مؤتمر الأمم المتحدة الرابع المعني بأقل البلدان نمواً

اسطنبول, 09 مايو 2011

حضرات السيدات والسادة،،

لقد سبق لي في مناسبات عدة ، التأكيد بأنني لست محترفة سياسة، واليوم أقف أمامكم بالصفة ذاتها. أنا سعيدة بهذا الصفة لأنها تمنحني حرية أكثر وهامشاً أوسع للمرونة في طرح أفكار ومناقشة أخرى بعيداً عن أي أجندة سياسية مسبقة.

حضرات السيدات والسادة،،

نحن هنا جميعا اليوم ،لأننا نؤمن بأن قضية التنمية الإنسانية يجب أن تحتل مكانها في صدارة اهتمامات المجتمع الدولي. وسبب ذلك هو أن تلك التنمية، خلافاً لمجرد النمو، تزيد من إمكانية تحقيق السلام والعدل والوعي بالحقوق. لذلك لا أعتقد أن مؤتمرنا الرابع هذا سيتوقف عند مناقشة هذه الـمُـسَلّمَة.

فالمشكلة تكمن في التطبيق وأمامنا للمعالجة قضايا شائكة تتعلق أساساً باستفحال الفقر والجهل والهشاشة واتساع قاعدة البطالة، فضلاً عن العجز في التصدي للانتهاك السافر للبيئة.

هذه ملفات ترتب عنها تعميق اللامساواة والنمو غير المتكافئ وتهميش فئات بشرية واسعة خارج مجرى التطور الحاصل في عالمنا، وأحيانا حتى خارج الحياة الاجتماعية والوطنية لمجتمعاتها. كما ترتب عنها إحداث شرخ كبير بين البشر، خاصة عند تحولها إلى صراعات تتقاطع مع الفوارق الثقافية التي يفترض أن تكون مصدر خير ونماء للإنسانية.

فإذا بها تفضي في ظروف من اللامساواة والحرمان والشعور بالظلم إلى بيئة ملائمة لانتشار بؤر النزاعات وبالتالي انتفاء فرص الاستقرار.

هذه تحديات، وأقولها بصراحة، تضعنا في موقف حرج تجاه الأجيال التي ستتبعنا، والسبب في ذلك هو أننا نحن من خطط لإعلان الألفية بقيمه وأهدافه ، ونحن كذلك مع كامل الأسف من يتعثر في ترجمة ذلك الإعلان إلى حقيقة ملموسة.

لست هنا بصدد التقليل من قيمة وأهمية ما أنجز حتى الآن، غير أنني أثق في قدرة العقل البشري على مواجهة الصعوبات وبالخصوص على تعديل المسارات وتقديم الحلول البناءة.

حضرات السيدات والسادة،،

سأحاول فيما تبقى من الوقت المتاح المساهمة ببعض الأفكار التي أتمنى أن تثري نقاشنا للوصول إلى جواب مقنع على السؤال الذي يراودنا وهو ما العمل؟

تفصلنا من الآن أربع سنوات عن 2015 التي حددناها كخط وصول مبدئي لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.

لقد قطعت أشواط منذ سنة 2000 في هذا المضمار،غير أننا لازلنا نواجه تعقيدات من بينها على سبيل المثال أوضاع البلدان الأقل نمواً جراء الأزمات والحروب. فالأهداف الإنمائية لم تقدم حلاً ناجعاً لمثل تلك الأوضاع.

علينا أن نرفع سقف تحدياتنا والتزاماتنا. وفي حالة التنمية فإن رفع سقف الالتزام هو ما يجعلها أكثر واقعية. أقصد بذلك إن المقاربة الأكثر واقعية للتنمية، هي تلك التي تقوم على تكريس مسؤوليتنا الجماعية لتحقيق التغيير المطلوب.

وفي سياق هذه المسؤولية ، يجب أن نعي بأنه لا بديل آخر يمكن أن يعوض دور التعليم الذي يجب أن يظل وباستمرار على رأس أولوياتنا.

التعليم هنا ليس وسيلة لاكتساب المعرفة فحسب ، وإنما هو الأساس للتقدم الاجتماعي والمشاركة الحقيقية في تدبير الشأن العام، وبناء مجتمع المواطنة المنشود.

قد يقول قائل بأن الأهداف الإنمائية قد جعلت من اجتثاث الجهل مرتكزاً لها، وجعلت أيضاً من الحق في التعليم الابتدائي والمساواة بين الذكور والإناث بندين استراتيجيين لها. وفي قناعتي فإن المطلوب هو اعتبار التعليم مفتاحاً لتحقيق الأهداف الإنمائية.

طبعاً التعليم وحده لا يكفي لبلوغ هذه الغاية ما لم يتوافر النظام الاجتماعي السياسي العادل. أي تلك البيئة المؤمنة بأهمية إعداد مواطن مدرك وواع لحقوقه وواجباته ، مقدر لدوره في بناء مجتمع يقوم على الحكم الرشيد، مجتمع متشبع بقيم العدالة والحق والإنصاف.

وأعتقد بأن هذه المقاربة باتت ذات أولوية خاصة في السياق الحالي في منطقتنا العربية في ضوء الحراك الذي تشهده والذي أكّد أن توق الناس للعيش بكرامة وحرية هو توق عابر للحدود والثقافات. فالواقع الجديد أكد بأن المجتمعات الحية هي تلك الغنية بقدرات شبابها المتعلم وليس بثرواتها المادية فحسب. وعليه فمن المهم جداً إشراك الشباب في صناعة القرار، فهؤلاء قد أبانوا بشكل ملموس عن وعي ونضج كبيرين، وعن إدراك للمتطلبات، وأيضاً عن حس كبير للمواطنة.

حضرات السيدات والسادة 

إن مشاركة ممثلي الحكومات جنباً إلى جنب البرلمانيين و المجتمع المدني والقطاع الخاص في هذا المؤتمر ،هو التزام جماعي لكل المعنيين بقضية التصدي للفقر والجهل والإقصاء كما انه تأكيد على الإصرار لإحداث التغيير المطلوب.

وعليه فمن الواجب علينا المحافظة على هذه الروح الايجابية والبناءة التي جمعتنا هنا وتسخيرها لإطلاق شراكات خلاقة لمتابعة وانجاز وتنفيذ ما سنتوصل إليه من خلاصات.

وفي وضعنا الحالي أعتقد بأنه من الضروري تعزيز دور مشاركة منظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية في انجاز المشاريع، لأن تلك المنظمات وثيقة الصلة بالناشطين الاجتماعيين في المجالات التي تهمنا.

كما علينا أيضا وبنفس القدر من الاهتمام، الاستفادة من المؤهلات العملية للقطاع الخاص ومن خبرته في وضع حلول مبتكرة لمواجهة تحديات التنمية.

مرة أخرى أجدد التأكيد بأن نجاحنا الفعلي في تجسيد هذه الروح البناءة لن يتحقق إلا إذا وضعنا الحق في التعليم في صدارة أولوياتنا .

حضرات السيدات والسادة

اختم بالتأكيد بأنه لا سبيل إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية إذا لم ننجح في تحقيقها فعلياً في البلدان الأقل نمواً.

فنجاحنا هنا هو المحك الحقيقي لمدى التزامنا.

فلا سبيل للحديث عن سلام واستقرار واعتراف بالتنوع الثقافي مع استفحال الفقر والفاقة والجهل والإقصاء.

كما أنه لا يمكن القضاء على هذه المظاهر المنافية للحق والكرامة إلا إذا كان التعليم فعلاً للجميع .

هذا هو رهاننا الحقيقي.

أشكركم وأتمنى لهذا المؤتمر الهام كل النجاح،،