مقابلة صحفية مع مجلة باريس ماتش

باريس, 08 مارس 2018

الشيخة موزا

تبدو كأنها أيقونة أزياء، لكن التعليم هو شغفها الحقيقي. الشيخة موزا بنت ناصر المرأة الملتزمة. فمنذ العام 1995، عند تأسيسها لمؤسسة قطر، وهي تعمل على تعليم الشباب في بلدها والبلدان الناشئة. فهي الزوجة الثانية لأمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني الذي تنازل عن السلطة لنجله تميم في 2013. وتعد الشيخة موزا وفقا لمجلة "فوربس" واحدة من أكثر النساء تأثيرا على الساحة الدولية. وفي مناطق تمزقها الحروب كاليمن وسوريا حيث يتم التضحية بالأطفال، لطالما طالبت الشيخة موزا بجعل المدارس أماكن مقدسة.

كفاحها من أجل التعليم

التقينا الشيخة موزا والدة أمير قطر الشيخ تميم، وذلك خلال زيارتها لمدينة باريس للمشاركة في حدث باليونسكو.

هل شكلت باريس أول لقاء يجمعك مع بريجيت وإمانويل ماكرون؟

الشيخة  موزا: بالفعل. التقيت مع بريجيت ماكرون، وقضينا ساعة ونصف الساعة سويةً في قصر الإليزيه. فأنا وبريجيت تجمعنا قواسم مشتركة عديدة، لاسيما رؤيتنا للتعليم. بعد ذلك جاء الرئيس ماكرون للسلام عليَّ.

كشفت منظمة اليونسكو بأن 63 مليون طفل لم يتلقوا أي تعليم. ما دلالة هذا الرقم في الوضع العالمي الراهن؟

إنه لرقمٌ مؤسف. ما يبعث على الأسى أنه في ارتفاعٍ عاماً تلو الأخر. فقبل مجيئي إلى باريس كان الرقم  61 مليون طفل، لكنه قد نمى و وصل الى 63 مليون طفل. أنا شخصياً وضعت نصب عينيّ هدفاً بمساعدة 10 ملايين طفل في غضون ستة أعوام. وخلال شهر واحد سنكون قد وصلنا لهدفنا، لكن المشكلة تتمثل، بشكل عام، في أن التعليم لا يُعدُّ أولوية بالنسبة لكثير من الزعماء. ثلثا هؤلاء الأطفال يعيشون في مناطق تفتك بها الصراعات، وإذا لم نتخذ إجراءات جذرية لحماية التعليم وحماية المدارس في المقام الأول، فإن هذا الرقم سيستمر في الارتفاع. بالنسبة إلي فإن هذه هي معركتي، وأنا أخوضها منذ زمن بعيد. ما أرغبه هو أن تكون المدارس أمكنة مقدسة لا يتم استهدافها في أي حال من الأحوال من قبل الأطراف المتقاتلة.

كان عام 2012 هو تاريخ إطلاق برنامج "علّم طفلاً"، هل سارت الأمور على ما يرام؟

في هذا المشروع لدينا اليوم 82 شريكا. وقد حققنا من جانبنا جميع أهدافنا. لكن  ما نصنعه يقوم آخرون في الوقت نفسه بتدميره، وهذا يعني أنه إذا أخفقنا في فرض إجراءات صارمة فمن المرجح أن يظل هذا المشكل بلا نهاية.

نجد أن الأطفال ينخرطون يوميا في صفوف المقاتلين، بعضهم ينضمون إلى داعش، ويتم غسل أدمغتهم، وآخرون تُسحق أجسادهم تحت قاذفات الطيران الحربي. من يستطيع فعل شيء؟ أهي المؤسسات الدولية، أم دول معينة، أم المنظمات غير الحكومية؟

نحن نعمل في عدة بلدان. وأستعرض في هذا الصدد مثالين، الأول بنغلاديش، وتحديدا في مناطق تضررت جراء الكوارث الطبيعية، فلم يعد بإمكان الأطفال الذهاب إلى المدارس نتيجة الفيضانات. لذلك قمنا بالاعتماد على القوارب، وقد ذُهلت وأنا أرى كيف أن أطفالا يتحلون بمثل هذه القوة والعزيمة، وهم يستخدمون القوارب لمواصلة تعليمهم. فكانوا يجلسون على الأرض  ويستعملون الأعواد بمثابة طباشير تصنعها لهم أمهاتهم. وفي اليمن لدينا برنامج تعليمي من أجل التوظيف، نقوم من خلاله بتدريب رواد الأعمال والباحثين ليجدوا فرصتهم في سوق العمل. لكن لسوء الحظ يشن التحالف هجماته على أساس مساعدة هذا البلد، لكنه في حقيقة الأمر يمنعه من التقدم. ولا بد من محاسبة أولئك الذين يقترفون مثل هذه الأفعال. فقد بات لزاماً على المجتمع الدولي أن يأخذ مسألة التعليم على محمل الجد.

في اليمن وسوريا، هل بالإمكان دعم الأطفال الذين ينتمون لطرفي الصراع؟

برنامجنا لكل اليمنيين، لكن الوضع الآن سيء بسبب الصراع الدائر هناك. نحن نعمل في اليمن قبل تغيير النظام، وقد نجحنا في ذلك. وواصلنا دعم البلد حتى بعد تغيير النظام. فالمجتمع اليمني مجتمع متحضر يجب أن يدير شؤونه بنفسه، فقد كان اليمنيون قادرين على حل مسائلهم بأنفسهم، لكن التدخل الخارجي قاد البلاد نحو الانقسام، فعمَّت الفوضى.

أعلنتِ أمام اليونسكو بأنك تطمحين لمساعدة 335 ألف طفل في 11 بلدا بحلول 2021. هل ترين أن هذا الأمر واقعي؟

هذا يخص شراكاتنا مع الحكومة والمنظمات الأهلية الفرنسية، وهذا هدف واقعي. ففي إفريقيا تتحقق التنمية عبر التعليم. والرئيس ماكرون يدرك ذلك جيدا، وهو الذي قدم منحة هائلة قدرها 200 مليون يورو. وأرجو أن أرى آخرين غيره ينخرطون في هذا الأمر.

من الأكثر دعماً لك في هذا العالم؟

 لدي 82 شريكا.. ومنظمة اليونسكو تعمل معنا كثيراً، وتقدّم لنا الدعم والمساعدة الفنية. وبالتأكيد أرغب في المزيد.

من خلال نظرة أولية نرى أن مكانة المرأة في العالم قد تراجعت وخاصة مع ظهور الإسلام الراديكالي...

لست متيقنة من الأمر، ولا أملك أي إحصاءات حول ذلك. أسافر كثيرا وألتقي النساء في كل مكان وفي قطر أيضا، ويبدو لي، أن النساء، على العكس، أكثر حضورا، فلم يكن لديهن مثل هذه السلطة من قبل، كما أنهن بتنَ على وعي بحقوقهن، وعزز ذلك الثقة لديهن في أنفسهن. التقيت أمس في اليونسكو بشابة قطرية متطوعة تتحدث عن تجربتها. لم يكن للمرء أن يتخيل، قبل عشر سنوات، أن فتاة مثلها، عمرها 18 عاما، تعبر عن نفسها أمام الجمهور. ولم تعد المرأة أبدا صامتة. وبطبيعة الحال لن يكون هذا وضعها إذا كانت تعيش في ظل سلطة العصابات أو اللوبيات والإيديولوجيين الراديكاليين. ومع ذلك فإن انعدام التعليم مسؤول جزئيا عن هذه الظاهرة. وإذا كانت المرأة لا تملك خيارا في مثل هذه السياقات، فيجب علينا تنمية حسها النقدي وتمكينها من آليات الحماية.

هذا يعني أن الإنسانية تسير بسرعتين...

هذا لا ينسحب على المرأة وحدها، بل أيضا على الأطفال وجميع الفئات الهشة الأخرى. وعلينا، بكل ما للكلمة من معنى، إعادة التفكير في إنسانيتنا إذا ما أردنا استرجاع مبادئنا وقيمنا المشتركة. الكلام لا يكفي.. فقد أصبح العالم مُرْهَقاً من مثل هذا الخطاب.. الذي ينبغي أن يكون ملموسا، فالناس يريدون رؤية النتائج، وأن يكون بمقدورهم العودة لبيوتهم دون خوف من أن يتم اختطاف أطفالهم وهم في طريقهم للمدرسة.

المملكة العربية السعودية قطعت علاقاتها مع بلدكم وتفرض حصارا على قطر. ما شعورك حيال التهم الموجهة لبلدكم بشأن دعم الإرهاب؟

هي تُهمٌ لا أساس لها. وهي محض أكاذيب غير مجدية يُعاد تكرارها. عندما كان أولادي صغارا أخبرتهم، وهم لا يزالون يذكرون ذلك جيدا: "لا تكذبوا أبدا، لأن الكذبة لا تدوم طويلا". ويوما ما ستدوي الحقيقة. بالنسبة لموضوع السعودية، فيجمعنا معها تاريخ طويل، وهناك علاقات زواج بيننا. وتعلمون أن منطقتنا تقوم على مجتمعات قبلية في تنقل دائم.  وإلى زمن غير بعيد لم تكن هناك حدود بين بلداننا، كما أن عددا من أسرنا تعيش في المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات. لا يمكنهم محو هذه العلاقات بين عشية وضحاها. حتى مع حصارهم لنا فلا يمكنهم محو جيناتنا. وأنا أعرف أشخاصا في هذه البلدان غاضبين مما جرى.

بالأمس اطلّعتُ على استطلاع أجرته جامعة قطر أظهر أن 78% من القطريين يشعرون أن علاقاتهم الأسرية قد تأثرت كنتيجة لهذا الحصار، والأرقام نفسها، أقل أو أكثر، بالنسبة للإماراتيين. مع الأزمة الحالية ازددنا قوة، وأصبحنا نركز على أنفسنا. وقطر اليوم أكثر اتحاداً في ظل قيادة الشيخ تميم الذي تنامت شعبيته.

الشيء نفسه حدث في لبنان...

تماما.  فحتى مع وجود توتر، كان ذلك طفيفا. وهذه الأزمة أبرزت الصفات المثلى التي يتميز بها قادتنا، والشعب ممتن لهم. كما أنها فتحت فصلا جديدا في تاريخنا، وهي بذلك تُعد لحظة أساسية في الحياة السياسية للشيخ تميم.

من جانبه، يزعم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه حرر المرأة، فبإمكانها اليوم قيادة السيارة وارتياد الملاعب الرياضية. هل تعتقدين بأنه ستكون هناك أرضية مشتركة معه في المستقبل؟

سنرى ذلك.. الزمن وحده سينبئنا.