بي بي سي - الشيخة موزا: القوة المحرّكة لعِبَرِ قطر العالمية

الدوحة, 12 نوفمبر 2014

شين كوغلن، مراسل بي بي سي لشؤون التعليم 

أكدت الشيخة موزا بنت ناصر على إمكانية تحقيق هدف تعميم التعليم الابتدائي خلال الأعوام السبعة القادمة، على الرغم من أنه ظلَّ لعدة عقود وعداً لم يوفَ به.

وتعتبر الشيخة موزا شخصية بارزة في العائلة القطرية الحاكمة، فضلاً عن كونها مُناصِرةً لحملة التعليم الهادفة إلى حشد المجتمع الدولي من أجل توفير التعليم لحوالي 58 مليون طفل من غير الملتحقين بالمدارس في جميع أنحاء العالم.

لقد تعهد زعماء العالم في الأهداف الإنمائية للألفية على تحقيق هذه الغاية بحلول عام 2015، لكن بات مؤكداً بأن هذه الآجال النهائية لن تكون كافيةً.

ومن المرجح أن يتم تمديد آجال تحقيق هذا الهدف لغاية العام 2030. لكن الشيخة موزا، حرم الأمير السابق لدولة قطر، الدولة الخليجية الغنية، ووالدة الأمير الحالي، قد صرحت بأنه يمكن بلوغ هذا الهدف في منتصف هذه المدة.

ولعل من شِيَمِ الأسر الحاكمة أنها لا تحبذ الانتظار، ومن شِيَمِها أيضاً الإلحاح: "يمكننا تحقيق ذلك، إلاَّ أننا بحاجة إلى أشخاص يكرسون أنفسهم لهذا الغرض. كما أننا بحاجة إلى سياسيين واعين لمنافع التعليم في تنمية بلدانهم واقتصاداتهم. فالتعليم لا ينبغي النظر إليه كترفٍ، بل كضرورة ملحة".

هل هو نوع من القوة الناعمة؟

كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ 

فضلاً عن كون الشيخة موزا عضواً بلجان التعليم رفيعة المستوى بمنظمة الأمم المتحدة، يمكنها أيضا تسخير الموارد المالية الهائلة التي تتوفر عليها دولة قطر الغنية بالنفط والغاز.

لقد أطلقت الشيخة موزا حملتها الخاصة، التعليم فوق الجميع، التي تهدف إلى إلحاق حوالي 10 ملايين طفل بالمدارس بتكلفة بلغت حوالي مليار دولار أمريكي (630 مليون جنيه استرليني)، تحملت دولة قطر ما يقارب ثلث هذا المبلغ.

لكن لماذا يحظى التعليم بمثل هذا الشغف؟ ليس فقط من لدن الشيخة موزا، ولكن من دولة قطر أيضاً؟ فهذه الدولة الخليجية تمول عدداً كبيراً من المشاريع في أكثر من 30 بلداً، معظمها بلدان ليس لقطر فيها أية مصالح استراتيجية واضحة. فنصف موازنة المساعدات الخارجية لدولة قطر يُصرف على قطاع التعليم، ومن المرجح أن يكون أعلى نسبة في العالم.

فالحكمة التقليدية تنبؤنا أن السخاء التعليمي لدولة قطر هو نوع من أنواع القوة الناعمة، التي تمارس تأثيرها عبر الثقافة والتعليم.

لكن الشيخة موزا قد أعربت عن رفضها لهذا التصور في الفعالية السنوية لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم: "لم أفكر أبدا بهذه الطريقة في هذا الموضوع، الناس يربطون دائما المساعدات الخارجية لبلدك بالمصالح الوطنية. أهكذا يُنظر إلى هذا الأمر؟ بالنسبة إلي لا أرى الموضوع بالمنظار نفسه، لأنني أعتبر ذلك مسؤولية عالمية تجاه الآخرين".

ما بعد النفط

صرحت الشيخة موزا أن الانطلاقة الأولى نحو التعليم في البلاد هي انطلاقة عملية، فدولة قطر في حاجة إلى التخطيط للزمن الذي ينضب فيه النفط والغاز، وهذا يعني بناء نظام تعليمي لدعم نوع مختلف من الاقتصاد القائم على المعرفة الحديثة، وقالت: "كان قصدي بناء بنية تحتية قوية ومتينة في مجالي البحث والتطوير، ولتحقيق هذا الغرض، فإن قطر تحتاج إلى نظام تعليمي رصين".

وتجدر الإشارة إلى أن الشيخة موزا هي رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر، وهي مؤسسة أخذت على عاتقها مسؤولية ملحمية لخلق نظام التعليم العالي من نقطة الصفر. والآن يتوفر الحرم الجامعي للمدينة التعليمية على تسع جامعات كبرى تم بناؤها بشراكة مع جامعات بالولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة.

أكدت الشيخة موزا أن التعليم بات نقطة التقاء الشرق بالغرب، وأن قطر بلد يقف في مفترق هذه الطرق العالمية، لكن والمقصود هنا هو بناء التعليم كضمان عندما ينفذ المال، وقالت: "لكي أكون صريحة معكم، هذا الأمر لم يكن مخططاً له بهذه الطريقة، فتعليمنا لم يكن مصمماً ليكون جسراً بين الثقافات المختلفة، فقد كان تفكيرنا بالشؤون الداخلية". 

أما الآن فهناك طموح خارجي، وغالباً في أماكن يصعب الوصول إليها. 

ففي الوقت الذي يُزجُّ العديد من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في الصراعات، تناضل الشيخة موزا من أجل تحسين فرص حصول اللاجئين على التعليم، والذين قد يقضون سنوات طويلة في مخيمات "مؤقتة".

"غاضبة ومحبطة"

لقد قامت الشيخة موزا بزيارة إلى مخيمات اللاجئين في تركيا وكينيا، وقالت إن الأسر قد "فقدت كرامتها، وكبرياءها، وممتلكاتها، وبيوتها"، لكن لا ينبغي أن تفقد فرصة التعليم.

"إن ما يغيظني ويحبطني أن بمقدورنا القيام بعدة أشياء حيال ذلك، وأعتقد أن هذا نتيجة إهمالنا، لأن الناس ينشغلون بأمور أخرى يعتقدون أنها أكثر أهمية. ولكن هؤلاء بشر ويستحقون ولو جزءاً من العيش الكريم".

وتعمل الشيخة موزا حالياً مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لدمج التعليم في مخيمات اللاجئين.

وفي هذا الصدد قالت: "إلى حد الآن، فإن أولوياتنا تتوالى تباعاً عبر توفير الملجأ أولاً، والغذاء ثانياً وهكذا دواليك. إنني أعتقد أن هؤلاء الأطفال في حاجة إلى التعليم، فعندما جلست مع أوليائهم أيقنت أنهم يدركون أهمية التعليم في حياة أطفالهم. وقالت: "هذه الأسر تواجه عقبات يومية، بعضها ليس بمقدورها إرسال بناتها إلى المدارس نتيجة عدم وجود الكهرباء. أما الأطفال فيقطعون أميالاً للوصول إلى المدارس، مما يجعلهم عرضةً للاختطاف والاعتداء أثناء طريقهم للمدارس، إنه وضع فظيع."

إن تسليط الضوء على الاعتداءات على التعليم هو أحد عناصر التمويل القطري، التي 

تلفت الانتباه إلى الاستهداف المتعمد للتعليم، ولاسيما اختطاف التلميذات في نيجيريا، والهجوم الانتحاري هذا الاسبوع على مدرسة.

فقد عانى التحالف العالمي لحماية التعليم من الاعتداء عند تتبع هذه الظاهرة المقيتة، وسجل التحالف حوالي 10 آلاف أعمل عنف ارتكبت في حق المعلمين والتلاميذ.

تعليم الفتيات

لا تقبل الشيخة موزا فكرة أن مثل هذه الهجمات هي حول "صدام الثقافات" أو أيدولوجيا "صراع الحضارات"، حيث تعتبرها بمثابة آثار جانبية للصراع والحرب. وأكدت الشيخة موزا أن التحدي يتمثل في وقف هذا الاعتداء على التعليم، مشيرةً إلى أن قطر قد سبق وقدمت الفكرة أمام الأمم المتحدة لتجريم أعمال العنف ضد التعليم، وقالت:"لقد نجحنا في تحقيق ذلك. لكن لم يتم تطبيق مثل هذه القرارات، لذلك لا يزال الناس يهاجمون المدارس".

إذا كان بوكو حرام قد سعى إلى عرقلة تعليم الفتيات، فإن جائزة مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم (وايز)، التي يمنحها هذا البلد الإسلامي المحافظ، قد دعمت جمعية خيرية تناضل من أجل حصول الفتيات على تعليم متساو. وقد فازت بجائزة وايز 2014 السيدة آن كوتون، مؤسِّسَةُ منظمة كامفيد (حملة تعليم الفتيات)، التي تعمل في خمسة بلدان أفريقية لمساعدة الفتيات على مواصلة التعليم الثانوي والعالي.

وفيما يتعلق بالتمييز ضد الفتيات، تقول الشيخة موزا: "بطبيعة الحال، تحتاج الفتيات إلى التعليم بالقدر نفسه الذي يحتاجه الذكور".

لا مفر من التناقضات في قطر، فهو بلد محافظ للغاية، ذو هوية إسلامية راسخة، لكنه أيضا مكان للتغيير المستمر، حيث التكنولوجيا الحديثة، والاهتمام بالأفكار والثقافات الأخرى، وأفق الدوحة في حالة من إعادة الاختراع المتواصل.

ودولة قطر هي شبه جزيرة تقع في الخليج العربي، على شكل كفٍّ صغير يحمل شيئا ثميناً، تحده المملكة العربية السعودية من جهة وإيران عبر الخليج. وقد وجهت للقطريين اتهامات بشأن تمويل المتطرفين في سورية، وبكونها أيضا تستضيف قاعدة جوية أمريكية كبرى.

إحداث التوازن

هل بإمكان التعليم أن يكون وسيلة لمعالجة التعصب؟
تؤكد الشيخة موزا أن للتعليم القدرة على "تنوير العقول" والتغلب على الجهل. لكن الشيخة موزا لها رسالة أكثر صرامة حيث تقول: "لقد تم توظيف كلمة ’السلام’ إلى حد أنها فقدت دلالتها، وأعتقد أن التعليم يمكن أن يساعد الناس على الوصول إلى مفهوم التعايش. نحن لسنا بحاجة إلى أن نحب بعضنا بعضاً، ولكننا بحاجة إلى فهم أن نعيش مع بعضنا، وعلينا أن نتعايش".

وتؤكد الشيخة موزا أن التعليم في قطر ينبغي أن يخلق توازناً بين تبنّي العولمة والحفاظ على الهوية الوطنية، وفي هذا الصدد قالت: "أحيانا يمكن للعولمة أن تجرف هوية المرء، لكننا نحاول الحفاظ على هويتنا وعلى العولمة".

فما الذي يمكنكِ أن تعطي للمرأة التي تتوفر على كل شيء؟ يبدو أن الجواب في هذه الحالة سيكون: نظاماً تعليمياً جيداً.