خطاب صاحبة السمو في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعلي وايز

Doha, Qatar, 28 نوفمبر 2023

منذ ما يزيدُ عن عَقْدين من الزمن، بادرنا بدعمِ التعليمِ في فلسطين، وتحديداً في غزة،

وكانتْ مدرسةُ الفاخورة، التي قُصِفتْ آنذاك من قِبل قواتِ الاحتلالِ الإسرائيلي، باكورةَ مشاريعِ التعليمِ في غزة حتى تطوّرتْ وأصبحتْ برنامجاً يشملُ كلَّ ما يتعلقُ بالعمليةِ التعليميةِ مِن تدريسٍ وتدريبٍ إلى بناءِ مدارسٍ وجامعاتٍ وابتعاثاتٍ علميةٍ لتخصصاتٍ دقيقةٍ غيرِ متوفرةٍ في القِطاع، فضلاً عن توفيرِ الدعمِ النفسيِّ والاجتماعي الذي فرضتْهُ ظروفُ الحروبِ المستمرة.

 

وخلالَ عملياتِ الحربِ الحالية على غزة، تعرّضتْ ستٌّ وثلاثونَ مدرسةً وجامعة يدعمُها برنامج الفاخورة، للتدميرِ الكاملِ أو الجزئي. وبذلكَ دُمِّرَ أهمُّ ما أنجزتْهُ الفاخورة.

ومعَ تدميرِ كلِّ مدرسةٍ أو جامعة، ومع حرمانِ كلِّ طفلٍ من التعليم بسببِ العنف، نفقدُ ركيزةً من ركائزِ بناءِ المستقبل.

 

وفي كلِّ مرّةٍ يُستهدَفُ فيها التعليم، يَتراجعُ المجتمعُ الدولي أكثرَ مِن خطوةٍ إلى الوراء في جهودِهِ لحمايةِ التعليمِ التي يجبُ أنْ تكونَ بعيدةً عن الحسابات السياسية أو الصراعات التاريخية.

وكما ترونَ معي على الشاشةِ صورةً للطفلة الفلسطينية سُهيلة اُلتِقِطَتْ في غزةَ عام ألفين وأربعةَ عشر، الصورةُ التي شاهدنا مثلَها مئاتٍ من الصورِ المأساويةِ في حربِ عام ألفين وثلاثة وعشرين، وكأنّ الزمنَ قد توقّفَ عندَ هذه اللقطة بالدمار المتكرر..

 

أيّها الحضور الكريم،

تعرفُ هذهِ الطفلةُ وغيرُها جيداً مرارةَ الحرمانِ من التعليم، فها هي تحتضنُ بهلَع ما تبقّى مِن أوراقِ كُتُبِها، وكتبِ أخوتِها أيضاً، هاربةً بها من نيرانِ القصفِ، والأملُ يراودُها بأنْ تأتي هذه الأوراقُ بمستقبلٍ أفضل.. لأنّ التعليمَ بَداهةً لا يُدرِكُ أهميّـتَهُ إلّا مَن حُرِمَ مِنهُ.

وهذهِ الصغيرةُ سُهيلة تعلمُ أنّ حالَها وحالَ أسرتِها سيكونُ أفضلَ بالتعليمولكنّ القلقَ يَستبدُّ بها من المستقبلِ الذي يبدو وكأنّهُ لا يريدُ أنْ يأتي.. مستقبلٍ مُهدَّدٍ على الدوام بالتدمير.. تدميراً يشهدُ عليه ما حدثَ للفاخورة.

وبينما تُعطِّلُ الحربُ المؤسساتِ التعليميةَ وتستنزفُ القطاعَ الصحي وتوقِفُ عجلةَ التنمية، فإنَّ أخطرَ ما في الحروبِ يأتي بعدَ وقفِ إطلاقِ النار، بعدَ تَوقُّـفِ حركةِ التاريخ وقد انهالَ عليهِ ركامُ الخراب، ليبدأ الضحايا من الصفر.. من الرمادِ الذي خلّـفَهُ التدمير.

 

وغيرَ بعيدٍ عن التعليم - وهل هنالكَ شيءٌ بعيدٌ عن التعليم؟ - اختارَ وايز هذا العام التركيزَ على آفاق الذكاءِ الاصطناعي ومناقشةِ إشكالياتِهِ وكيفَ نرتقي بالتوظيفِ الصحيحِ للإمكانياتِ والاحتمالاتِ التي يوفّرُها.

وقد شاهدنا، خلالَ حربِ غزة، الكيفياتِ التي اُستِخدمَ فيها الذكاءُ الاصطناعي لتلفيقِ القصصِ وتزييفِ الوقائعِ من جهة، وحَجْبِ المنشوراتِ والصورِ ومقاطعَ الفيديو التي تَعرِضُ الفظاعاتِ التي ترتكبُها قواتُ الاحتلالِ الإسرائيلي بحقِّ أهالي غزة والضفة الغربية، من جهةٍ أخرى.

وهذا ما يجعلُنا نتساءل:

قصصُ مَن سوفَ يختارُ الذكاءُ الاصطناعي بوصفِها أرشيفاً تاريخياً؟

وتاريخُ مَن سوفَ يُروى؟

وما هي الأفكارُ التي اُختيرتْ باعتبارِها الأكثرَ مصداقية؟

ثُمَّ كيف نحافظُ على قيمِنا التربوية وعلى استقلاليتِنا؟

وهل سنبقى مجتمعاتٍ ذاتَ سيادة وكيف؟

 

سيداتي.. سادتي..

أريدُ، كما أظنُّكم تريدون، أنْ نجعلَ من وايز مِنصَّةً للأفكارِ المتجدّدةِ التي تواكبُ المتغيراتِ في العالمِ وما يواجهُهُ التعليمُ من عوائقَ في بلدانٍ معيّنة ولأسبابٍ نعرفُها جميعاً.

وكما أؤمنُ وأردّدُ دائماً: لا خِيارَ سوى ابتكارِ الحلولِ للمشاكلِ المُستعصية.

وهذا هو الدورُ الذي ينهضُ بهِ وايز.

أعلمُ أنّ العلماءَ والباحثينَ، أمثالَكم، يتحمّلونَ مسؤوليةً أخلاقيةً وأكاديميةً في مواجهةِ مثلِ هذه التحديات، وهو خيارُكم الذي تتشرّفونَ بهِ ونتشرّفُ نحنُ بدعمِكم في مساراتِهِ النبيلة،

وأظنُّ أنّ وايز وُجِدَ لاحتضانِ هذه الجهودِ المقدَّرةِ التي تجودونَ بها.

أباركُ جهودَكم من قَبلُ ومن بَعد،

وأتمنى لكم التوفيقَ في مؤتمرِكم هذا.