المؤتمر العالمي الرابع للخَطابَة والمناظرة والحوار

الدوحة, 11 يناير 2013

السلام عليكم،،،

أحييكم جميعاً، مشاركينَ وضيوفاً، وقد سرَّني أن ينعقدَ مؤتمرُكم بالدوحة، لأولِّ مرة في الوطنِ العربي، وأنْ تكونَ اللغةُ العربية فيه لغةً للمناظرة إلى جانبِ الإنجليزية. ويسعدُني أن أتحدّثَ إليكم وأنتم تجتمعونَ لبحثِ البراعةِ في استخدامِ اللغةِ وتوظيفِ الفكر.. في فنونِ الخَطابَة والمناظرةِ والحوار.. وهي أساليبٌ تعبيريةٌ استخدمَها الإنسانُ منذ القِدَم وما فَـتِـئـتْ حيّةً متجدّدة، وقد صارَ لها في العصرِ الحديث تأثيرٌ أبلغُ في فضاءاتِ الإعلامِ والسياسةِ والثقافةِ وإدارةِ الأزمات.

ولكن العالمَ تأخرَ كثيراً، بعد قرونٍ من الصراع والتنافرِ بين أقطابِهِ وأممِهِ، قبلَ أن نشهدَ في السنواتِ الأخيرة عناوينَ كثيرةً لحواراتٍ كونية، نريدُها أن تتحوّلَ إلى وعيٍ عامٍ لدى الشبابِ ليكونَ البناءُ من أسفل إلى أعلى وليس العكس، أي من البِنيةِ التحتية للوعي التي تبدأ دائماً من التعليم.. لاسيّما ونحنُ نشهدُ التأثيراتِ الهائلةَ للتقدمِ التكنولوجي على طبيعةِ المناظرةِ وشكلِها ومساحتِها ليصبحَ الحوارُ حيّاً ومتواصلاً بين مختلفِ سكانِ الأرض على شبكةِ الانترنت، وليمسيَ تحجيمُ حريةِ التعبير ضَرْباً من العبث. 

إننا نعايش في الوقت الحاضر تحوّلاً كبيراً في دورِ الشباب بعد أن كانوا غالباً مجرّد متلقّين، تؤثرُ فيهم المؤسساتُ التقليدية بشكلٍمباشر وترسمُ لهم الحدودَ وتمثّــلُهم. بَيْدَ أن الحالَ تغيّرتْ بفضلِ ثورةِ الاتصالاتِ وتكنولوجيا المعلومات إذ انتزعَ الشبابُ دوراً جديداً ومؤثراً خارجَ سلطة المؤسساتِ التقليدية عندما استثمروا الامكانياتِ الالكترونية للنشرِ والتواصل في إنشاءِ حوارٍ جماعيٍّ عابرٍ للحدود.. لينتقلوا من مرحلةِ التلقّي إلى مرحلةِ التأثير.

وقد أبانتْ لنا الثوراتُ الشعبية في منطقتِنا كيف أنَّ الشبابَ العربي عندما ضاقَ ذَرْعاً بواقعِ الاستبداد لجأَ إلى الواقعِ البديل على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي ليقيمَ حوارَهُ ومناظراتِهِ وجدلَهُ هناك حيث نجحَ في النهاية بالتأثيرِ في واقعِهِ نحو التغيير، ليعودَ الحوارُ إلى مكانِهِ الطبيعي في عواصمِ الثورات وليس على المواقعِ الالكترونية.

إنَّ لمِن البداهةِ تكرارَ القولِ الملهِم أن الشبابَ هم رجالُ المستقبل وقادتُهُ، ولكنّ العالمَ لم يُقدِمْ على الكثيرِ من أجلِ تفعيلِ هذا القول حيثُ توجبُ الحقائقُ الإحصائية والموضوعية تعاملاً جديّاً متعددَ الآفاق، يأخذُ بالاعتبار التناسبَ بين دورِ الشبابِ ونسبتِهم في المجتمع، بما يجعل حجمَ المشاركةِ متكافئاً مع كونِهم العنصرَ الأهمَّ في الطاقةِ التنمويةِ للتغييرِ. الأمرُ الذي يكرّسُ المسؤوليةَ العالمية حِيالَ قضايا الشبابِ وإعدادِهم للمشاركةِ في صنعِ القرارِ والتنميةِ وخياراتِ المستقبل. وتتصدّرُ القدرةُ على الحوارِ والمناظرةِ والخَطابَةِ شروطَ الإعدادِ لقيادةِ هذه الأدوار بما يؤهّلُ الشبابَ للتعبيرِ عن جيلٍ ومرحلةٍ وعصرٍ ورؤيةٍ مستقبلية، لأنَّ تحديّاتِ المستقبلِ وشروطَهُ لا تقبل بأقلِّ من شبابٍ واثقٍ.. قويِّ الشخصية.. يتحلّى بسجيّةِ قبولِ الآخر.. يؤمنُ بالحوارِ ومنطقِهِ.. يتخّذُ من التفكيرِ النقديِّ أداةً.. ومن ثقافةِ السلامِ والتسامحِ نزعةً. وإذا ما أردنا أن نبنيَ عالماً آمناً وأجيالاً تـنزعُ إلى السلام، فلا مناصَ من تربيةِ هذه الأجيال على ثقافةِ الحوارِ بدلاً من ثقافةِ العنف.. وتنشئةِ الطلبةِ على التعبيرِ عن الرأي والقبولِ بالآخرِ ورأيِهِ.. ودعمِ المَيلِ نحو نقدِ الواقعِ والمعرفة.. والإيمان بأنَّ الجدلَ هو سرُّ التطور، كما أثبتَ ذلكَ تاريخُ الفكر في العالم.

ومثلما في جميعِ القضايا الأخرى، لا تتحققُ التربيةُ والتنشئةُ خارجَ التعليم.. فهناك يُبنى الإنسان.. وهناك يبدأُ التعبيرُ عن الرأي بالاحتكامِ إلى المنطق.. وهناك ينمو الفعلُ النقدي لينتجَ تفكيراً نقدياً.. ابتكارياً.. وليس عقلاً نقلياً خاملاً. وهناك بالتحديد يتعلّمُ التلاميذُ أن منطقَ الحجّةِ في مواجهةِ الحجّة هو البديلُ الحضاري لفوضى الرصاصِ في مواجهةِ الرصاص، كما أنّ مفرداتِ المناظرةِ والحوارِ والجدلِ والمنطقِ هي عناوينُ لقيمِ السلامِ في مواجهةِ قيمِ العدوانِ والقمعِ والإقصاءِ والمُصادرة.

وإدراكاً لكلِّ هذه المقتضيات، استندنا في رؤيتِنا للتعليمِ وتطويرِهِ في قطر، في السنوات العشر الماضية، على وضعِ مناهجَ تعليميةٍ وطرائقَ تدريسٍ تقومُ على النقاشِ وتعميقِ ثقافةِ الحوار وتنميةِ القدراتِ الحواريةِ للطلبة وتنشيطِ التفكيرِ النقدي لديهم وتعزيزِ روحِ الابتكار في مجالِ صناعةِ الأفكار، بغيةَ تأهيلِهم لأدوارٍ قياديةٍ في الحاضرِ والمستقبل.

وإذْ أحيي مؤتمرَكم في سعيِهِ إلى تأصيلِ منهجيةِ التمكينِ في المؤسساتِ التعليميةِ، لا بدَّ من تذكيرِ العالم بأنَّ التهاونَ في إعدادِ الشبابِ لقيادةِ المستقبل يعرّضُ المستقبلَ نفسَهُ للخطر.
أتمنى لأعمالِ مؤتمرِكم النجاحَ والتوفيق... وشكراً.