مؤتمر القمة العالمي للسياسات الصحية

لندن, 01 أغسطس 2012

الحفل الكريم

ربما يجول في خاطركم الآن سؤال منطقي: ما الذي تفعله موزا بنت ناصر في هذه القمة؟ أليست هي المبعوث الخاص لليونسكو للتعليمين الأساسي والعالي؟ أليست هي من تنادي بحق التعليم للجميع؟ أليست هي مَن تؤمن بأن التعليم أقوى من أن يعرقل مسيرته أي نزاع أو كارثة، طبيعيةً كانت أو من صنع البشر؟ أو لنقل بلغةِ أهل الطب، أليست هي ذلك "الشخص المصاب بوسواس التعليم القهري"؟

سأبادر بالإجابة المفترضة على هذه التساؤلات المحتملة واستحضر مثالاً.

جاء إلي صديقي العزيز، آرا، بفكرة مؤتمر قمة يتناول القضايا الصحية، فتوقفت لثوان معدودة لأتفكر في إطلاق منبر يمكنه مقاربة قضايا الصحة بأساليب مختلفة ومن زوايا مختلفة؛ حيث يمكن استكشاف الأفكار المبتكرة وعلاجات الأمراض المتوطّنة والوبائية؛وحيث تكون مناهج جديدة لرعاية صحية نوعية متاحة للجميع.

وبحكم دعمي للأهداف الإنمائية للألفية التي تتبناها الأمم المتحدة، لمستُ عن قرب الدور الإيجابي الكبير الذي يلعبه التعليم في انتشال الناس من الفقر وتهيئتهم للمشاركة في المجتمع والمساهمة في تنميته.

كما تبيّنت لي بجلاء العلاقة الجدلية بين التعليم والصحة.تلك الصلة التي تخرج عن سياق مقولة "العقل السليم في الجسم السليم" لتصل إلى سياق آخر يتلازم فيه تلقائياً تحسين مستوى الصحة مع تحسين مستوى التعليم.

على سبيل المثال، عندما تتمتع الأم الشابة بالمستوى الأساسي من التعليم، تتعاظم فرصة أطفالها في النجاة من الهلاك، لا سيما إذا ما علمنا أن الطفل الذي يولد لأم يمكنها القراءة بنسة 50% تزداد فرصته في الحياة لما بعد سن الخامسة. فلا تستهينوا بقدرات التعليم.

أيها الزملاء الأعزاء، هذا هو بالضبط ما دعاني للحضور هنا.لقد تأثرت كثيراً لما رأيته من قدرات تحملها الابتكارات التي جاءت كجزء من الإعداد لاجتماعنا هذا والتي سيعرض العديد منها اليوم.في واقع الأمر، تتشابه هذه القمة كثيراً مع مؤتمر قمة دولي ضخم حول التعاون التعليمي ينعقد على أرض دولة قطر.

إنه مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم الذي وصل محطته الرابعة هذا العام ويلتئم فيه الآلاف من صانعي القرار والخبراء من جميع أصقاع الأرض بهدف دعم الابتكار في التعليم وتنميته ونشره.

ويجمع هذا المؤتمر بين كونه منتدىً سنوياً منتجاً وشبكة عالمية دائمة لتبادل الأفكار وتنميتها وتنقيحها.لا شك أن نجاح مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم يعكس الإسهامات الحيوية والمبتكرة التي قدمتها دولة قطر في مجال عولمة التعليم العالي والبحوث على مدار العقدين الأخيرين.

قمنا في المدينة التعليمية بمؤسسة قطر بعقد مجموعة كبيرة من الشراكات مع أبرز الجامعات البحثية الرائدة على مستوى العالم لتقدم برامج تعليم بحثية لطلبة ينتمون إلى ما يقرب من 90 جنسية مختلفة.

استهلت دولة قطر مؤخراً برنامج إصلاح صحي كبير يأتي في إطار الاستراتيجية الوطنية للصحة الرامية إلى إطلاق برامج ومؤسسات عالمية في مجال البحوث والتعليم والصحة على أرض دولة قطر. ومن هذه المؤسسات مركز السدرة للطب والبحوث التابع لمؤسسة قطر الذي سيفتح أبوابه بمدينة الدوحة في العام القادم.

جئنا جميعاً اليوم إلى هذه القمة على اختلاف اهتماماتنا ومناطقنا الجغرافية لنجتمع على رؤية واحدة تؤمن بأن العديد من المشكلات الصحية التي يواجهها كل منا في بلده هي في حقيقتها مشكلات عالمية مشتركة.

وكما تعلمون أن المرض لا يعترف بحدود الدول، فكذلك يجب إلا تتقوقع جهودنا في تنسيق وتحسين سبل الوقاية والعلاج داخل حدود الدول.

ومن أكبر التحديات التي تواجهنا في عالم اليوم توفير خدمات صحية نوعية بتكلفة يسيرة، وهو تحدٍّ يكسر حدود جميع برامج الرعاية الصحية التقليدية ليخرج إلى رحاب السياسات الاجتماعية الوقائية بل ويتعداها إلى طموحات أكبر.

إنَّ للابتكار قدرةً على تقديم إجابات على بعضٍ من تلك التحديات، بيد أنني أشعر أنه من الأهمية بمكان التأكيد على ألا يأخذنا الابتكار بعيداً عن مسار المبادئ الأساسية التي نتفق عليها؛ فنحن جميعاً متفقون على أن الصحة حق إنساني أصيل يتمخض عنها التزام بتوفير خدمات صحية عالمية يتساوى فيها الجميع.

يتعيّن علينا أن نجد طرقاً جديدة للتغلب على سوء الإدارة واحتكار الأدوية والفساد، وقبل كل ذلك نقص التعليم.

وقد أسفرت هذه المشكلات عن فرض قيود على عملية الحصول على الأدوية ذات التكلفة الميَسّرة، وأدت إلى الإخفاق في دعم البحث في الأوضاع التي تؤثر بشكل خاص على الفقراء.

وإذ إننا نستشرف آفاق المستقبل، يسعدني أن أعلن عن تنظيم مؤتمر القمة القادم في العام المقبل بالدوحة وبدعم من مؤسسة قطر.

ومن المقرر أن تجمع هذه القمة مجدداً تحت مظلتها القائمين على جهود الابتكار والإصلاح في مجال الرعاية الصحية عبر العالم من أجل تلاقح الأفكار والاستفادة من الخبرات الدولية والتعاون في تهيئة حلول جديدة نحتاجها بإلحاح.

ويحدونا الأمل أن يكون هذا المؤتمر العالمي السنوي للسياسات الصحية نسخة مماثلة لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم على صعيد قطاع التعليم عبر العالم. 
تأتي هذه القمة لتجسد ثمار أشهر من العمل الدؤوب والجهود الحثيثة.

إن التقارير السبعة التي نشرت اليوم بغرض استطلاع الابتكارات الأكثر أهمية واستخلاص الدروس العملية لتقديمها للقادة وصناع السياسات، قد جرى تطويرها من قبل مجموعات العمل الدولية التي تضم نخبة من كبار الخبراء.

وسيكون من صلب اهتمامي أن أرى كيفية استقبال هذه التقارير اليوم و الأهم من ذلك، ما هي التغييرات التي نحققها كنتيجة في القمة المقبلة. بشأن تقرير الرعاية الصحية الأولية، كنت مهتمة بصفة خاصة في التركيز على الوقاية. ونحن في قطر ننفق على الوقاية 10٪ من ميزانيتنا السنوية البالغة ثلاثة بلايين دولار، / ولكن هذا لا يكفي / في بلد يعاني من وجود اتجاه نحو أمراض نمط الحياة. نحن نلتزم برفع النسبة وننفق على الوقاية - / وسيكون لدينا في العام القادم بعض البيانات الجديدة التي سنشرككم بالاطلاع عليها.

مرة أخرى، أود أن أشكر اللورد دارزي لتفانيه والتزامه بإطلاق مثل هذه المبادرة. لقد قام بالتزام عالمي قوي لدعم الإصلاح الصحي والابتكار. وأنا أتحداكم جميعاً أن تفعلوا الشيء نفسه.