حفل افتتاح مركز سدرة للطب

الدوحة، قطر, 12 نوفمبر 2018

 

مساء الخير....

أرحبُّ بكم في حفلِ افتتاحِ مركزِ سدرة للطب، عشيّةَ انعقادِ القمّةِ العالميةِ للابتكارِ في الرعايةِ الصحية. كما يتزامنُ انعقادُ المؤتمرِ وافتتاحُ سدرة مع انطلاقِ فعالياتِ أسبوعِ الرعاية الصحيةِ بالدوحة. وفي هذهِ الأحداثِ معاً مؤشرٌ على العنايةِ التي توليها الدولةُ لقطاعِ الصحة.

السيدات والسادة..

في سياقاتِ العملِ النهضوي، لدينا، في قطر، رؤىً تحيلُ إلى المستقبلِ في مختلفِ المجالات، ولنا في مجالِ الصحةِ رؤيةٌ تمتدُّ إلى يومِ شرَعْنا في التفكيرِ باستقطابِ الجامعاتِ العالميةِ المرموقة، ومنها وايل كورنيل للطب- قطر عام ألفين وواحد، بصفتِها مصنَعاً متطوِّراً لإنتاجِ المعرفةِ الأكاديميةِ الطبية.

وفي عام ألفين وأحدَ عشر أطلقنا الاستراتيجيةَ الوطنيةَ للصحة بهدفِ "تطويرِ نظامِ رعايةٍ صحيةٍ شاملٍ بمعاييرٍ عالميةٍ في متناولِ الجميع". وعمِلنا بعد ذلكَ على خلقِ بُعدٍ أكاديميٍّ وبحثيٍّ لجميعِ المراكزِ الصحيةِ في دولةِ قطر، وبناءِ علاقةٍ تفاعليةٍ بينَها وبينَ وايل كورنيل للطب- قطر للاستفادةِ من معارفِ وخبراتِ الكلية وبما يُدعِّمُ الاستراتيجيةَ الوطنيةَ للصحة. وتتجلّى معطياتُ هذهِ العلاقة، منذُعامِ ألفين وأربعة، في مستوياتِ التعاونِ البحثيِّ والأكاديميِّ والتدريبي التي بلورتْها الاتفاقيةُ الموقّعةُ بين مؤسسةِ حمد الطبية وكليةِ طب وايل كورنيل.

ولا تفوتُنا الإشارةُ إلى دورِ الكليّاتِ المساندةِ لمهنةِ الطب، وأعني كليةَ العلومِ الصحية وكليةَ الصيدلةِ في جامعةِ قطر وبرنامجَ العلومِ الصحية في كليةِ شمالِ الاطلنطي وبرنامجَ العلومِ البيولوجية في جامعةِ كارنيجي ميلون، وكلية الصحة وعلوم الحياة بجامعة حمد بن خليفة. وما تقومُ بهِ هذه الكلياتُ في سياقاتِ العملِ على إتمامِ النظامِ الإيكولوجي المتناسبِ مع ظروفِ التطوّرِ المرتجى في مجالِ الطب.

ولتطويرِ الخدمةِ النوعيةِ في قطاع التمريض استقطَبنا إلى قطر جامعةَ كالجاري التي عُرِفتْ بتخريجِ كوادرَ كفوءةٍ في هذا المجال. ويأتي ذلك في جوهرِ ما أسمّيه الأمنَ المهني باعتبارِهِ جزءاً مهماً من متطلباتِ الأمنِ القومي للدول، وأعني هنا: في غيابِ كوادرٍ مؤهّلةٍ في قطاعٍ ما، ستجدُ أيّةُ دولةٍ نفسَها عاجزةً عن أداءِ واجباتِها في لحظةٍ معينةٍ من التاريخ.

وبعدَ ذلكَ، جاءَ إنشاءُ مركزِ سدرة للطبِّ تتويجاً لهذه الجهودِ كلِّها باعتبارِهِ مؤسسةً طبيةً وأكاديميةً وبحثية تُعنى على وجهِ الخصوصِ بالأبحاثِ الجينيةِ  في مسعىً للتكاملِ معَ مختلفِ قطاعاتِ النظامِ الصحيِّ في قطر، وخصوصاً مؤسسةَ حمد الطبية وسواها من المؤسساتِ الصحية، والارتقاءِ معاً إلى مستوياتٍ عالمية.

وبصفتِهِ مركزاً للريادةِ والابتكارِ والتميّزِ في مجالِهِ، ساهمتْ أبحاثُ سدرة للطبِّ في الانتقالِ بالنظامِ الصحيِّ في قطر إلى حِقْبةٍ جديدةٍ من الرعايةِ الصحية، إذ تتفرّدُ سدرة للطب بكونِها نموذجاً رائداً في إطلاقِها لبرنامجِ استخدامِ الروبوتاتِ في العملياتِ الجراحيةِ للأطفال، وفي مركزِ القلبِ تحديداً، فضلاً عن الاكتشافاتِ العلميةِ الخاصةِ بأمراضِ السكري والقلب والأوعيةِ الدموية وغيرها.

كما أنشأتْ سدرة، بالتعاونِ مع برنامجِ جينوم قطر، قاعدةَ بياناتٍ جينوميةٍ وطنية، لتشكّلَ اللَبِنةَ الأساسيةَ للطبِّ الدقيقِ وتسهّلَ تبادلَ المعارفِ التي تساعدُ على فهمِ الأمراضِ البشرية بشكل أعمق.

ويسرُّني أنْ أعلنَ عن الانتهاءِ من المرحلةِ الأولى لمشروعِ جينوم قطر. فقد استكملنا تسلسلَ الجينومِ الكاملِ لـعشرةِ آلافِ مواطنٍ قطري. كما تمَّ تطويرُ الرُقاقةِ القطريّة (Q chip) التي تحملُ المعلوماتِ الجينيةَ الخاصةَ بكلِّ مريض، بالتعاونِ بين جينومِ قطر وقطر بيوبنك وكورنيل بالإضافةِ إلى مؤسسةِ حمد الطبية وسدرة للطب. وشرَعتْ سدرة باستحداث نظامٍ إيكولوجيٍّ أو بيئي للبحوثِ الجينومية سيضعُنا على قَدمِ المساواةِ مع برامجِ الجينومِ العالمية. ومن الآن فصاعداً، سيتمُّ إعطاءُ الأولويةِ لمشروعِ الجينوم كاستراتيجيةٍ صحيّةٍ وطنيّةٍ تُدعى "البرنامجُ القطريُّ للطبِّ الدقيق"، أو QPM، وهي استراتيجيةٌ تقومُ على الشراكةِ بين مؤسسةِ قطر ووزارةِ الصحةِ العامة.

وبذلك يمكنُنا القولَ: إنَّ مركزَ سدرة للطبِّ يُعَـدُّ واحداً من أكثرِ المشاريعِ طموحاً في قطر خلال العقدين الأخيرين. وسرعانَ ما حقّقَ المركزُ تأثيراتٍ إيجابيةً تتخطّى الحدودَ الوطنية، فأصبحَ وِجهةً إقليميةً للسياحةِ الصحية، يقصدُها المرضى أسبوعياً من المنطقةِ ومن خارجِها.

السيدات والسادة..

العارفونَ بقطر وقيادتِها وشعبِها يعرفونَ أو يلمَسونَ أننا ندركُ جيداً معنى التنميةِ بمفهومِها الشامل. وفي سياقِ هذا الإدراك، كانَ ولا يزالُ العملُ جماعياً ومتكاملاً من أجلِ تشييدِ صروحِ التقدّمِ بما يضمِنُ لدولةِ قطر مكانةً في مستقبلٍ لا يرتادُهُ سوى المستقبليين.

وما كانَ لكلِّ ذلكَ أنْ يتحقّقَ لولا الرؤيةُ السديدةُ لقيادةِ البلادِ ودعمُها لهذهِ المشاريعِ التنمويةِ التي تلتقي في أهدافِها مع غاياتِ رؤيةِ قطر 2030.

السيدات والسادة..

نؤمنُ بداهةً بأنّ التنميةَ المستدامةَ، وخصوصاً التنميةَ البشرية، هي التي تؤمّنُ للبلادِ أمنَها واستقرَارها ورفاهيتَها في زمنٍ أضحى فيه التعدّي على أمنِ واستقرارِ ورفاهيةِ الآخرين من القضايا التي تتحكّم بها المعاييرُ المزدوجةُ ولعبةُ المصالح. أمّا نحنُ، فقد حرِصنا دائماً على أن لا نكونَ أيّاً من الاثنين:لا نتعدّى ولا نحتكمُ لازداوجيةِ المعايير.

ومن قبلُ ومن بعدُ، لا يشغِـلُنا سوى التمكينِ العلميِّ والبحثيِّ والبشري لاستكمالِ شروطِ النهضة، وهي حصنُ البلادِ المنيعِ في حساباتِ العقولِ المستنيرة.

وقد صدّقتِ الأيامُ على صحّةِ نهجِنا. فما تغيَّرنا ولا غيَّرنا.