مقابلة صاحبة السمو لبرنامج لقاء سي ان بي سي

Paris, France, 27 أكتوبر 2022

 

 

شكراً لكِ صاحبة السمو على مشاركتك في برنامج "لقاء سي أن بي سي ". شاهدنا كلمتك في حدث اليونسكو أمس بمناسبة اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات. ما مدى أهمية مثل هذه المناسبات من وجهة نظرك؟

 

 بدايةً، أوّد أن أشكركم على استضافتي. التعليم عنصر مهم للغاية في حياتنا. والمثير للاهتمام يوم أمس، والذي ربما شاهدتموه، أننا نجحنا في استقطاب المزيد من الاهتمام بين الناس والأفراد والحكومات. يوم أمس أعلّنا عن القرار رقم 2601 الذي أعتقد أنه سيكون نوعاً من الضغط ليشرَع أصحاب القرار بتبنّيه في سياساتهم وتشريعاتهم وضمان حماية التعليم وإتاحته لجميع الأطفال بشكل مجاني وآمن.الملفت في هذا القرار أنّه تحدّثَ، أو يتحدث، عن الحق في التعليم للاجئين والنازحين، وعن مسؤولية الدول المضيفة حيال ضمان استمرارية تعليمهم.

 

خلال حديثك، كاد صوتك يبدو، أو لعلك قلتِ إنك كنت محبطة، وترغبين برؤية المزيد من الإجراءات على أرض الواقع؟

 

 نعم، كنت محبطة لأنني أعمل على ذلك منذ أكثر من عشرين عاماً. في البداية، لم يكن البعض ينظر إلى هذه القضية كأولوية.

ويرونها مهمة مستحيلة. كيف يمكنك حماية التعليم في أوقات النزاعات؟ كيف يمكنك حماية التعليم في مناطق الحرب؟ كيف يمكنك حماية التعليم خلال النكبات؟ أستطيع أن أرى اليوم عقليات مختلفة، وأجواءً مختلفة حول هذه المسألة.

 

وإنني لأرى الناس اليوم أكثر حماساً. يدركون بشكل أفضل أن خسارة التعليم تعني خسارة الفرص، وخسارة المستقبل، وكذلك خسارة المجتمع بأكمله. إنني أشعر بسعادة غامرة للإحساس بهذا الإدراك. وإنّ رؤية الناس بالأمس قد جاءوا للتحدث فقط عن حماية التعليم يُعد تحوّلاً كبيراً للغاية.

 

وكما قلتِ، مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة تبنّى قراراً حول حماية التعليم أثناء المواجهات المسلّحة. ما مدى سعادتك بذلك؟ وما الذي يمكن القيام به بعد ذلك من وجهة نظرك؟

 

 أعتقد أن هذه خطوة نحو التلاقي وجمع بعض الأدلة، وانها خطوة لمنع وقوع الهجمات. إنها خطوة لتشجيع الحكومات والدول للعمل على سياساتهم وتشريعاتهم المتعلقة بحماية التعليم. لكنني أسعى إلى أكثر من ذلك بالطبع، ولن أتوقف عند تحقيق إنجاز معين لأن هناك دائماَ المزيد مما ينبغي فعله؛ خاصةً فيما يتعلق بالمساءلة ومحاسبة الجناة، فنحن بحاجة إلى أكثر من ذلك. بالرغم من أن لدينا القوانين، أعني أننا درسنا هذه القوانين جميعها مثل القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الجنائي الدولي. وبموجب كل هذه القوانين، يُعد الاعتداء على التعليم وعلى الحق في التعليم جريمة. لذا أعتقد إذا ما أدركَ الناس بأن ما يفعلونه جريمة، وأعني أن الاكتفاء بالمشاهدة وعدم فعل شيء هو في الواقع جريمة. أنا لا أطلب الكثير، بل أطلب من كل فرد أن يتصرف، أن يحدث فرقاً على قدر استطاعته وبالوسائل المتاحة لديه.

 

يبدو أن ثمّة صراعاً يدور حالياً في المجتمع الدولي للاتفاق على قضايا من تغيّر المناخ إلى الاستجابة للنزاعات. هل يقلقكِ أن التعليم قد لا يكون أولوية؟

 

أعتقد أن هذا كان مصدر قلق دائم. لكن الأمم المتحدة تقوم اليوم بإدراج التعليم في الجلسات، جميع الجلسات المتعلقة بالتعليم وهذا تحوّلٌ كبير. أعتقد أن المجتمع الدولي يفهم اليوم أنك إذا أردت معالجة تغيّر المناخ، أو تحقيق أهداف أخرى من أهداف التنمية المستدامة، فعليك أن تبدأ بالتعليم. وأنت بحاجة إلى تثقيف الناس ليكونوا حريصين وحكيمين في التعامل مع منظومتهم البيئية، ومحيطهم، وصحتهم، ومرافقهم الصحية. لذلك كل هذه الأمور تعود بشكل أو بآخر إلى التعليم. فأنت عندما تعلم فرداً، تكون بالأحرى قد قطعت الخطوة الأولى نحو بناء رفاهية صحية.

 

 

 أين يكمن أكبر التهديدات المحتملة للتعليم برأيك؟

 

أعتقد في الحروب وبشكل خاص في النزاعات. النزاعات هي الجاني الحقيقي عندما يتعلق الأمر باضطراب مسيرة التعليم. في عام 2003، عندما انخرطت بالعمل مع اليونسكو، تلقيت رسائل من طلبة عراقيين، وأذكر في عام 2003، خلال غزو العراق من قبل القوات الأمريكية، أرسل لي الطلاب رسائل يطلبون فيها مساعدتهم على متابعة تعليمهم وتعلمهم. تلقيت رسائل أيضاً من المعلمين تطلب لقاءنا. دعوناهم إلى قطر، وجلسنا معهم، وكان كل ما طلبوه هو سترات واقية من الرصاص لحمايتهم من الهجمات والقتل. كما دعونا هؤلاء الطلاب ليأتوا ويكملوا تعليمهم في قطر.

عندما أتيحت لي الفرصة لزيارتهم في العراق، اصطحبوني إلى ما يسمى المنطقة الخضراء حيث التقيت بالطلاب والمعلمين. وللأسف، لم يكن بعض هؤلاء المعلمين موجودين لأنهم قُتلوا. كان من الواضح أن السترات الواقية من الرصاص لم تكن كافية، تحدّث الطلاب إليّ عن يأسهم من تعليمهم حيث كانت الصفوف الدراسية قد دُمرت. كانت تلك صدمة بالنسبة إلي. وهذا ما فتح عيني لأدركَ كيف يمكن لصراع واحد أن يغير الوضع برمّته في بلد ما. صراع واحد، يمكنه أن يحول بلداً من كونه بلداً ثرياً، إلى بلد يعاني الجهل والأمية، وهذا ما رأيته، وهكذا أدركت حجم المشكلة، فكان العراق بالنسبة إليّ لحظة الإبصار. من هناك، ومنذ ذلك الحين، قررت أن أكافح من أجل حماية التعليم. ومن حسن الحظ أننا لسنا بصدد حالة يصعب فهمها فيما يتعلق بحجم وتشعبات نزاع كهذا.

 

 

قمتِ بتأسيس مؤسسة "التعليم فوق الجميع" عام 2012. أخبرينا عن رسالتها؟

 

مؤسسة "التعليم فوق الجميع" لها أذرع مختلفة، لكننا نركّز بشكل أساسي على الوصول إلى الأطفال، ومحاولة توفير التعليم لهم وضمانه. ندرك أن كل شخص من ثقافة مختلفة لديه احتياجات مختلفة. ونحن نحاول توفير التعليم للأطفال الذين يصعب الوصول إليهم. على سبيل المثال، عملنا من قبل في باكستان وبنغلاديش، وكانت كل حالة مختلفة عن أخرى.

تعرضت بنغلاديش للعديد من الفيضانات كما تعلمون، مما جعل من الصعب الذهاب إلى المدارس العادية. لذلك، للتجاوب مع الموقف، ابتكروا نوعاً من المدارس العائمة (قوارب) حتى يتمكن الأطفال من مواصلة تعليمهم فيها. اضطلعت جهات محلية بتنفيذ هذا المشروع، وقد تعاونّا معهم وقمنا بتوسيع نطاقه. لذلك نحاول أن نتأقلم مع الوضع، وأن نفهم احتياجات الناس، والثقافات المحلية، ويتعيّن علينا أن لا نفرض فهمنا للتعليم ونوعية المنهجيات، لأن ذلك ينبغي أن يعود إلى هذه البلدان. هذا في الواقع هو الجزء الرئيسي من عمل مؤسسة "التعليم فوق الجميع"، وأعني تعليم الأطفال والوصول إليهم أينما كانوا بالتعاون مع شركاء محليين ومع مراعاة الثقافة المحلية أيضاً.

 

وما مدى أهمية هذه الشراكات المحلية؟

 

إنها مهمة جداً، ولا يمكننا العمل من دونها في الواقع. أشخاص من الداخل، وهؤلاء الأفراد، وأحياناً المنظمات غير الحكومية، تكون دليلنا الإرشادي للثقافة والعقليات هناك، ومحاولة إرشادنا إلى الجوانب الصحيحة التي يجب أن نستخدمها في تنفيذ برامجنا، وكيفية الوصول إلى الناس هناك. لديهم المعرفة الأفضل بهذا الشأن، ونحن نحترم ذلك.

 

ما مدى أهمية التكنولوجيا في رأيك؟ وكيف تؤدي دوراً في تعليم الأطفال؟

 

أعتقد أن التكنولوجيا مهمة جداً. لقد أدركنا بشكل خاص أهمية التكنولوجيا خلال الجائحة، إذ تحول الناس إلى التعليم عبر الإنترنت لمواصلة تعلّمهم. أعتقد أن التكنولوجيا يمكن أن تساعد في الوصول إلى الطلاب والأطفال في المناطق الريفية في أوقات النزاع.كما تساعد في كونها أداة يمكن أن يستخدمها الأطفال لمواصلة تعليمهم. ولكن ليس كل طفل لديه حاسوب محمول أو حاسوب لوحي، ونحن حقاً بحاجة إلى أن نكون مبدعين فيما يتعلق باستخدام هذه العناصر الخارجية في التعليم.

 

 (عن الأمير الوالد- غير مسجل)

 

كان لدى الأمير الوالد رؤية من أجل شعبه وبلاده، إذ أراد أن تصبح قطر دولة حديثة ومزدهرة، وقد نجح بالفعل في تحقيق ذلك. كما تمّ نقل السلطة من الشيخ حمد إلى الشيخ تميم، نجلي، بطريقة سلسة جداً. أعتقد أن الشيخ تميم مرّ بالكثير من الأوقات الصعبة خلال فترة حكمه، لكنه جابهها كلّها بحكمة وبصيرة، وقد حظي بدعم شعبه وحبه.  إنه قائد شاب وطموح. كما أنه تعلّم كثيراً من أستاذه السياسي، والده. وأنا فخورة جداً به كأم، وأعتقد بأنه سينقل قطر إلى موقع مختلف في المستقبل.

 

ما الذي تتطلعون إلى تحقيقه من كأس العالم، خصوصًا وأن هناك العديد من الآراء السلبية والنقد، ما الذي توّدون قوله إلى العالم؟

 

نحن متحمّسون لهذه البطولة ونستعدُّ لها منذ فترة طويلة تزيد عن 11 عامًا. عندما تم الإعلان في زيورخ عن فوز قطر باستضافة كأس العالم، اعتبرناهُ فوزًا لكلّ العرب. لم يكن لقطر فحسب وإنما للمنطقة بأسرها. لقد مرّت منطقتنا بالكثير من الأحداث الساخنة لفترة طويلة، وأعتقد أن هذه البطولة ستحمل الأمل والسعادة والفرح.

 

تُنظم المؤسسة التي ترأسينها مبادرات متنوعة خلال بطولة كأس العالم؟

 

نعم، صحيح. ونحن نعمل مع اللجنة العليا للمشاريع والإرث التي تتولى مسؤولية تنظيم هذه البطولة من أجل توفير البيئة اللازمة التي تُمكّننا من تحقيق أهداف التنمية المُستدامة. وأنا على ثقة أن هذه البطولة ستكون تجربة مثيرة للاهتمام لأنها ستجمع الناس من مختلف الثقافات والمجالات الذين سيعملون معًا تحت مظلة واحدة. ستكون بالتأكيد فعالية رائعة.

 

ما الذي تتطلعون إلى تحقيقه من كأس العالم، خصوصًا وأن هناك العديد من الآراء السلبية والنقد، ما الذي توّدون قوله إلى العالم؟

أأعتقد أن الرسالة التي نتطلع جميعًا لإيصالها إلى العالم هي أن قطر ستفي بوعدها بتقديم بطولة آمنة، وممتعة، وصحية. وسوف نحقق ذلك. أما فيما يتعلق بالنقد والتمييز فيما يتعلق بحرارة الطقس في قطر، فهذا جانب لا يُمكن فهمه أو حتى استيعابه. لأننا عملنا على هذا الجانب من خلال اعتماد التقنيات المتطورة في ملاعبنا لتوفير بيئة مناخية تُنساب كلّ الجماهير. وأيضًا هناك ملعبين من ملاعبنا يعتمدان تقنية "أل إي دي" وحصلا على شهادتين مرموقتين في استدامة التصميم وأعمال البناء، وهذا ما نوّد أن نقدّمه للعالم ليأتوا إلى قطر وينضموا إلينا في هذا الحدث العالمي الذي سيُشكّل تجربة استثنائية نادرة في منطقتنا، ونحن فخورون حقًا بذلك.

 

هل لي أن أسألكِ صاحبة السمو من أين نبع شغفك بالتعليم وأهميته؟

 

حسناً، أعتقد أن هذا الأمر في جيناتي، لقد تربيتُ على يدي أب يؤمن بالتعليم، وقد علّم نفسه بنفسه، وعلّمنا أهمية التعليم، ومنذئذٍ حاولتُ تقديم النوعية نفسها من التعليم لأطفالي. عندما كان أطفالي صغاراً، كافحتُ في تعليمهم. لم تكن لديّ خيارات كثيرة، سواء في المدارس العامة أو الخاصة، ولم يكن ثمّة فوارق ملحوظة بينهما. ولذا شرَعتُ في بناء مدرستي الخاصة، ومن ثمّ بدأتُ في إصلاح التعليم في دولة قطر. يُعزى كل ذلك في الواقع إلى تجربتي الشخصية وتجربتي كأم، وكشخص يهتم بتعليم الأطفال في العالم.

 

نجحت المؤسسة التي ترأسينها في توفير التعليم للكثير من الأطفال حول العالم، هل تشعرين أن أمامك الكثير لتقديمه في هذا الصدد؟

 

بالطبع، أرى أن هناك دوماً مجالاً للتطوير، وأن هناك دوماً ما يمكن تحقيقه. وأعتقد أن إيمان المرء بذلك يقوده لمزيد من الإنجاز. على سبيل المثال، في عام 2012 قطعنا وعداً، أو بالأحرى قطعتُ أنا وعداً بتعليم 10 ملايين طفل خلال 5 سنوات، وقد تمكّنا من تحقيق ذلك بالفعل في ست سنوات وليست خمسة، ولكننا في الأقل تمكّنا من تحقيق هذا الإنجاز. أمامنا هدف جديد الآن بتعليم 4 ملايين طفل، والعمل جاري على ذلك وجرى بالفعل تأمين الأدوات اللازمة. نحن القادة، لا بدّ لنا دائماً أن نضع أهدافاً جديدة لنحققها، وبالنسبة إليّ هذا الأمر أقرب إلى رسالة؛ إنها رسالة في حياتي، وأشعر أنها مسؤولية ملقاة على عاتقي وبمنتهى الجدية. لا يزال أمامنا الكثير من القضايا التي تحتاج إلى معالجة، خصوصاً فيما يتعلق بتوفير التعليم وضمان مستقبل أفضل للأطفال الذين هم بحاجة ماسة فعلاً للتعليم. ولدي قناعة تامة بأن كل طفل يستحق الحصول على تعليم أفضل ومستقبل أفضل.

 

ما الرسالة التي توجهينها سموك إلى هؤلاء الناس، ما الذي يمكنهم فعله في هذا الصدد؟

أالجميع يتحملون المسؤولية وعليهم أن يفعلوا شيئاً. بدايةً على كل شخص أن يبدأ بأطفاله، وينبغي أن يكون أطفاله متعلمين. وأقصد بالمتعلمين بأن يكون لديهم قيم ومبادئ محددة في الحياة. بذلك سيضمن لهم رفاهية صحية وسيكون الأشخاص منتجين ومواطنين إيجابيين، وأعتقد يتعين عليهم أن يبدأوا كأولياء الأمور، ومعلمين، ومجتمع بأكمله، ثم العالم بأسره. التعليم لا يكلف كثيراً، لا سيّما إذا كنا مستعدين لتكريس أنفسنا وجهدنا ووقتنا لجعله أفضل.

 

في الختام صاحبة السمو، ما الإرث الذي تتطلعين إلى تركه؟

 

لقد كرّستُ حياتي لخدمة التعليم وحمايته، وضمان حصول كل طفل على حقه في التعليم. أتمنى أن يتذكرني الناس كشخص جاد في هذه القضية شخص حاول بشتى الطرق والوسائل من أجل توفير التعليم للجميع. لربما كان هذا الهدف عسير التحقيق، لا سيّما مع الكثير من التحديات التي تحيط به، لكن أعتقد أننا نجحنا حتى الآن في زيادة مستوى الاهتمام بهذه القضية؛ أصبح الناس الآن يعرفون حجم المشكلة ويدركون مدى صعوبة التداعيات والعواقب المترتبة على ذلك. كما أنهم ليسوا غير فاعلين حيال حماية التعليم. أظن أن هذه هي الصورة التي أود أن يتذكرني الناس بها.

 

وما زال أمامك الكثير لتقدمينه؟

بالطبع. كما أوضحت، ما دمنا على قيد الحياة لا بد لنا من مواصلة السير على هذا الدرب، ما دامت النزاعات مستمرة حولنا، وما دامت التحديات قائمة، وما دام هناك أطفال يعيشون في ظروف طارئة وفي مناطق النزاعات والحروب، يتعيّن علينا دوماً العمل جاهدين من أجل الوصول إليهم ومساعدتهم بشتى الطرق الممكنة.