اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات

New York, 13 سبتمبر 2023

<p>&nbsp;</p>
<style type="text/css">.embed-container { position: relative; padding-bottom: 56.25%; height: 0; overflow: hidden; max-width: 100%; } .embed-container iframe, .embed-container object, .embed-container embed { position: absolute; top: 0; left: 0; width: 100%; height: 100%; }
</style>
<div class="embed-container"><iframe allowfullscreen="" frameborder="0" src="https://www.youtube.com/embed/ivJ0g9EWEas"></iframe></div>

أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

أُخاطبكم اليوم وقلبي مُثقل بالحُزن والأسى بسبب الأخبار الواردة إلينا من المغرب وليبيا، حيث تسبّبت الكوارث الطبيعية بوقوع آلاف الضحايا وبمعاناةٍ لا تنتهي في بعض الأحيان. ألفان وثلاثة وعشرون، عام آخر وحرب أخرى. قتالٌ اندلع بشهر أبريل في السودان، العنف خرّب مدينة الخرطوم القديمة، وجعل شعبها في مرمى النيران. لقد زرتُ مدينة الخرطوم عندما كانت تنعمُ بالاستقرار، أتذكرُ أنها مدينة رائعة الجمال تقع عند التقاء نهري النيل الأبيض والأزرق، وأتذكرُ أنها مدينة يتحلّى ناسها بالكرم والضيافة والثقافة، وأتذكرُ هُناك الحَرم الأقدم بين جامعاتها العديدة وهو حرم جامعة الخرطوم. حرمٌ جامعيّ مُغلق الآن، كما هي حَال جميع الجامعات في السودان. ففي وقت سابق من هذا العام أُجبر الطلاب على الاختباء من القتال في هذا الحرم. قُتل شاب واحد على الأقل ودُفن جثمانه هناك.

 

السيدات والسادة

ينبغي أن تكون الجامعة مهداً للتعلّم، ويجب أن تكون مكاناً للبهجة حيث يلتقي الشباب ويستكشفون تطلعاتهم، ويجب أن تكون مكاناً حيث تتحقق الأحلام لا أن تُدمّر، ولا ينبغي أبداً للجامعة أن تكون خاوية. في العام الماضي، عندما ألقيتُ خطابي، كانت أوكرانيا تطغى على الأخبار وتصدّرت هذه الحرب الجديدة عناوين وسائل الإعلام. اليوم، أصبحت هذه الحرب على هامش الأنباء مثلما أصبحت اليمن، وسوريا، ومالي، وأثيوبيا منسية في وسائل الإعلام. منسية من قبل المحظوظين الذين يعيشون في مناطق لا تُمطر عليها القنابل، وحيث لا تتجول الميليشيات المسلحة في الشوارع. اليمن، وسوريا، وأوكرانيا، والسودان، متى سينتهي هذا؟ الإجابة هي تلك التي لا يرغب أحد بسماعها: لن تنتهي. لا نستطيع أن نوهم أنفسنا أنّه في وسعنا إيقاف النزاعات كلياً، ثمة دائماً من لديهم مصلحة في توليد الحروب، هؤلاء الذين تدرُّ الحرب والعنف عليهم المال والقوّة. بعض هؤلاء الأشخاص معروفون نُشاهد وجوههم على شاشات التلفاز والبعض الآخر غير مرئيين يعملون من خلف الكواليس، أفعالهم لها نتائج مريرة.

اليوم، يعيش ربع سكّان العالم في مناطق متأثرة بالنزاعات. وفي العام الماضي، هُجّر 84 مليون إنسان من منازله، وأكثر من نصف الأطفال اللاجئين في العالم لا يذهبون إلى المدارس. ما الذي يُمكننا القيام به؟ لقد طوّرت البشرية قوانين معيّنة لترويض غرائزنا الأساسية لنقوم بما نعلم أنه صواب ولنكبح جماح القسوة والجش. ويجب أن نستخدم هذه القوانين لتقديم المجرمين إلى المحاسبة. ينبغي ألا ننسى الضحايا، أولئك الذين يعانون في مناطق الحروب أو الذين أجبروا على اللجوء، الكثيرون بينهم من الأطفال والشباب، مثل عبدالرحمن، الذي أصغينا إليه للتو، كثيرون منهم لم يعرفوا أبداً الاستقرار، ولم يعرفوا السلام أبداً.

هؤلاء الأطفال والشباب لديهم الحق في التعليم. لقد سمعتُ نقاشاً يقول بأن التعليم هو أقلّ ما يُقلقهم وهذا غير صحيح. اسمحوا لي أن أسألكم؟ كم عدد أولياء الأمور بينكم؟ ألم تبدأوا بالتخطيط لتعليم أطفالكم عند ولادتهم؟ كما بدأتُ أنا؟ أو ربّما في وقت أقرب من ذلك؟ أي مدرسة سيرتادون؟ وأية أحلام وتطلعات لديكم، ولديهم ترغبون في تحقيقها؟ هل يقود التعليم طفلك ليكون طبيباً أو عالماً أو سياسياً؟ هذه الخيارات غير متاحة لكثيرين مّمن دُمرت مدارسهم أو يتعذر الوصول إليها، قُلصّت حياتهم حتى وصلت إلى مستوى الصراع من أجل البقاء.

 

السيدات والسادة،

لقد جئتُ من إقليم عُرف بكثرة النزاعات. لذا، نعي العُمق والأغراض الخبيثة للهجمات على التعليم. الجُناة يعلمون بأن المجتمع لن يتقدّم دون تعليم، ويُدركون أنه إذا لم يكتسب الأطفال عقلية التفكير النقدي لطرح التساؤلات ستبقى الأمور كما هي عليه، ويعلمون أنه في حال حُرم الأطفال من الوصول إلى التعليم الجيد، سيكونون فرسة سهلة لأولئك الذين يقودونهم إلى التطرف. وستستمر دوامة الجهل إلى الأبد.

 بتوفير التعليم النوعي، هل سيكون بين هؤلاء الأطفال من يخترع عقاراً جديداً لمحاربة السرطان؟  ومن سيطوّر تقنية جديدة لمكافحة التغيّر المناخي؟ ومن سيُسهم بتنمية اقتصاده الوطنية للقضاء على الفقر؟ هذه هي المعارك التي يجدر بنا خوضها، وليست تلك التي تُخاض بالأسلحة والقنابل. هذه هي التحديات التي ينبغي لنا أن نُعلمّ أطفالنا كيفية تجاوزها؟ لهذه الأسباب يجب أن تكون حماية التعليم أولوية الآن، ودائماً. بمقدورنا أن نكسر دوامة العنف وأن نبتكر السُبل الكفيلة بتعليم الفئات المحرومة، بإمكاننا إعادة تصميم التعليم بما يضمن سهولة الوصول إليه، باستطاعتنا استخدام التكنولوجيا لتسريع التعليم وإتاحته للملايين، وإذا فعلنا ذلك، سيحقق هؤلاء إنجازات كثيرة.

أدعو الشركات القوية في مجال التكنولوجيا التي تخبرنا أن منتجاتها تُغير عالمنا نحو الأفضل لمساعدتنا في تقديم حلول حقيقية من أجل تعطيل هذه الدوامة، وكي يحصل كلّ طفل محروم على التعليم. الشاب الذي قُتل في حرم جامعة الخرطوم، شاب في مقتبل العمر، كانت الحياة تناديه، شاب لم يتمكن أصدقاؤه من إجلاء جثته، فدفنوه بجوار أحلامه. هذا الشاب يُدعى خالد عبد المنعم لن نعرف أبداً ما الذي كان بإمكانه أن يُحققه؟

الأصدقاء الأعزّاء،

حان الوقت لنسأل أنفسنا، ما الذي يُمكننا فعله؟ المتواجدون هنا في الأمم المتحدة  مع القوة التي نملكها لتغيير الدوامة. ما الذي يُمكننا تحقيقه؟