جلسة رفيعة المستوى بعنوان "دور التعليم في ربط أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة"

باريس، الجمهورية الفرنسية, 28 فبراير 2018

 

السلام عليكم،

سعادة مديرة اليونسكو أزولاي، أود بادئ ذي بدء أن أعرب لكِ عن أحر التهاني بمناسبة انتخابك لهذا المنصب الجديد، فقد كان تنافسا شديداً بين فرنسا وقطر، وقد استمتعنا بمتابعة هذا التنافس.

وكما تعلمين، فإنّ لقطر تاريخاً طويلاً في دعم منظمة اليونسكو، ونتطلع لتعزيز آفاق شراكتنا في ظل قيادتكم.

الضيوف الكرام،

أشكر لكم هذه المناسبة التي ترسخون من خلالها حدثاً بارزاً بالغ الأهمية في جهودنا المشتركة لمعالجة أزمة التعليم الكوني للأطفال غير الملتحقين بالمدارس، ولنسلّط الضوء على ما جرى من تطورات فيما يتعلق ببرنامجنا.

لقد انخرطت في الأمم المتحدة منذ خمسة عشر عاماً كرَّستها في سبيل دعم رؤيتنا المشتركة الرامية لتوفير التعليم النوعي للأطفال في كل مكان.

وها قد جئتكم اليوم لأقول لكم بأن هذه الرؤية المشتركة باتت الآن حقيقة ممكنة.

واليوم، ووفقا لأحدث التقديرات الصادرة قبل يومين، فقد تجاوز عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس 63 مليون طفل، بِتنا نشعر أن هذه التحديات لا يمكن التغلب عليها، والأسوأ أننا على علم بأن مشكلة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس عَمَّت مناطق جديدة من العالم.

لكني جئت هنا اليوم لأقول لكم، كلما ناضل أبطال التعليم وشاركوا، كلما بات التغلب على هذه المشكلات ممكناً.

ولأن العالم يكافح عدة أزمات ، جئتكم اليوم لأقول لكم، يجب أن يصبح التعليم أولويتنا الأولى إذا ما أردنا أن نتصدى لعواقب هذه الأزمات.

فإذا كنا نرجو إحلال السلام والازدهار للجميع، لا بد أن نضمن التعليم للجميع.

وإنني لأشعر بالافتخار أن تكون منظمة اليونسكو أحد شركائنا الاستراتيجيين، وقد عملت إلى جانبنا منذ البداية لتحقيق هذا الهدف.

فمنذ العام 2009، عملتُ ومنظمة اليونسكو على إعادة تأهيل نظام التعليم العراقي، من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي. وقد عملنا في البلاد بالرغم مما كان يمر به العراق من عدم الاستقرار على تدريب الأساتذة وتطوير المقررات الدراسية لتوفير التعليم النوعي في جميع المستويات.

ويسعدني القول بأنه إلى يومنا هذا ما يزال هذا المشروع مستمرا بنجاح بإشرافٍ من الحكومة العراقية.

كما يسعدني القول بأن شراكتنا مع اليونسكو توسعت ويستفيد منها الآن الأطفال المهمّشون في 11 بلداً في مختلف أصقاع العالم.

ولم يكن لذلك أن يتأتَّى لو دعم دولة قطر وسخاء باقي شركائنا.

فالمهمة لم تتنه بعد: إذ وقعنا اليوم في باريس اتفاقية مع اليونسكو لتوفير التعليم لأكثر من 150 ألف طفل من غير الملتحقين بالمدارس في الشرق الأوسط وآسيا.

وهناك تحسن: إذ وقعنا اتفاقية مع اللجنة الأمريكية للاجئين من أجل تعليم مليون طفل آخر في باكستان.

هذه بعض الأشواط الكبرى التي قطعناها، وببالغ السرور أبادلكم إياها اليوم.

ولطالما كانت باريس على مر التاريخ محوراً للتعاون الدولي، وها هو الرئيس ماكرون يبعث روحاً جديداً في مسيرة تعليم الأطفال في جميع أنحاء العالم.

يسعدني أن أبادلكم هذه الإعلانات بحضور الكثير من شركائنا الفرنسيين، بما في ذلك الحكومة الفرنسية، ومنظمة هيومانيتي اند انكلوجن، ومنظمة إيد إي أكسيون (منظمة دعم وفعل).

السيدات والسادة،

لقد شاهدنا خلال العقدين المنصرمين في قطر القوة التحولية للتعليم.

وعلى المستوى الدولي، من خلال عملي كمبعوث خاص لليونيسكو،

قابلت أطفالاً كانوا يحلمون فقط بالحصول على التعليم، أطفالاً يعاونون التمييز والإعاقة والكوارث الطبيعية والفقر.

الأطفالُ الذين يُخشى من أن يصبحوا مع مرور الزمن مجرد إحصاءات في التقارير السنوية.

فالإحصاءات لا يمكنها تصوير الأثر الذي تتركه أحلام هؤلاء الأطفال المهشمة.

لهذا لا ينبغي أن نسمح لأنفسنا بأن "ننخدع" بهذه الأرقام ، وأن لا نتقبل عدم الاكتراث كرد فعل تجاه ذلك.لأن التاريخ، كما هو معلوم، سيحكم علينا.إما من خلال ما نفعله، أو من خلال ما نختار ألاَّ نفعله.

ولفترة طويلة من الزمن، سرعان ما تنهار الحلول المُطبقة من قبل المجتمع الدولي.

وأصبحت معظم الجهود الواسعة النطاق لتوفير التعليم الابتدائي الشامل بمثابة أهداف غير منجزة.

لقد شاهدنا هذه القصة مراتٍ عدة، لأشخاص أصحاب نوايا حسنة، أحبطهم غياب النتائج الملموسة، ففقدوا حماسهم لمَّا وجدوا بأن مبادراتهم ينتهي بها المطاف إلى العجز عن توفير كتاب واحد لطفل أو تعليمه القراءة.

 لقد أدركنا بأننا إذا واصلنا العمل بهذا الأسلوب فإن عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس سيظل في ارتفاعٍ، لنكون بذلك كَمَنْ يحاول مع مشكلة لا حلَّ لها.

لقد عزمنا على جعل برنامج "علِّم طفلاً" برنامجا مختلفاً. وأدركنا حينها أن المهمة ممكنة... فكل ما كنا بحاجة إليه هو نموذج مختلف.

لقد أدركنا أن مواردنا ستكون محدودة، ولذا كان علينا أن نختار بين أمرين اثنين:إمّا توفير التعليم لنحو 60 مليون طفل في غضون عام واحد، أو 10 ملايين طفل خلال ستة أعوام.

فكان أن اخترنا الأخير، لأننا رغبنا في أن يكون ذلك تغييراً دائما.وهكذا قطعت على نفسي وعداً شخصياً بتوفير التعليم لنحو 10 ملايين طفل، وأنا أعلم بأن هذا الأمر كان طَموحاً، لكني أردت أن أبرهن على أن الأهداف الجريئة يمكن تحقيقها أيضاً.

وسرعان ما تحوّلَ هذا التحدي الشخصي عندي إلى انخراط في تحالف كوني، وبدعمِ الكثير من شركائنا، سنعمل على الوفاء بوعدنا بتوفير التعليم لـ10 ملايين طفل.

السيدات والسادة،

لو أن مانحين جُدداً انضموا لهذه القضية وطبقوا نموذجنا ، فأنا أؤمن بأننا جميعا نستطيع توفير التعليم لـ63 مليون طفل. نحن فعلا نستطيع فعل ذلك.

بمقدورنا الآن فعل ذلك، بل يجب علينا فعله ما دمنا نعرف الكيفية:

شراكات متفانية تعتمد حلولاً متعددة القطاعات، تتعزز بالتزامات سياسية قوية. وندرك أنها مجدية.

ونعلم جميعاً ما للتعليم النوعي من آثارٍ جيدة على التنمية خارج أسوار الفصول الدراسية.

 لهذا السبب تعتبر الحلول متعددة القطاعات حاسمة في تحقيق نتائج سريعة ملموسة على أرض الواقع ولها تأثير دائم.

ففي مالي على سبيل المثال، تعاونَّا مع 13 شريكاً يمثّلون قطاعات مختلفة وذلك من أجل:

  • بناء مدارس ذات مرافق مناسبة وصحية.
  • بناء سلالم خاصة بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
  • مساعدة الآباء على إرسال أبنائهم إناثاً وذكوراً إلى المدارس. 

وقد رأينا كيف لمبادرة تعليمية أن تقود عملية التنمية،  لذلك أدعو اليوم  الشركاء الجدد للانضمام إلينا في هذه القضية النبيلة.

لأنني أؤمن بأننا إذا استطعنا النجاح في  تكرار هذا النموذج متعدد القطاعات، سيكون بمقدورنا تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

وللتعليم مثل هذه القوة.

أصدقائي، لقد أنجزنا الكثير بالاعتماد على هذا النموذج متعدد القطاعات. ولا يزال لدينا الكثير بانتظار الإنجاز.. ولهذا الغرض نحتاج التزامات سياسية.

أعتقد بأننا جميعاً متفقون على أن التعليم حق إنساني، وعلى هذا الأساس يجب أن يكون فوق الجميع، وبالتأكيد فوق السياسة.

لكن للأسف هذا ليس واقع الحال.

فعلى سبيل المثال، خلال الحصار الحالي المفروض على قطر، طُرد عدد كبير من الطلاب القطريين ممن كانوا يتابعون دراستهم في مدارس دول الحصار، ، ومن بينهم طلاب يدرسون في فرع جامعة السوربون بالشرق الأوسط.

لكن دول الحصار بأفعالها غير المسؤولة وألاعيبها المتهورة لم تتوقف عند هذا الحد.

ولنأخذ كمثال لذلك، برامجنا التعليمية في اليمن، سواء مبادرات التعليم أو التشغيل،  جميعها "تأجلت إلى أجل غير مسمى" العام الماضي.. كل ذلك توقف بسبب سياستهم.

لقد سبق أن زرت اليمن خلال أعوامٍ مضت للاطلاع على بعض برامجنا التي تساعد في توظيف الشباب اليمني.

اليمن أرض الحضارات، أهلها أصحاب عقول نيِّرة، وإمكانات عظيمة...

وإيقاف مثل هذه البرامج يضر الطلاب، ويضر أطفال اليمن ويعرض مستقبل الأمة للمخاطر.

 ويسوء الأمر عندما لا يُسمح بالإيصال الفوري للمساعدات الإنسانية، ما يعني بأن أناسا كثيرين في اليمن سيعانون من الجوع.

ولعل هذا المثال المأساوي أحد الأمثلة الكثيرة لما يعانيه العالم من أزمات، فالتطرف ينتعش في أمكنة يسودها فقدان الأمل واليأس والإحباط.

لهذا فإن إيجاد طرق لإعطاء الأمل وتوفير الفرص ينبغي أن يكون أولوية كبرى.

إن للإخفاق في توفير التعليم تكلفة طويلة المدى، تنضاف إلى الظروف المزرية، وجميعها تُلقي بالشباب الضعفاء في أحضان الأيديولوجيات المتطرفة.

التعليم يمنح الشباب الصمود والمهارات الضرورية التي يحتاجونها للتخلص من الكراهية والعنف.

ومن الناحية الواقعية، قد لا يكون بإمكاننا وقف جميع النزاعات، لكن بمقدورنا إعداد عقول الشباب لفرصة البقاء في ظل الفوضى.

تماما كما قال ذلك باستور: "الفرصة تنفع العقول المستعدة فقط".

لقد رأينا كيف يعاني التعليم في الأماكن الأكثر حاجة إليه: في أماكن الصراعات حول العالم.

وللأسف فإن التعليم كمؤسسة بات الآن في وضع هش وأعزل. فالرياضيات لا يُدَرِّسه العساكر داخل مجمعات محصنة، إنما يُدَرِّسه أساتذة المدارس.

لكن المدارس فُجرت وأحرقت، وقُتل الأساتذة، واختطف الأطفال وأجبروا على العمل كجنود.

هذه الحرب المُبَيَّتة على التعليم يجب أن تتوقف، ويجب أن تصبح المدارس "ملاذاً آمنا"، كما يجب أن يبقى الطلاب والأساتذة "خارج الحدود" في مناطق الصراعات.

 فالمجتمع الدولي لديه السلطة ليطالب  بذلك، وعليه التحرك.

أدعو الأجهزة الدولية لتطالب بسلامة وأمن المؤسسات التعليمية.. وهذا أمر ممكن.

وأدعو زعماء الحكومات إلى احترام حق كل طفل في الحصول على التعليم، في زمن السلم أو الحرب.

كما أدعو الحكومات إلى وقف ألاعيبها السياسية تجاه التعليم، وهذا أمر جدُّ ممكن.

السيدات والسادة،

أدعو إلى أن نكون جميعا أكثر ثباتاً وشجاعة في التزاماتنا الحالية.. وهذا أمر ممكن.

وأدعو الشركاء والمانحين الجدد للانضمام إلى حملتنا كي لا نتخلى عن 63 مليون طفل، وهذا أمر ممكن.

  والأهم أننا بحاجة إلى أن يعتبر كل شخص، وليس فقط الشركات أو المنظمات غير الحكومية أو الحكومات،  بأن قضية الأطفال غير الملتحقين بالمدارس تثمل لهم تحديا شخصيا كما لو كانت  قضيتهم "الخاصة".سواءً  كنتم شركة لتطهير المياه،أو تُشَيِّدون الطرق،أو توفرون مياهاً نظيفةً،أو توفرون الكهرباء،أو تختصون في التغذية،نحن نحتاجكم لتكونوا شركاء في توفير التعليم للأطفال في جميع أنحاء العالم.

إن مضاعفة هذا الحل متعدد القطاعات سيتطلب قيادة حكيمة وتنسيقاً فعالاً.

وبمقدور فرنسا أن تقوم بهذا الدور لمكانتها الفريدة في منظمة اليونسكو. نتطلع لهذه القيادة، ونحن هنا للمساعدة بمختلف الأشكال لمضاعفة النتائج.

ومن جهتي، فقد ألزمتُ نفسي بكفاحٍ لا نهاية له لتحقيق التعليم النوعي للجميع،  وفوق الجميع.

أحثكم على الانضمام إلي في هذا المسعى.

التعليم للجميع، وفوق الجميع ..

شكرا لكم.