدارس.

التعليم هام للغاية بالنسبة للاجئين. فعندما تُسأل مجتمعات اللاجئين على الأمور ذات الأولوية بالنسبة لهم، فإن التعليم دائما هو الجواب الذي يتصدر قائمة مطالبهم. إنه يقدم لهم الأمل والفرص ويمكّن الأفراد والمجتمعات من تخطي الصدمة واستعادة حياتها.
لكن التعليم يتعرض للاعتداء، فقد دُمِّرت حوالي 6 آلاف مدرسة في سوريا وتعرض الأساتذة للقتل. وهذا الأمر لا يحدث فقط في سوريا، فمنذ عام 2009 تتعرض المدارس والجامعات والطلاب والأساتذة للاعتداء المتعمد في 30 بلداً على الأقل.

أنني أؤمن أن هذه الأزمة هي أزمة كونية، وأن هذه الاعتداءات ليست "حوادث" ناجمة عن الحرب، إنها حوادث متعمدة، حولت مدارسنا إلى ساحات للحرب.

لقد آن الأوان للرد. وعلينا إخضاع الجناة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم للمساءلة من خلال تفعيل نصوص القانون الدولي القائمة وقرارات الأمم المتحدة. وبمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم وفضحهم، وعندئذ يمكننا ردع الآخرين عن الاعتداء على المدارس.

إننا في مؤسسة التعليم فوق الجميع نعمل بشكل يومي على توفير التعليم الابتدائي النوعي، فالاستثمار الذي قمنا به وفر التعليم الابتدائي لحوالي 7 ملايين طفل غير ملتحقين بالمدارس، ونحن سائرون على الدرب للوصول إلى 10 ملايين طفل بنهاية العام، بينهم أكثر من مليون طفل لاجئ سوري. ففي ظل انعدام الحماية لهؤلاء الأطفال قبل تهجيرهم ووقايتهم من الاعتداء، فإن سنواتٍ من البناء تَهْدِمُها دقائق معدوداتٍ. ولن يكون هناك حل مستدام إذا لم ندافع عن مدارسنا وأساتذتنا وطلابنا.

4. كيف ترين يا صاحبة السمو دورك باعتبارك والدة أمير قطر؟
أنا جد فخورة بابني وبالتقدم الذي حققه طيلة ثلاث سنوات من حكمه. فقد أبان عن رؤية قيادية من خلال تطوير رؤية قطر الوطنية 2030 عندما كان وليا للعهد، وأنا على يقين تام أنه سيواصل من خلال قيادته تعزيز مكانة بلدنا وضمان مستقبل زاهر لشعبه.

5. هل أهمية الأمير الشاب تأتي من منطلق أن معظم سكان المنطقة هم من الشباب؟ ما قولك في ما ذهب إليه بعض المراقبين من أن أولويات الشؤون الخارجية لقطر قد تغيرت مع الأمير الجديد؟ هل هذا الأمر صحيح؟
إن شعوب المنطقة الفتية هي ثروتنا الكبرى. وبحلول عام 2022 سيصبح أكثر من نصف سكان الشرق الأوسط تحت عمر الـ25 عاماً. إذن فالسؤال هو كيف يمكن استخراج مواهب هؤلاء الشباب ذكورا وإناثاً للمضي بالتنمية قُدماُ في عالم يصبح أكثر ترابطاً يوماً بعد يوم.

لدى الأمير تجربة واسعة في هذا المجال، راكمها خلال سنوات كثيرة من ولايته للعهد، إضافة إلى سنوات حكمه كأمير. وهذا ما جعله قائداً موهوباً لدولة قطر سواء داخلياً أو في الساحة الدولية. فهو يفهم رغبات وتطلعات الشباب في بلده، وعازم على تمكينهم بالوسائل التي تؤهلهم للنجاح.

6. هل تأثرت يوماً حياتك أو العلاقات الدولية لقطر بالحملات الإعلامية المغرضة التي لازمت قطر بسبب كأس العالم، ومعاملة العمالة الوافدة، وفضائح الفيفا؟ سبق لوزير الخارجية القطري أن صرح بأن تلك الاتهامات والتحقيقات "عنصرية"، فهل توافقينه الرأي يا صاحبة السمو؟
عندما بدأنا باستضافة كأس العالم 2022 كنا ندرك بأنه لن يكون مساراً هيِّناً، لكن ملفّنا كان الأفضل والأكثر ابتكاراً وتنوعاً. وكما قلت عندما قدمناه إلى الفيفا، فإن تأثير كرة القدم يتجاوز الملاعب، ونحن عازمون على الاستفادة من فرصة كأس العالم لإظهار قطر إلى العالم والمساعدة في تطوير بلدنا على المدى البعيد.

فعلى سبيل المثال ساعدنا من خلال مؤسسة قطر على تمهيد الطريق لوضع معايير إلزامية، انسجاماً مع أفضل الممارسات الدولية، والتي يلتزم بها جميع المتعاقدين. إننا نعمل أيضا على تطبيقها، حيث يراقب فريق الرعاية لدينا الموردين الحاليين ويدقق على المقاولين، فضلاً عن توفير التدريب لمفتشي العمل الحكوميين كجزء من جهودنا الرامية لتعزيز معايير الرفاهية في قطر.

7. تقوم كل من ابنتيك الشيخة المياسة والشيخة هند بدور على المستوى العام. ما هي أوجه الاختلاف بين جيلهن من القطريات مع جيلك وجيل والدتك؟
أنا فخورة للغاية بالمياسة وهند. إنهن يحدثن فارقاً حقيقياً من خلال عملهن، فالمياسة تقود متاحف قطر، وهند هي الرئيس التنفيذي لمؤسسة قطر، ونجاحهن يبرهن على الطموح الذي يمكن للمرأة الشابة في قطر والمنطقة أن تحققه. إن تاريخ هذه المنطقة حافل بنماذج النساء القويات والديناميات. وأملي كأم أن تواصل ابنتاي قيادة وإلهام النساء بالطريقة نفسها.

8. لقد ترعرعتِ في مصر ويُقال أنك تعرفين ليبيا جيداً: ما هو انطباعك حول التهديد الذي ينطوي عليه التطرف في ليبيا اليوم ووضع حقوق الإنسان في مصر (والذي طال إيطالياً أيضاً من خلال قضية الطالب ريجيني)؟
إن لمصر وليبيا تاريخاً متميزاً، وأنا على ثقة من أن التطرف الذي نراه اليوم، والذي يتهدد الشرق الأوسط برمته، لهو سحابة صيف تمر مرور الكرام أمام التقاليد والثقافات الغنية التي بنيناها على مر الزمن. ومجدداً أود لفت انتباهكم إلى أنني لست وزيرة أو مسؤولة حكومية، ولا أرغب في التعليق على القضايا السياسية. والواضح أن علينا تقديم الأمن والسلامة للجميع في هذه المنطقة. وهذا هو السبيل الوحيد لإحلال السلام، الذي سيسمح بدوره لأطفال منطقتنا بالعودة إلى مدارسهم ومواصلة تعليمهم، وهو أمر حاسم بالنسبة للصحة والنجاح في الشرق الأوسط على المدى البعيد.

9. هل تعتقدين يا صاحبة السمو بضرورة تطبيق قيم حرية التعبير والدين والصحافة في الشرق الأوسط على غرار الدول الغربية؟ هل من الممكن إحداث توازن بين الحداثة واحترام القيم والتقاليد؟
ينطوي هذا السؤال على تعارض بين الحداثة والتقليد. وأعتقد بأن ذلك ليس صحيحاً. إن ما يثبته بلدي أنه بالإمكان أن تبني بلداً حديثاً وناجحاً ودينامياً يزدهر فيه الأفراد من كل الثقافات والأديان، مع احتضان انتمائنا القوي. وهنا مجددا أرى بأن التعليم هو العامل الجوهري لذلك، فكلما كان المرء متعلماً كلما أدرك مواطن اتساق قيم الثقافات المختلفة من عدمه.

لدينا معتقدات راسخة في قطر بمثابة الأسس التي نبني عليها مجتمعنا. لكننا نحترم أيضا قيم وتقاليد جميع الأديان والثقافات التي توافدت على بلادنا على مر الأعوام. واسمحوا لي أن أضرب لكم مثلاً، فمنذ أن قام صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة وأنا بتأسيس مؤسسة قطر عام 1995، تقوم المؤسسة بتوفير تعليم عالمي المستوى في الدوحة من خلال فروع لأعرق الجامعات الأمريكية والبريطانية والفرنسية. في الوقت نفسه، فإن المؤسسة تضم جامعة وطنية هي جامعة حمد بن خليفة، التي تقدّم برامجَ للدراسات العليا في مواد تتصل بثقافة واقتصاد بلدنا والمنطقة.

واليوم أصبحت المدينة التعليمية، التي تعتبر الحرم الجامعي الأبرز، تغطي مساحة 15 مليون متر مربع، وترحب يومياً بخمسة آلاف طالب من 90 جنسية، يدرسون من المراحل قبل الابتدائية إلى مرحلة الماجستير والدراسات العليا، وتتاح لهم جميع الاختصاصات بدءاً من الطب والشريعة الإسلامية، وصولاً إلى إدارة الأعمال وعلم الآثار في العالم العربي. وتسعى المؤسسة أيضاً إلى حفظ تراثنا للأجيال القادمة والارتقاء به عبر التشجيع على دراسة مواد متنوعة كالهندسة المعمارية العربية التقليدية ودراسات الفروسية. وعلى الرغم من أن هذا المسار لم يكن هيِّناً أبداً، إلاَّ أن النتائج التي تحققت الآن تعد أمراً استثنائياً. وحسب المرء أن يفتخر بهذا الإرث الذي صنعناه.

10. يحاول تنظيم الدولة "داعش" أن يشرعن أفعاله من خلال توظيف الدين. وقد قاد هذا التصور البعض إلى القول بأن تطرف داعش ينبغي أن يدفعنا إلى التفكير في ضرورة إصلاح الإسلام من الداخل. ما قولك في ذلك؟
نحن لسنا بحاجة إلى إصلاح الإسلام، إننا بحاجة إلى إصلاح أنفسنا كي نحيا حياتنا وفقا للأحكام الجوهرية للإسلام، والتي تدعو إلى إحقاق العدل والتسامح والرحمة. فالتطرف مشحون باليأس الذي ينتج غالباً عن الفوضى سواء أكانت ناجمة عن التدخلات العسكرية الفاشلة أم محاولات قمع الحركات الشبابية. وهنا يجب أن لا ننسى أن التطرف ليس حكراً على الشرق الأوسط، بل يوجد في جميع أنحاء العالم بما في ذلك أجزاء من أفريقيا وآسيا. إنها مسؤولية كونية وعلينا جميعا القيام بواجبنا تجاهها.

ولهذا السبب أنا متعاطفة للغاية مع قضايا التعليم وخاصة التعليم في مناطق النزاعات. فالتعليم هو أفضل الوسائل للتصدي للتطرف ومجابهة أيديولوجيا التطرف وقهرها. وإذا ما أخفقنا الآن في القيام بذلك وأن نكون على مستوى التحديات، فإنني أخشى أن الوضع سيزداد سوءاً.

11. هل هناك صراع حتمي للحضارات بين الإسلام وأوروبا؟
قطعا لا! فهذه الحجة أصبحت مبتذلة وفقدت مصداقيتها. في الحقيقة ثقافاتنا تتمتع بتاريخ طويل من السلام والصداقة والتعاون. إن لأوروبا ثقافات متعددة الروافد، وأعتقد أن على كل ثقافة ضمن الهوية الأوروبية تعزيز جذورها كي لا تنهار الروابط المتينة التي راكمناها لآلاف السنين.

إننا نتبادل الجذور الفكرية من خلال الحفاظ على العلوم والأدب والفلسفة اليونانية والرومانية. وقد أدى دمج الأساليب الأوروبية والإسلامية في صقلية إلى خلق أجمل هندسة شهدها العالم على الإطلاق. وإذا ما تأتّى لنا استحضار مثال معاصر على ذلك، فينبغي لنا أن لا ننسى الدعم الذي يقدمه المسيحيون والمسلمون معاً كل يوم للاجئين المهجرين من ديارهم. وهذا يمثل أسس الشراكة القوية والمستدامة، وليس "صدام الحضارات".

12. لماذا تشتري قطر العديد من الأعمال الفنية العالمية؟
لا يمكنني تقديم إجابة قاطعة لهذا السؤال لأنني لست منخرطة في أية قرارات تتعلق بالاستثمار. وبالنسبة لي شخصياً كما هو الحال بالنسبة للعديد من المواطنين في بلدي، فأنا من عشاق الفن. ولهذا السبب نقصد مدنا مثل روما وفلورنسا وباريس ولندن، وهي جميعها مدن الثقافة التي عاش فيها وعمل عظماء الفنانين.

13. هل يمثل استحواذ قطر على دار فالنتينو للأزياء افتتاناً بالأزياء الإيطالية؟
تحظى الأزياء الإيطالية بقدر كبير من الجمال، وأنا فخورة بنفس القدر بالمصممين في العالم العربي. فقد أصبح موضة الأزياء تتزايد في قطر، كما أن العديد من المصممين الشباب يتخرجون من جامعة فرجينيا كومنويلث في قطر ويبدعون توليفات جميلة من الأزياء العربية التقليدية بتصميم حديث. وهنا أود الإشارة إلى أنه على الرغم من أنني لا أنخرط في قرارات الاستثمار، إلاَّ أنني من أكثر المعجبين بالأزياء الإيطالية.