في الاجتماع الاستراتيجي لمبادرة " علم طفلاً" - تكثيف الجهود للوصول الى الأطفال الغير ملتحقين بالمدارس-

الدوحة, 29 أبريل 2013

السلام عليكم..

نحييكم في الدوحة.. وهي تحيةٌ متصّلة.. واجتماعٌ ذو صلة..

من باريس مروراً بواشنطن إلى الدوحة.. نقدّرُ لكم حضورَكم لاستكمالِ ما شرَعنا بهِ في اجتماعِ اليونسكو بباريس قبلَ ستة أشهر.. وما عرَّجنا عليه في اجتماعِ واشنطن قبلَ أقلِّ من أسبوعين.. 

أشكرُ لكم استجابتَكم للدعوة وما تظهرونُهُ من اهتمامٍ بقضيةِ الأطفالِ المحرومينَ من الالتحاقِ بالتعليمِ الإبتدائي. وكانت البهجةُ ستغمرُ أفئدةَ هؤلاءِ الأطفال لو علموا أننا لا نتجاهلُ الأوضاعَ غير الإنسانية التي وُضعوا فيها، وأنّ اجتماعاً رفيعَ المستوى يُعقدُ هنا من أجلِ إدخالِهم إلى المدرسة..  ولكننا نريدُ أيضاً أن نغمرَ حياتَهم بنتائج عملِنا.. العملِ الجاد الذي يتجسّدُ على أرضِ الواقع ليستعيدَ هؤلاءُ الأطفالِ حقَّهم الطبيعي بالحصولِ على فرصةِ التعليم.

تعلمونَ أنّ مبادرةَ “علّم طفلاً” نبعتْ من وحيِ الأهدافِ الإنمائيّةِ للألفية التي تبنّتْها الإنسانيةُ جمعاء، تلك الأهداف التي سعتْ إلى غلقِ ملفِ أطفالِ العالم المحرومين من التعليم الإبتدائي في عامِ ألفين وخمسةَ عشر وما بعده. 

وقد جاءتْ مبادرتُنا لتحفيزِ روحِ الابتكار في سياقِ البحثِ عن الآلياتِ الكفيلةِ بالوصولِ إلى هؤلاءِ الأطفال مهما كانت صعوبةُ الظروفِ التي تَحَولُ دونَ الوصولِ إليهم، سواءً كانوا يقطنونَ في مناطق نائية أو يعيشون في مناطق النزاعاتِ أو يعانونَ من سوءِ الأحوالِ المعيشية.

إنّ وجودَ واحدٍ وستينَ مليونِ طفلٍ خارجَ المدرسة يضعُ العالمَ أمامَ مسؤوليةٍ أخلاقيةٍ وتنموية لا يمكنُ التنصّلُ منها. فكيفَ لنا أنْ نبنيَ مجتمعاتٍ مستقرةً ونحققَ ازدهاراً اقتصادياً ونبتكرَ مستقبلاً زاهراً إذا لم ننتصرْ على الظروفِ التي أدّتْ إلى حرمانِ هؤلاءِ الأطفالِ من حقِّهم بالتعليم؟ 

إنّهُ لمِنَ المخجلِ أن نعيشَ في عالمٍ يملكُ جميعَ عناصرِ التقدّمِ العلمي والتقنياتِ التربوية بينما يعجزُ أو يتنصّلُ بعضُهُ أو لا يكترثُ بعضُهُ الآخر حِيالَ قضيةٍ إنسانيةٍ وأخلاقية كهذهِ. لقد انطلقتْ مبادرةُ "علّم طفلاً" من أجلِ ابتكارِ الحلولِ لهذهِ المشكلة، يداً بيدٍ مع كلِّ أولئك الشركاءِ النبلاءِ الذين يؤمنونَ معنا بعالمٍ لا يُحرَمُ فيه طفلٌ من حقّهِ بالتعليم تحتّ أيِّ ظرفٍ من الظروف. 

وبُغْيَةَ تحقيقِ الهدفِ الثاني من الأهدافِ الإنمائيةِ للألفية القاضي بتعميمِ التعليم باعتبارهِ حقّاً أصيلاً وإدامتِهِ باعتبارهِ ضرورةً حياتيةً وثقافيةً ومعرفية، تتبلور رؤية مبادرة "علّم طفلاً" في ثلاثة مستويات من العملِ المتوازنِ والمتزامن: 
المستوى الأول: إعدادُ برامجَ استباقية تتعاطى مع الظروفِ والأسبابِ التي تحرِمُ الطفلَ من دخولِ المدرسة، لمعالجةِ المشكلةِ من جذورِها بالتعاملِ مع أسبابِ نشوءِ الحرمان حتى لا يجد المزيدُ من الأطفالِ أنفسَهم خارجَ المدرسة. 
المستوى الثاني: وضعُ برامجَ لضمانِ عدم تسرّبِ التلاميذ من مرحلةِ التعليمِ الإبتدائي، لأنَّ التحاقَ أو إلحاقَ الأطفالِ بالمدرسة لا يكفي وحدَهُ إذا لم تُوضعْ آلياتٌ فعالةٌ تساعدُ التلاميذَ على مواصلةِ الدراسة في المرحلةِ الإبتدائية.
المستوى الثالث: ابتكارُ البرامجِ الكفيلةِ بالتصدّي لمشكلةِ واحدٍ وستينَ مليونِ طفل غير متمدرس لغلقِ هذا الملف كليّاً.

وانطلاقاً من مبدأ ترابطِ القضايا، لا نريدُ للحلولِ أن تكونَ جزئيةً على أيِّ مستوىً من المستويات، فالمشكلاتُ العالميةُ لا تنفصلُ عن بعضِها بعضاً، وإذا لم يبحثْ العالمُ عن حلولٍ شاملةٍ لمشاكلِهِ الكونية فإنّ الحلولَ الجزئيةَ ستحملُ في أحشائِها مشاكلَ من نوعٍ آخر.

ومن هذا المنظور اختارت "علّم طفلاً" منهجاً في العمل على صعيدين: يتمثّل أوّلُهما بالتدخّلِ التعليمي السريع في الحالاتِ الطارئة ذات المَدى القصير. ويتلخّصُ الصعيدُ الثاني بالعمل على بلورةِ رؤيةٍ شاملةٍ تلتقي حولَها مختلفُ الوكالاتُ الدوليةُ لتنهضَ معاً بعملٍ شاملٍ يتصدّى لحِزمةٍ من المشاكلِ الحياتية التي يعانيها الأطفالُ المحرومونَ ليسَ من التعليمِ فحَسْبْ، بل تَطالُهم مختلف أشكال الحرمان التي أثقلتْهم بالمرضِ والجوعِ والفَقر. 

ومن هنا تبرزُ ضرورةُ الربطِ الاستراتيجي للتعليم بجهودِ الحدِّ من الفقر، وتوفيرِ فرصِ العملِ المربح، والاستثمارِ في تنميةِ المهارات، وتعزيزِ آلياتِ الحمايةِ الاجتماعية، وتعزيزِ المساواةِ بين الجنسين واحترامِ الخصوصياتِ الثقافية. ونعمل على تجسيدِ هذه الرؤية من خلالِ تقديمِ خدماتٍ متكاملةٍ تتكفّلُ بها مبادرةُ "علّم طفلاً" على المستوى التعليمي، وتقومُ "صلتك" بالتأهيلِ المهني فيما تتولى وكالاتٌ دوليةٌ أخرى، كلٌ حسَبِ اختصاصِها، معالجةَ قضايا الأمنِ الغذائي والرعايةِ الصحية. كما نعملُ مع اليونسكو من خلال المؤسسة الأم (التعليم فوق الجميع) على إصدارِ تقريرٍ سنوي يرصدُ حالاتِ الإعتداءِ على المدارس والعاملين فيها وذلك لحماية التعليم في أوقات الأزمات.

السيدات والسادة،،

إنَّ لمِن المهمِ، في هذا الاجتماعِ التقني، أنْ نبحثَ في الكيفياتِ والوسائلِ والتمويلِ والخبرات، وندفعَ باتجاهِ تفعيلِ الاستعدادِ الذاتي والجماعي على مختلفِ المستوياتِ لكي نسرّعَ تنفيذِ الإجراءاتِ التي نتفقُ حولَها لنضمنَ إدخالِ أكبر عدد من الأطفال إلى المدرسة. ولعلَّ من أبرزِ ما ينبغي أن نلتفتَ إليه هو تنويعُ الاستراتيجياتِ وفقاً لاختلافِ الظروفِ والبيئاتِ مع الأخذِ بالاعتبار الإصغاء إلى الأصواتِ المحليةِ والاستفادة من الخبراتِ العالمية. 

وكما في جميعِ القضايا العالميةِ الأخرى، لا بديلَ عن الشراكةِ لإنتاجِ الحلول. وهي مناسبةٌ للإعرابِ عن تقديرِنا لشركائنا الذين لم يألوا جهداً في دعمِ مبادرةِ "علّم طفلاً" بهدفِ تطويرِ آلياتِ الوصولِ إلى الأطفال الأكثر فقراً وتهميشاً في العالم. 

فلا أحدَ سيتمكّنُ بجَهدٍ أُحادي من التغلّبِ على التحدّي التعليمي الكوني الذي نواجهُهُ. ولهذا كان إيمانُنا بالشراكةِ حاسماً، وقد تأكّدتْ لنا يوماً بعد آخر جدوى وقوةُ هذه الشراكة. وإننا لمحظوظونَ بشركاء من جميعِ أنحاء العالم، نخطّطُ ونبحثُ في العملِ معهم لمساعدةِ بعضِ أطفالِهم على ممارسةِ حقِهم في التعليم. 

وأودُّ أن أغتنمَ هذه الفرصةَ لأشكرَ وزراءَ العديدِ من هذه البلدان لبرهنتِهم على التزامِهم بالانضمامِ إلينا هنا اليوم، لاسيّما وإن مبادرة علّم طفلاً تستهدف أربعة وثلاثين بلداً يتواجد فيها أكثر من سبعينَ بالمئة من الأطفالِ المحرومين من التعليم الإبتدائي. ويسعدنا حضور ممثلي سبعة عشر بلداً يتواجد فيها ستون بالمئة من هؤلاء الأطفال. لقد نجحتْ مبادرةُ علّم طفلاً في إلحاقِ ستمئة ألف طفل بالمدارس، خلالَ أربعةِ أشهر، وهي مجرّدُ بدايةٍ لمسعىً طموحٍ نريد أن نصلَ بهِ إلى عشرةِ ملايين طفلٍ بحلولِ عامِ ألفين وخمسةَ عشر.. 

السيدات والسادة،

طالما آمنّا أنَّ التعليمَ حقٌّ أصيلٌ للبشرِ جميعاً، وحقٌ من حقوقِ الإنسانِ التي سطّرَها الإعلانُ العالمي لحقوقِ الإنسان.. وطالما اتفّقنا بأنَّ التعليمَ هو القاعدةُ الرصينةُ التي ننطلقُ منها نحوَ التنميةِ والتطورِ والسلام.. وطالما تقاسمنا المسؤوليةَ حِيالَ الأطفالِ المحرومين من الالتحاقِ بالمدرسة، وطالما توافقتْ النوايا بالعملِ على حلِّ هذه المشكلةِ العالمية.. فإنّ لا بديلَ أمامنا سوى استنفارِ الإمكانياتِ جميعِها حتى لا يُحرَم من التعليمِ الإبتدائي أطفالٌ أبرياء يواجهونَ ظروفاً لم يختاروها.

هل "راحت عليهم" فعلاً..؟ الإجابة تقع على عاتقنا.. وإنّي لعلى ثقةٍ بأنكم لن تخذلوا عيوناً بريئة تتطلّع إليكم.

أحييكم مرةً أخرى.. وتمنياتي بالتوفيق..

والسلام عليكم.