جلسة نقاشية رفيعة المستوى بمناسبة اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات

الدوحة، قطر, 09 سبتمبر 2021

 

سؤال: صاحبة السمو، هذا هو العام الثاني لإحياء اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات وذلك في ظلّ استمرار الهجمات على التعليم في جميع أنحاء العالم. سؤالي إلى سموّك، ما الذي يمكن أن يحققه هذا اليوم على أرض الواقع؟

شكرًا لك نيك، بدايةً أُحيي أصدقائي وزملائي المتواجدين هنا اليوم.

نبارك لسعادة الأمين العام للأمم المتحدة ولايته الثانية، ونبارك أيضًا للسيد كريم خان، لتعيينه مدعياً عاماً للمحكمة الجنائية الدولية. يسرنّي أن ألتقي فخامة رئيس جمهورية النيجر، محمد بازوم، وأتطلع لتعاوننا معًا. سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن- شكرًا للدعم الذي تقدّمه إلى "مؤسسة التعليم فوق الجميع"، ولدفاعك عن قضايا التعليم. كذلك يُسعدنا مواصلة العمل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الإتحاد الأوروبي، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو).

كما تفضّلت السيدة أزولاي، المدير العام لـ"اليونيسكو"، إنه لمن دواعي سرورنا إطلاق مشروع بيانات جديد مع الـ"اليونيسكو"- الذي يُمكّننا من المضي قدمًا نحو تحقيق أهدافنا لوقف الهجمات على التعليم. كذلك، أُعرب عن خالص امتناني لكلّ العاملين بجهد من أجل التعليم، وتحديداً مع مشاركة الشباب في هذه الجلسة.

نيك، بالعودة إلى سؤالك، ما الذي يمكن أن يُحققه هذا اليوم؟

اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات لن يوقف الهجمات على التعليم؛ كما أن اليوم الدولي للسعادة لن يمحو الحزن؛ ويوم الأغذية العالمي لن يقضي على الجوع. نحن نحتفي باليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات، من أجل لفت انتباه العالم إلى حجم هذه القضية، وبهدف شحذ الهِمم. لكنّ الواقع يختلف عن الأمنيات، فملايين الأطفال حول العالم محرومون من إمكانية الوصول إلى مدارسهم التي يتلقون فيها تعليمهم، بسبب النزاعات.

فعلى الرغم من الجائحة ومن دعوات سعادة الأمين العام للأمم المتحدة التي تنادي بحماية التعليم من الهجمات، ازداد عدد الهجمات على المدارس بمقدار الثلث في عام 2020. وسُجلّت، خلال عام واحد ألفان وأربعمائة هجمة على المرافق التعليمية. طلاب وموظفون لقوا مصرعهم، وآخرون أُصيبوا بالتشوّهات، جرّاء هذه الهجمات، وهذه ليست "أضراراً جانبية"، فقد اُستهدفوا عمداً، وهوجموا بدمٍ باردٍ، رغم تواجدهم في أماكن مخصصة للتعلّم واللعب، حيث من المفترض أن يكونوا آمنين.

دعونا نكرّرها على مسامع العالم "مستهدفون عمدًا"، ولماذا المدارس؟ وهي الأماكن التي تُعلّم الأجيال الجديدة حبّ لغتهم، وتاريخهم، وثقافتهم، وتقاليدهم، وداخل أروقتها يُنمّون اعتزازهم بهويتهم، وثقتهم بنفسهم، وقدرتهم على التفاعل مع العالم.

الأطفال الذين شاهدناهم للتوّ في هذا الفيديو، ليسوا من نسج الخيال. هؤلاء موجودون في الواقع، مجنّدون في قوات عسكرية، مُجبرون على الفرار، أيتاماً، وضحايا الاتّجار بالبشر. لقد سُلِبتْ حقوقهم الأصيلة في التعلّم والانتماء إلى إرث ثقافي.

رغم كلّ ذلك، يبدو أنّ العالم لا يلحظهم، وكأنهم غير مرئيين، فلا يلتفَتُ إليهم إلّا أثناء تغطية إعلامية عرضية عند انتشار صورة ترثي جثة طفل لفظها الشاطئ، أو حافلة مدرسية مُدّمرة بغارة جوية. بعدها، تتلاشى الصدمة، وتتوالى الأخبار اليومية، فتظهر عناوين جديدة، لتُشتت انتباه المجتمع الدولي مجددًا عن هذه القضية. والمشكلة ما زالت قائمة.

فالمُعتدون لا يكتفون بالهجوم على ضحاياهم، بل يتعمّدون القضاء على تاريخهم. يقصفون المباني ويحطّمون الآثار- ويقتلعون الأشجار التي تُشكّل قلب المجتمعات النابض، يُجرّدونها من تاريخها، ويشوهّون حاضرها، ويطمسون مستقبلها. لقد دمّروا الذاكرة الثقافية لهذه المجتمعات، فلم يتبقَّ شيءٌ لأجيالٍ أبصرتْ نور الحياة من بين الأنقاض.

أجيال مثقلة بجراحٍ جسدية ونفسية، تحاول تجاوز الصدمة، والبحث عن ركيزة تستند إليها لإعادة بناء الحياة. التعليم هو هذه الركيزة التي ستُمكنّهم من التعافي، والتعايش مع جراحهم، والعثور على الأمل المنشود. هذا ما يجعل التعليم بديلاً عن هذه الفوضى. وهذا ما يجعل التعليم حقّاً أساسيّاً من حقوق الإنسان. وهو السلاح القوّي في مواجهة الإبادة الثقافية.

إنّ مَن يشنون الهجمات على التعليم مجرمون، يسرقون ما هو أعمق وأكثر من القراءة والكتابة وعلم الحساب. يجب محاسبتهم. لكنّهم يفلتون من العقاب. لا بدّ أن يتحمل الجُناة مسؤولية أفعالهم، عندما يتخذون قراراتهم عن سابق إصرار، لتدمير التعليم ، ومحو الثقافة ، وإنهاء أي احتمال للسلام .

نحن نعرفُ، في كثير من الأحيان، هويةَ مَن يقف خلف هذا الدمار. ونراقب الهجمات على التعليم ونجمع البيانات التي تُثبت وقوع هذه الجرائم. وبالاستناد إلى الأدلّة الداعمة، على المجتمع الدولي أن يضمن حصول هؤلاء الضحايا على تعويض من المتسببين في هذه الجرائم. ليُحاسب المسؤولون عن تدمير التعليم، ليواجهوا عقوبة أفعالهم، ليدفعوا ثمن الضرر الذي تسببوا به.

إذن، نِك، سألتني عمّا يُمكن أن نحققه في هذا اليوم ؟

في عام 2010، قدّمنا قراراً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن "الحق في التعليم في حالات الطوارئ". بعد 10 أعوام، اجتمعنا مجدداً لإرساء اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات. 

رغم ذلك، ما زالت مباني المدارس مدمّرة، ومتضررة، تُستخدم لأغراض عسكرية في أكثر من 70 دولة. علينا أن نكون أكثر تيقظاً، لنكشف الحقيقة المخفية عن العالم، حقيقة الضحية والجلاد.

آن الأوان لحثّ المجتمع الدولي، والقيادات في كلّ دولة، لمطالبة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، بتقديم مرتكبي الجرائم الوحشية ضدّ التعليم إلى العدالة.   حان الوقت للاعتراف بأن التعليم هو حجر الأساس للسلم والأمن الدوليين. لنؤكد مجدداً للضحايا الذين اُقتلعوا من جذورهم في 70 دولة، أننا ملتزمون بحقوقهم وأمنهم.