الاجتماع العالمي حول التعليم للجميع

اليونسكو – باريس , 21 نوفمبر 2012

السيدة مدير عام اليونسكو...
السيدات والسادة...
السلام عليكم...

أشكرُكم بدءاً على دعوتي لحضورِ هذا الاجتماعِ العالمي بشأن التعليم للجميع، وإنه ليشرّفَني، انطلاقاً من اهتمامي بقضايا التعليم وخصوصاً التعليم الإبتدائي، أن أكونَ معكم في كلِّ ما تسعونَ إليه وما تعملونَ عليه من أجلِ توفير التعليم للجميع باعتبارهِ حقاً أصيلاً لا ينبغي أن يُحرمَ منهُ أحدٌ في أيّةِ حالٍ من الأحوال، ونحن نعيشُ عالماً لا يتطورُ ولا يستقرُ ولا ينعَمُ بسلامٍ 
ولا تُستدامُ فيه التنمية ولا تسودُ في بلدانِهِ العدالةُ الإنسانية إذا ما تعثّرتْ مسيرةُ التعليمِ في بقعةٍ من الأرض وحُرِمَ الطفلُ من دخولِ المدرسة أو عرقلتْهُ مختلفُ الظروف من إكمالِ تعليمِهِ.

إنّ مسؤوليتَنا المشتركة لم تعدْ تقتصر على حق الحصول على التعليمِ فحسبْ، بل توجِبُ أن يكونَ التعليمُ نوعياً قادراً على الاستجابةِ لمتطلباتِ الحاضرِ والتصدّي لتحدياتِ المستقبل.

وإنه لجديرٌ بالتقدير أنْ ينعقدَ هذا الاجتماع في سياق هذه الاستجابة وهذا التصدّي بزمانِهِ ومكانِهِ المناسبين..

ولعلَّكم تشعرونَ معي أننا نعملُ حالياً بعزيمةٍ أقوى من ذي قبل، وبطاقةٍ روحيّةٍ وأخلاقيةٍ ومهنيةٍ أكبر.. تجسّدتْ فعلياً بما شهدَهُ النصفُ الثاني من هذا العام، ألفين واثني عشر، من أحداثٍ هامّةٍ تُعنى بقضايا التعليم، ليأتي اجتماعُكم اليومَ خطوةً في هذا الاتجاه.

ففي سبتمبر الماضي، شاركتُ الأمينَ العامَ للأممِ المتحدة في نيويورك، بصفتي عضواً في مجموعةِ المدافعين عن الأهدافِ الإنمائية للألفية، في إطلاقِ مبادرةِ "التعليم أولاً". وهي مبادرةٌ تهدفُ إلى إدخالِ جميعِ الأطفالِ إلى المدرسة وتحسينِ نوعيّةِ التعليم وتعزيزِ المواطنةِ العالمية.

وفي الوقتِ نفسِهِ، تبنّى برنامجُنا "التعليم فوق الجميع"، خلال أربع سنوات مضتْ، دعمَ وتطويرَ الدعوةِ إلى حمايةِ التعليم في المناطقِ المتأثرةِ بالنزاعات والبيئاتِ ذات الظروفِ الإنسانيةِ العصيبة. وقد نجحنا نحن الدعاة في عام ألفين وأحدَ عشر في إصدارِ قرارٍ من مجلسِ الأمن رقم ألف وتسعمئةٍ وثمانية وتسعين القاضي بجعلِ المدارس والمستشفيات أماكنَ آمنةً في أوقاتِ النزاعات.

ولكن ما يجري على أرضِ الواقع اليوم لا يشهدُ أيّةَ حمايةٍ لمباني المدارس ولا لحقِّ الطلبةِ بالتعليم.. وما يتعرّض له الطلبة في غزة وسوريا وسواهما يؤكدُ على الدوام أنّ قضيةَ التعليم لا تنفصل في السياق العام عن القضايا الأخرى، سواءً كانت سياسيةً أم اقتصاديةً أم اجتماعيةً أم أمنية.

فهناك تلاميذٌ في غزة يموتونَ تحت القصف وآخرون يتوقفون عن الدراسة، مثلما هناك في مخيماتِ اللاجئين السوريين حالياً مئاتُ الأطفالِ الذين بلغوا سنَّ الدراسة ولا يجدونَ مدرسةً تستقبلهم..

إنَّ الحلَّ الجذريَّ للمشاكلِ التي تعترضُ مسيرةَ التعليم تأتّى بشكلٍ شاملٍ من خلالِ معالجةِ حزمةِ القضايا العالمية التي تؤثرُ في بعضِها بعضاً.

السيدات والسادة...

لقد شهِدتْ الدوحة في الأسبوعِ الماضي، بحضورِ مدير عام اليونسكو، إطلاقَ برنامج "علّم طفلاً"، الذي يعمل على تغييرِ حياةِ ملايين الأطفال ممن ستشملهم برامجُ التعليمِ الإبتدائي النوعي في السنواتِ المقبلة. ويساهمُ هذا البرنامجُ الطموح في تحقيقِ الهدفِ الأولِ من برنامجِ "التعليم أولاً" مثلما يشكّلُ استمراراً لالتزامنا حيال ثاني الأهداف الإنمائية للألفية.

ومن خلالِ استقطابِ الشركاءِ إلى بيئةٍ ابتكارية والعمل معاً، نسعى إلى الوصولِ إلى كلِّ هؤلاء الأطفالِ الذين حُرموا من التعليمِ الإبتدائي دون أن يكونوا طرفاً أو سبباً في هذا الحرمان.

وقد حظيَ مشروع "علّم طفلاً" حتى الآن بعشرينَ شريكاً، بضمنِهم اليونسكو، وذلك خلال فترةٍ زمنيةٍ لم تتعدَّ ستةَ أشهر.. ويشملُ المشروع في الوقتِ الحاضر أكثرَ من خمسةَ عشرَ بلداً، مع الحرصِ على النمو من خلالِ الشراكاتِ والمساهماتِ الفاعلة من أجل تقليلِ عددِ الأطفالِ المحرومين من التعليم.

نعم.. على مدى الشهرينِ الماضيين اكتشفنا طاقةً جديدة.

أدعوكم إلى استثمارِ هذه الطاقةِ المنبعثة من إرادةٍ جماعية، وأتوسّمُ فيكم مضاعفةَ الجهودِ لتنفيذِ التزاماتِنا نحوَ هؤلاءِ الأطفال، وأحثُّكم على استثمارِ حوارِ الأيامِ المقبلة للانتقالِ بنا إلى العملِ بوتيرةٍ متسارعةٍ تمكّنُنا من تحقيقِ أهدافِنا.

ولكنني أريدُ أن أقولَ: لا يكفي أن تخرجَ لغتُنا حارّةً من أعماقِنا للتعبيرِ عن مشاعرِنا أو توجهاتِنا، وإنّما نريدُ لهذه اللغة أن تتماهى في التزامِنا وأفعالِنا.

فكلٌّ منّا يدركُ أهميةَ التعليمِ ومشاكلَهُ. ولكن ماهي آلياتُ الحل؟

إنّني أرى الأولويةَ الراهنة تتمثّلُ في الانتقالِ من أروقةِ الاجتماعات إلى ميادينِ العمل..

وتحديدِ الكيفياتِ القادرةِ على تفعيلِ التعاونِ والتنسيق في خططٍ تنفيذية يلتزمُ كلُّ طرفٍ بإداءِ دورِهِ فيها.. ومن ثمّ إدارة حوارٍ حول آلياتِ التطبيق.

وطالما تنادتْ ضمائرُنا وأفئدتُنا لخلقِ فرصةٍ جديّةٍ للعمل المشترك في سبيلِ تقديمِ تعليمٍ نوعيٍّ للأطفال، يتوجّبُ علينا أن نغتنمَ هذه الفرصة بجديّةٍ مماثلةٍ، وإلاّ فإننا سنخسرُ جيلاً من صِنّاعِ الوجهِ الأجملِ للحياة، من الفنانين والكتّابِ الواعدين والعلماءِ والرياضيين والمعلمين والقادة.

السيدات والسادة..

نحن.. الشركاء العالميون، والحكومات، ومنظماتُ المجتمعِ المدني.. ينبغي أن لا نتردّد في الإيمانِ بالوعدِ الذي قطعناه من خلالِ برنامجِ "التعليم للجميع" و"مجموعة الأهدافِ الإنمائية للألفية" لجعلِ التعليمِ حقاً مستَوفى في عام ألفين وخمسةَ عشر..

بَيْدَ أنَّ التحدياتِ ما برِحتْ كبيرةً أمامَ التعليم للجميع.. ولن نستطيعَ تطويعَها إلا بطموحٍ أكبرَ وجهودٍ عملية أكبر.. 

ولكن إذا ما نظرنا إلى الأمرِ بواقعية، فإن جوهرَ الوعد لا يكمنُ في تحديدِ مواعيدَ نهائية غيرَ قابلةٍ للتعديل وإنما في مصداقيةِ المسعى وجديّةِ العمل ومواصلةِ الجهودِ لنشهدَ في عام ألفين وخمسةَ عشر إنجازاتٍ ملموسةً نبني عليها ونستمرُ في تكريسِها.

إنّهُ الواجبُ الذي لا يحقُّ لنا التنصّل منهُ. وعلينا أن نستثمرَ هذه الطاقةَ الإيجابيةَ للنهوضِ بواجبِنا على أكملِ وجهٍ لتطويعِ المشكلة وتكييفِ الظروفِ على الأرض.

إنّ الفرصةَ النموذجيةَ بينَ أيدينا الآن لنواجهَ التزامَنا ونتذكّرَ هؤلاء الأطفالِ الذين قطعنا لهم وعداً.. إذا ما أردنا أن نتفادى عاراً قد يلحِقُهُ بنا التاريخُ حينَ تحينُ المواعيد دونَ أن نفيَ بالوعد.. في حينِهِ أو بعد حين.

لا خيارَ آخر لنا...

ومن لديهِ خيارٌ فليأتِ بهِ..

السيدات والسادة..

تعميقاً للروحِ الجديدةِ التي طغتْ على عام ألفين واثني عشر وعكستْ ميلاً جاداً للعملِ المشترك.. وتأصيلاً للشعورِ بالواجب وما يترتّبُ على القيامِ بهِ.. وتوفيراً للمزيدِ من الفرص نحو آفاقٍ أوسعَ للتعليم..

أدعوكم للاجتماعِ بالدوحة في شهر أبريل المقبل، للمشاركةِ في بحثِ كيفيةِ الوصول إلى أولئكَ الأطفالِ المحرومين من المدرسة، وأن تحملوا معكم خططاً محدّدة وأن تشرَعوا بإجراءات تنفيذية  لضمانِ تحويلِ الاستراتيجياتِ الخاصةِ بالتعليم إلى خططٍ وبرامجَ عملية.

أتمنى لاجتماعكم النجاح والتوصّل إلى نتائج طيبة..

وشكراً لإصغائكم...