احتفالية العشرة مليون لمؤسسة التعليم فوق الجميع

نيويورك, 27 أبريل 2018

 

السيدات والسادة، مساء الخير..

يسعدني أن أرى وجوها مألوفة عديدة بين الحاضرين، ويسرني الترحيب بكم جميعا هنا الليلة بهذه المناسبة الخاصة جدا.

لعل كثيرين منكم يعلمون أننا كنا ننتظر هذه الفعالية لحوالي ستة أعوام، منذ أن وضعت نصب عيني على هدف كان آنذاك يبدو أنه غير واقعي ولا يمكن حتى بلوغه.

عام 2012 تأملت في الأطفال غير الملتحقين بالمدارس الذين بلغ عددهم 60 مليون طفل، وقلت ينبغي أن نتحرك.

ينتمي هؤلاء الأطفال لأكثر مجتمعات العالم تهميشاً وضعفاً. نزح معظمهم بسبب الصراعات، ووجد آخرون منهم طريقهم نحو اللجوء، بينما هرب بعضهم من الفقر والكوارث الطبيعية، ولم يلتحق أي أحد منهم بالمدرسة.

عندها فكرت في امكانية حشد شركاء من أنحاء العالم والعمل سوية لتوفير التعليم لعشرة بالمائة على الأقل من هؤلاء الأطفال غير الملتحقين بالمدارس. قال لي الخبراء سيكون تعليم ستة ملايين طفل أمراً مستحيلاً. ولمّا لم أتقبل ذلك، أشار عليّ لي أحد المستشارين بأن أختار هدفا "أكثر واقعية". وأخالني سمعته قال "متفائلة"، لذا وضعت نصب عيني هدف 10 ملايين طفل.

أدرك يا أصدقائي أن 10 ملايين طفل رقم كبير للغاية، خاصة وأننا نتحدث عن 10 ملايين شخص فتياتٍ وفتيانا، لكل منهم قصة حياته الخاصة، وتحدياته الشخصية. لذا نحن هنا هذا المساء لنحتفل بشيءٍ جدِّ مميز.

شكرا لجهود برنامجنا "علِّم طفلاً"، والشكر موصول لمختلف شركائنا الدوليين. إنه لمن دواعي فخري أن أعلن هذه الليلة بأننا قد بلغنا غايتنا المستحيلة وغير القابلة للتحقيق وغير الواقعية البتَّة: 10 ملايين طفل من الأطفال غير الملحقين بالمدارس سيحصلون الآن على التعليم النوعي. وأعرب عن شكري لكم جميعا، ولكل من أسهم في تحقيق هذه الغاية.

وأود أن أبادلكم ما يعنيه هذا الإنجاز بالنسبة إليَّ. نحن في برنامج علم طفلا نؤمن بحق كل طفل في الحصول على تعليم نوعي، وأن التعليم ضروري لحياة الإنسان كضرورة الغذاء والماء والمسكن. ونؤمن أيضا بأن التعليم هو الأداة الأكثر قوة التي تم ابتكارها لإطلاق قدرات الإنسان.

هناك من يقول بأن التعليم هام، لكن ينبغي أولا تعبيد الطرق وتدريب الأطباء وبناء البيوت. أنا أدرك أن هناك تنافساً في الأولويات، لكنني أقول: إذا قدمتم لي عشرة أسباب تدعو إلى تأجيل تعليم الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في العالم، فسأعطيكم 10 ملايين سبب بأنه لا يحتمل التأخير.

اليوم، ونتيجة لما حققناه معاً، سيحظى 10 ملايين طفل بفرصة توسيع آفاقهم الفكرية. ويوما ما قد يلتحق بعضهم بجامعة كولومبيا أو ستانفورد أو هارفارد. سيحظون بفرص اكتساب مهارات توفر لهم وظائف نوعية، وبذلك سيسهمون في مجتمعاتهم، وسيكون بمقدورهم إعانة عائلاتهم، وسينقلون منافع تعليمهم إلى أبنائهم. وأنا مؤمنة بأنهم سيجعلون العالم مكانا أفضل لنا جميعا.

السيدات والسادة،

لقد رأيت بأمِّ عيني القوة التحويلية للتعليم في أماكن مثل بنغلاديش وفلسطين وتركيا والسودان والبرازيل وكينيا. رأيت كيف بُنيت المدارس من لا شيء، وكيف استحالت بنايات مهجورة إلى فصول دراسية. ورأيت كيف يُجيد الأطفال مهارات الحاسب الآلي وهم يستخدمون حواسيب معادٌ تشغيلها. لقد استمعت إلى دروس لُقِّنت تحت ظل شجرة، وواجبات دراسية حُلَّت تحت ضوء شمعة.

 فالرغبة في التعلم هي أحد القوى الجبارة في طبيعة الإنسان، وهي سمة في كل طفل. وتتمثل مسؤوليتنا جميعا في مساعدة الأطفال على تحقيق رغبتهم الغريزية هذه.الليلة، سيحظى أكثر من 10 ملايين طفل بفرصة التعلم. وقد يصبح أحدهم بحجم أوبرا وينفري في المستقبل، أو ستيفن هوكينغ.

أصدقائي، لم نحقق هذا الإنجاز بطقطقة أصابعنا أو بتحرير الشيكات؛ فقد كان علينا إيجاد وسيلة لاعتماد نماذج متنوعة تلائم التعليم المحلي، بناءً على شراكات وحلول متعددة القطاعات، لنقوم بعد ذلك بتوسيع نطاقها من المستوى المجتمعي إلى برامج عالمية الحجم والنطاق.

وصلنا إلى القطاع الخاص بهدف الاستفادة من خبرة فريدة من نوعها، وموارد كنا نحتاجها. لقد عملنا مع وزارات حكومية وهيئات عامة وبنوك تنموية وجماعات مجتمعية، فضلا عن منظمات غير حكومية كبرى وأخرى صغيرة. كما عملنا مع منظمات مرموقة متعددة القوميات كمنظمة اليونيسيف، وخبراء متخصصين في تنمية الأطفال.

 ومنذ انطلاق المشروع شارك برنامج علِّم طفلاً في 82 شراكة في 50 بلداً. وضخينا معا استثمارا قدره 1,8 مليار دولار أمريكي، وأنا فخورة بالقول إن ثلثه أتى من دولة قطر. لقد كان ذلك بالفعل جهد دولي حقيقي.

وعبر مسيرتنا، حددنا أهم العقبات التي تحول دون تعليم أطفال العالم المهمشين والمستضعفين. وكان بعض تلك العقبات بادية للعيان مثل قلّة الفصول الدراسية والأساتذة والكتب، بينما شكلت أخرى تحديا فريدا من نوعه.

 كيف يمكن أن نجعل الرحلة إلى المدرسة آمنةً للفتيات والفتيان ممن كان عليهم أن يجتازوا أنهارا غزيرة المياه، أو يقطعون مشيا غابات برية؟ أين يمكنك وضع فصل دراسي في مخيمٍ للاجئين؟ وكيف تكسب ثقة زعماء المنطقة الذين يرتابون من الغرباء؟ وكيف تَحُثُّ الفتيان والفتيات على القدوم إلى مدرسةٍ قُصفت بالقنابل؟

لقد كان علينا أن نتعلم كل هذه الأمور وغيرها الكثير، في سبيل تعليم 10 ملايين طفل من غير الملتحقين بالمدارس. ومن حسن حظنا أننا تلقينا المساعدة، خصوصا من شركائنا الذين يتواجد كثيرٌ منهم معنا هنا الليلة. ولولا مساعدتكم ما تمكنَّا من تحقيق هدفنا.

أود في هذا المقام أن أذكر شريكا من نوع خاص وهم آباء هؤلاء الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، فقد كان عزمهم لضمان تعليم نوعي لبناتهم وأولادهم رغم العراقيل والأخطار، محركا ورافعا لمعنوياتنا، وكان في ظروف شتى عنصرا رئيسيا في عملية نجاحنا.

سيعمل برنامج علِّم طفلاً خلال الأعوام الخمسة القادمة على توسيع برامجنا إلى جانب تنفيذ برامج أخرى جديدة. سنستفيد مما تعلمناه ونستخدمه في التصدي لما قد نواجهه من تحديات جديدة. وللمضي إلى الأمام ستتطلب جهودنا أشياء أخرى غير الأموال والنوايا الحسنة.

إذ علينا أن نتذكر أن العالم بات مكانا غير آمن، وعدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس آخذ في الارتفاع؛ ولكن ينبغي أن لا يمنعنا ذلك من مواصلة تحقيق أهدافنا.

سيتطلب تعليم هؤلاء الأطفال التزاما حقيقيا من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع الدولي، وسيحتاج إلى كل ما لدينا من شجاعة وقوة ومرونة.

فقد مهّد برنامج علم طفلا وشركاؤه الطريق، وحان الوقت أمامنا جميعا لمضاعفة جهودنا وتعليم ما تبقى من أطفال العالم غير الملتحقين بالمدارس. فما زال ملايين هؤلاء الأطفال في أمس الحاجة بانتظار مساعدتنا.

دعونا نعمل معا لضمان مستقبل أفضل لهم جميعا، وللعالم الذي يجمعنا، صدقوني ذلك أمر ممكن.

فكأني أرى عيون أصدقائي في برنامج علم طفلا وهم يتساءلون "ألن تتوقف هذه المرأة أبدا؟" جوابي هو كلاَّ.

الليلة نحتفل بإنجازاتنا، وغداً نعمل على الوفاء بالتزاماتنا.

شكرا لكم.