المؤتمر السادس للقيادة الآسيوية

سول, 19 مايو 2015

 

فخامة الرئيس،

الضيوف الكرام،

أشكركم على إتاحة هذه الفرصة لأتبادل معكم تجربتي الشخصية في الدعوة إلى إصلاح التعليم.

لقد نبع انخراطي في التعليم على المستوى الداخلي من تجاربي الخاصة في قطر، فقد عكفت جاهدة لأعوامٍ على المبادرات التي أطلقتها في قطر، بهدف إصلاح المنظومة التعليمية، وذلك لتمكين مواطنينا من المنافسة بقوةٍ وثقةٍ في سوق عالمية تنافسية.

غير أنني كلما بحثت عن نماذج تعليمية يمكن التعلم منها في بلدان أخرى، أدركت، بشكل أعمق، الوضع المأساوي الذي يعاني منه تعليم الأطفال في العالم. وهكذا أصبح اهتمامي بالتعليم أمراً يتجاوز حدودي الشخصية.

في العام 2003 دعتني منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، لأكون مبعوثاً خاصاً للتعليم الأساسي والتعليم العالي، فشاركت في عدة مداولات دولية مهمة، وأُصبتُ بالإحباط نظراً لندرة النتائج، لاسيما عندما اطلّعت على آثار الحرب المدمرة على النظام التعليمي العراقي، الذي كان يعتبر أفضل الأنظمة التعليمية في الشرق الأوسط.

وأدركتُ أيضاً أن التعليم هو السبيل إلى التعافي من آثار النزاعات، ولعل كوريا الجنوبية تُدرك جيداً هذا الوضع. ومن بين الأعمال الأولى التي قمت بها أن أطلقت الصندوق العراقي للتعليم العالي. ومع توالي الأعوام انخرطتُ في الدعوة إلى حماية التعليم في مناطق النزاعات، وأطلقتُ مشاريع على الأرض لإعادة بناء قطاع غزة.

وفي العام 2010 قرر بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، بالتزامن مع مراجعة الأهداف الإنمائية للألفية، تطوير ما سُمي "الدفعة الأخيرة" لمساعدة العالم على بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية، فطلب مني حشد التأييد للهدف الثاني من أهداف الألفية الخاص بتعميم التعليم الابتدائي، وقد تصدّيت لهذا التحدي عن طيب خاطر.

لقد قطع العالم وعداً عام 2000 بتوفير التعليم الابتدائي النوعي لجميع الأطفال بحلول عام 2015، إلاَّ أنَّ هناك حوالي 58 ملايين طفل لا يزالون غير ملتحقين بالمدارس وهم في أمس الحاجة للمساعدة. وما يثير قلقي هو أن الحكومات لن تستطيع حل هذه المعضلة بمفردها.

لذلك قررت عام 2012 إطلاق برنامج "علِّم طفلاً" بهدف توفير نهج عمليٍّ يسلط الضوء على الأطفال الأكثر تهميشا وضعفاً، والمحرومين من التعليم الابتدائي، إضافة إلى إشراك القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية وا/لوكالات التنموية والحكومات. 

لقد كان برنامج علِّم طفلاً يعمل في تسعة بلدان عند إطلاقه، أما اليوم فإنه يعمل في 38 بلداً تتوزع على آسيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية. وهذا ما يجعلني أكثر عزما على عدم التخلي عن أجندتنا غير المكتملة.

يركز نهجنا على خمسة مبادئ رئيسة:

أولاً، تجاوز الأنماط التقليدية، وذلك بالعمل مع طيف كبير من المتبرّعين، والمؤسسات الخاصة، والمنظمات الدولية، العاملة في قطاعات الأعمال والطاقة والمال، إذ نشجعهم على الإنخراط في إطلاق مشاريع تعليمية بالعمل مع المنظمات غير الحكومية التي تمتلك سجلاً حافلاً من الحلول الناجعة.

ثانياً، تفنيد الفرضيات التي ترى أن توفير التعليم الابتدائي هو مَهمَّةُ الحكومات لوحدها، وذلك من خلال تدعيم مشاريعنا بخبراتٍ وأنماط تفكير جديدة.

ثالثاً، الإيمان بالتحليل والرصد والتقييم للتأكد من استخدام الموارد استخداماً فعالاً يُمكِّننا من النجاح في مهمتنا. لذلك نقوم بتعميم كافة بياناتنا، واثقين بأن شفافيتنا ستشجع آخرين على الإنضمام إلينا.

رابعاً، تطوير نظامٍ فعال ومُحدّدَ الأهداف، بحيث تذهب المساهمات بنسبة 100% مباشرة إلى تنفيذ البرامج، بينما تُغطّي مؤسستنا جميع التكاليف الإدارية.

وفي النهاية، نعمل بمباركة من حكومات الدول المستضيفة، ونتوفر على استراتيجية تسليم واضحة لكل برنامج على حدة إلى البلد المعني.

وقد حالفَ النجاح نهجَنا، فمنذ إطلاق هذا البرنامج عام 2012 التزمنا مع شركائنا بتوفير فرص التعليم لخمسة ملايين طفل. ونتيجة لذلك وقَّعنا اتفاقيات مع وكالات التنمية، ومنظمات القطاع الخاص من مختلف بقاع العالم. وها نحن ندعو إلى إعطاء التعليم الابتدائي الأولوية القصوى في حملات التبرع العالمية.

ومع ذلك فإنه لا يمكننا بمفردنا الوصول إلى ملايين الأطفال الذين يستحقون هذه الفرصة. ولتحقيق أهدافنا نحتاج إلى شركاء يشاطروننا التفكير والخبرات والموارد المالية الكافية.

وتُعتبر كوريا الجنوبية نموذجاً في استثمار القطاعين العام والخاص في التعليم، وتشهد تحولاً اقتصادياً واجتماعياً، فهي بذلك أصبحت ثاني أكبر بلدان العالم من حيث الإنفاق على التعليم، بواقع 8% من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، هذا فضلاً عن أنّ الأسرة الكورية تنفق 10% من دخلها على التعليم الخاص لأبنائها. فأنتم أمة لا تحتاج للإقناع عندما يتعلق الأمر بقوة التعليم. وها نحن نتطلع إليكم لتبادل هذه الخبرة، وتوفير فرص لمن هم في أمس الحاجة إليها. ولا شكّ أن المنتدى العالمي للتعليم الذي يُنظَّم عصر هذا اليوم هنا في إينشان، سيشكل فرصة مثالية لمثل هذا التبادل.

إن الكثير من المدراء التنفيذيين الحاضرين معنا هنا اليوم قد نشأوا تحت ظلال الحرب الكورية التي دمرت البلد.. وقد ناضل الكثيرون في بناء الأمة بالتضحية من أجل التعليم. وكثيرٌ من أطفال المدارس اعتمدوا على التبرعات الغذائية الخارجية ودرسوا في فصول لا كتبَ فيها ولا طاولاتٍ ولا كراسيَ، وبقليل من التدفئة في فصل الشتاء. وقد أصبح اليوم تلاميذ تلك المدارس قادة لواحدٍ من أكبر اقتصادات العالم ويترأسون شركات مرموقة عالمياً. ونحن نريدكم أن تُشاركوا هذا النجاح مع العالم.

إن هذه التجربة وهذا الانتقال من الحرمان إلى النجاح هو بدون شك مرتبطٌ بالثقافة الكونفوشيوسية المثيرة للإعجاب في كوريا الجنوبية. ثقافة نبيلة تحثُّ على الاكتفاء الذاتي والتماسك المجتمعي، وتندرج في صميم التنمية الوطنية، إلى أن باتت محفزاً لكوريا الجنوبية في تحقيق نموٍّ لا مثيل له. وقد أكد كونفوشيوس على أن عملية التعليم في جوهرها هي تطوير ذاتي من أجل خدمة الآخرين، وذلك لتنشئة "أشخاص نبلاء" (غون-جا). وأنا الآن أمام عدد كثير من "الأشخاص النبلاء" (غون-جا).

إن تفانيكم في الخدمة العالمية يتجسد في السياسة التنموية لقيادة كوريا الجنوبية، التي استطاعت تغيير وضعها من دولة مستقبلة للتبرعات إلى دولة عضو في لجنة المساعدة الإنمائية. كما أن مساعدات كوريا الجنوبية في مجال التعليم قد تجاوزت 17% من مساعدتها الإنمائية الرسمية.

وفي الواقع سنقوم اليوم في برنامج علِّم طفلاً بتوقيع اتفاقية مدتها ثلاث سنوات مع الوكالة الكورية للتنمية للعمل على قضية التعليم الابتدائي، إذ نتطلع بشدة إلى التعلم من خبراتكم.

وقد باتَ للمسؤولية الاجتماعية للشركات دور كبير ومتزايد، وهنا أيضاً تعتبر الشركات الكورية مثالاً يُحتذى، فعلى سبيل المثال أعطت شركة سامسونغ الأولوية للتعليم في جهودها في مجال المواطنة العالمية. ومع ذلك، ففي هذه اللحظة التي نتحدث فيها، يُضاف ملايين الأطفال إلى نظرائهم غير الملتحقين بالمدارس، الذين بلغ عددهم 58 مليوناً. وهؤلاء هم أطفالٌ من نيبال، وميانمار، واليمن، وسوريا.. أطفالٌ فتكت بهم الكوارث الطبيعية، والحروب، والفقر، والهجرة. الأمر الذي يتطلب تدخّلكم الحاسم، حيث سيكون تأثيركم قابلا للقياس بشكل أكبر.

وكي يستفيد كل طفل من التعليم الأساسي النوعي بحلول 2030، ينبغي أن نردم فجوةً في التمويل تقدر بــ 22 مليار دولار، أي ما يعادل أربعة أيام ونصف اليوم من الإنفاق العسكري. ألا يمكننا تخيُّل عالم بلا حروب لمدة أربعة أيام ونصف اليوم؟

إن أهدافنا واضحة، وغاياتنا قابلةٌ للتحقيق. فالخسارة الناجمة عن عدم تعليم الأطفال غير الملتحقين بالمدارس تفوق بكثير الاستثمار الذي يحتاجه تعليمهم. وقد سبق لليونسكو أن قدَّرت بأن كل دولار يُستثمر في التعليم الابتدائي يُدرُّ مردوداً اقتصادياً يتراوح بين 10 إلى 15 دولاراً. إذاً علينا أن نجعل من تعميم التعليم الابتدائي النوعي أولويتنا.

وأطلب منكم الانضمام إلينا لبذل الجهود الرامية إلى جعل التعليم الابتدائي محطَّ اهتمام التبرعات العالمية. فأطفال العالم ينتظرون منا الإيفاء بوعدنا لنكمل ما بدأناه.