افتتاح مركز التشريع الإسلامي والأخلاق

الدوحة, 15 يناير 2012

حضرات السيدات والسادة،

يسعدني أن أعلن اليوم عن إطلاق مشروع مركز التشريع الإسلامي والأخلاق ليعزز بنية كلية الدراسات الإسلامية ومن خلالها مؤسسة قطر التي أردناها منذ التأسيس وسنظل، رافعة للتنمية البشرية للوطن، حاضنة مستنيرة لقيمنا الدينية، الأخلاقية والإجتماعية،صرحاً للفكرالعلمي النقدي الحر. 

لقد كنت ولازلت مقتنعة، خاصة بسبب متغيرات العقد الأخير من هذه الألفية الثالثة، بالحاجة الماسة إلى إنشاء بنية بحثية وبيداغوجية مؤهلة قادرة على استيعاب منظومة قيم الفكر الإسلامي الوسطي وتقديمها لنا كمسلمين وأيضاً للآخر برؤية تجديدية ومقاربة منهجية كفيلتين بتبديد مظاهر سوء الفهم والمغالاة وما يترتب عنهما من بناء لصور نمطية وأحكام مسبقة منافية لمقتضيات الحوار الجدي والبناء.

اليوم اكتملت شروط نضج تلك البنية لتصبح حاجة أكثر إلحاحاً وضرورة ليس فحسب بسبب الطفرة المعرفية والمعلوماتية الهائلة التي علينا أن ننخرط فيها، وإنما أساساً بسبب التحولات الكبرى التي شهدتها منطقتنا العربية مؤخراً، والتي تبشر ببزوغ عهد جديد بمفاهيم ومنطلقات وأيضاً بتحديات لم يكن لدى كثير من محللي التوقعات تصور إمكانية حدوثها.

تلك التحولات التي ساهمت في بلورتها والبناء على نتائجها قيم الإسلام جنباً إلى جنب القيم الوضعية الأخرى في تناغم، فرض على الكثيرين مراجعة مجموعة من الأحكام والمواقف بخصوص العدالة والحق والمساواة والكرامة باعتبارها قيماً إنسانية لا تختص بملة ولا أمة. 

أمام هذه التحولات أضحى من مسؤوليتنا الجماعية العمل على إحياء علوم ديننا، وأنا هنا أستعير مقاربة أبي حامد الغزالي للتقريب بين الملل والمذاهب لأجل إصلاح المجتمع، لكن مع وضع تلك المقاربة في السياق المعاصر المناسب.

من هنا فإن رسالة هذا المركز يجب أن تكون ذات حمولة معرفية تقوم على أساس تحيين القيم والمبادىء الأصيلة وإمدادها بالأدوات المنهجية لجعلها جزءاً لايتجزأ من الإستجابة لمتطلبات بناء إنسان يعي دوره في صناعة التغيير. 

وأعتقد بأن هذه الغاية يجب أن تكون في صلب مسؤولية الفريق الأكاديمي الذي ستناط به المهمة التربوية لهذا المركز، ذلك الفريق الذي أتصوره منخرطاً ضمن الإستراتيجية العامة للبحث العلمي للمؤسسة منفتحاً على محيطها المباشر وعلى محيطنا المجتمعي المحلي ثم الفضاء العربي الإسلامي فالإنساني . 

أتطلع إلى مجموعة عمل غير منغلقة في خلوة فكرية لا يتعدى تأثيرها حدود المركز الذي ينتمي اليها، مجموعة عمل لا تجعل من مبدأ التخصص ذريعة لعدم الإنفتاح على الملفات التي هي في صلب مشاغل تنمية الإنسان حقوقياً، طبياً، اقتصادياً، اجتماعياً وبيئياً ..... 

بل على تلك المجموعة أن تحرص على مد جسور التعاون والتفاهم والتكامل مع كافة التخصصات لأجل وضع أطر أخلاقية إسلامية لها، وهذا ما يقتضي التحلي بكثير من الابتكار والإبداع والتواضع والجرأة، وتلكم رسالة المسلمين كافة التي تعلي من شأن العقل وواجب إعماله.

أشكركم.