الدورة الخامسة والثلاثين للمؤتمر العام لليونسكو

باريس, 07 أكتوبر 2009

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الأستاذ الحاج يحي عبدالعزيز جامع، رئيس جمهورية غامبيا الشقيقة،،،
السيد رئيس المؤتمر العام،،
السيد رئيس المجلس التنفيذي،،
السيد المدير العام،،
حضرات السيدات والسادة،،،

يسعدني غاية السعادة أن أتواجد معكم اليوم في رحاب اليونسكو بمناسبة الدورة الخامسة والثلاثين للمؤتمر العام.

وأرى من الواجب أن أستهل هذه الكلمة بالإعراب بصفة شخصية وباسم دولة قطر عن خالص الشكر والثناء للسيد المدير العام كوتشيرو ماتسورا.

لقد مرت فترة مهامكم السيد المدير العام كلمح البصر رغم أنها كانت ضمن أدق مرحلة في تاريخ البشرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

خلال العشر سنوات الأخيرة اتسم مسار العلاقات الدولية بإختلاط الإيديولوجيا بالسياسة والدين، اختلطت الأوراق واشتد الإصطفاف.

أبليتم السيد ماتسورا البلاء الحسن في إدارة دفة المنظمة بكل حكمة وكفاءة وحياد وهذا لم يكن أمراً هيناً ولا متاحاً للجميع.

في وضع تفاقمت فيه مظاهر المرض والفقر والأوبئة مما يستدعي مزيداً من التوحيد في الرؤى والجهود.

في هذا الخضم، حافظتم للمنظمة على توازنها في اتساق مع غاياتها وأهدافها، تجنبتم النسق البيروقراطي ما أمكن، لتختاروا سياسة القرب في تناول الملفات الكبرى كالقرائية، حوار الحضارات، الإنحباس الحراري وغيرها وغيرها.

لقد سعدت شخصياً ووطني بالشراكة مع اليونسكو، تلك الشراكة التي كان لكم دور هام في تفعيلها، لنجسد سوياً قناعاتنا بقيمة التربية في تشكيل هوية الإنسان وحضارته.

من خلال التحرك للتعاطي مع ملفات تتطلب كثيراً من الجهد الجماعي والجرأة والشجاعة.

لأننا نؤمن ومعنا كثيرون بأن عظمة الإنسان كما قال أحد المفكرين المعاصرين وأقتبس " إنما تكمن في قدرته ليكون أقوى من ظروفه".

لقد تشاركنا لدعم التعليم في العراق، زرنا معاً بغداد للوقوف عن كثب على المتطلبات، نظمنا حلقات دراسية ولقاءات هنا وبالدوحة لتطوير التعليم وتعزيز الحق فيه وتطويق الأمية، تضامنا معاً لأجل حرمة المؤسسة التعليمية أنى وجدت ومهما كانت الظروف.

حضرات السيدات والسادة،

أدعوكم لنحيي مديرعام منظمتنا وصديقنا جميعاً كوتشيرو ماتسورا.

حضرات السيدات والسادة،

حتى نكون أقوى من ظروفنا، علينا إذن أن نتكاشف، أن نتحدث بصراحة ونحن نفتح الملفات الكبرى التي لا يمكن استيعاب إشكالاتها دون عمل جماعي تضامني مسؤول وجاد، يتبوأ فيه كل منا، صغيراً كان أم كبيراً، موقعه ضمن فسيفساء متناغمة ومنسجمة.

في كلمتي عند افتتاح مؤتمر تحديات الأمية في المنطقة العربية الذي احتضنته الدوحة في 12 مارس 2007 أكدت على أهمية مقاربة مسألة التنمية الإنسانية من خلال منظور شمولي تتكامل فيه قضايا القرائية، التكنولوجيا، البيئة، الثقافة، الإعلام والصحة.

إن الذي دفعني إلى اعتماد هذا الطرح حينذاك، ويحفزني على تكرار ذلك الآن، هو أن الحق في التعليم يواجه أزمة بنيوية قد لا تتجلى مظاهرها بنفس تجلي تداعيات الأزمة المالية أو البيئية، غير أن نتائجها على المدى المتوسط والبعيد تكون أشد وطأة وخطورة.

فحرمان الأطفال من التعليم هو حرمانهم من الحق في الحياة لأن التعليم الذي نعنيه هو ذلك التعليم النوعي الذي يهيئ الطفل والمراهق والشاب لمعترك الحياة، مسلحاً بالمعرفة والخبرة والمهارة التي بها يستطيع أن يتأقلم مع كل المتغيرات والضغوط مهما اختلفت مسبباتها.

هذا هوالتعليم الذي يؤهلنا لتحديات الألفية التي توافقنا عليها. ترى هل نحن ملتزمون في سياساتنا التعليمية بذلك؟

ربما على المستوى الخاص بكل بلد هنالك تجارب وإنجازات لكن على مستوى الجهد الكوني لا زال أمامنا طريق طويل بإستحقاقات كبرى.

ألم يعد في تصورنا الجماعي أمراً ثانوياً بل هامشياً الاهتمام بمصير خمسة وسبعين مليون طفل محرومين من الحق في التعليم، ومئة وخمسين مليون طفل 65% منهم من الإناث لن يتمكنوا من إنهاء المرحلة الإبتدائية إضافة ل 776 مليون من البالغين الأميين و 40 مليون من الطلبة محرومين من ذلك الحق بسبب الحروب والأزمات.

ألا يعاني هؤلاء جميعهم من ظلم المجتمع الدولي، (عن سبق إصرار)، من التمييز وانتهاك الحق المقدس في التعليم؟

ألا يعتبرهذا خرقاً لحرمة القانون الإلهي وأيضاً الوضعي الذين نحن جميعاً ملتزمون باحترامهما؟

عندما تم اختيار عام 2015 كسقف لاجتثاث الأمية وتحقيق مطلب التعليم للجميع لم يكن اختياراً إعتباطياً وإنما جاء من خلال الموازنة بين الاحتياجات والمتطلبات وفقاً لمنهجية علمية دقيقة. إذن فمشكلتنا ليست في القدرات والإمكانات وإنما بمدى التزامنا بالتنفيذ والمتابعة.

لذلك علينا أن نتحرك سريعاً لاتخاذ القرار المناسب.وحتى يتحقق ذلك علينا أولاً وقبل كل شئ ألا نستسلم، أن نصمد أمام الإحباط واليأس، وأن نعزز في أعماقنا، في أعماق إرادتنا الإصرار على تغيير هذا الواقع.

هذا التغيير يجب ألا يظل شعاراً، بل علينا أن نجعله إلتزاماً نرسخ به الحق المكتسب في التعليم كما نصت عليه كل المواثيق والإتفاقيات الدولية التي نحن من اعتمدها.

من واجبنا إذن أن ننفض الغبار عن تلك الترسانة القانونية وأن نلتزم بروحها بقدر إلتزامنا بمواثيق تخدم أغراضاً أخرى.

أما خطوتنا التالية فهي تفعيل كلفة التغيير.

ذلك أن التغيير كسبيل للإستثمار لأجل الحاضر والمستقبل له ثمن، بدونه سيبقى في حدود الشعار والتمني لاغير.

وعليه فإذا كنا فعلاً جادين ومقتنعين بكون التعليم سبيلنا إلى بناء العالم الذي ننشده، عالم الديمقراطية، الحرية، المساواة والعدالة، فلابد أولاً من أن نهتم بكلفة التغيير. تلك الكلفة التي لاتتوقف كما قد يفهم البعض عند المستوى المادي فحسب، فهي تقتضي أن نعيد ترتيب أولوياتنا، ثم في مستوى ثانٍ أن نخلق ثقافة جديدة تقوم على إرادة سياسية صلبة أساسها المواءمة بين الأصالة والحداثة، بين القيم الدينية والمجتمعية والسياسية ثم في مستوى ثالث العمل على تغيير الذهنيات بجعلها أكثر انسجاماً بين متطلبات المجتمع واستحققات بناء المستقبل من خلال إتخاذ المواقف الرشيدة والبناءة والجريئة أحياناً.

فبتأمين التعليم النوعي للجميع نستطيع مواجهة كل الضغوط التي تواجهنا بكل وعي ومسؤولية، بل لا أبالغ إذا قلت بأن هذا المطلب يجب أن يبقى دائماً هاجسنا ونحن نتطلع لتحقيق أهداف الألفية.

ومن هنا فعلينا بأن نشعر جميعاً بانتفاء مصداقيتنا الأخلاقية والقانونية بل والإنسانية حيال الحق في التعليم حينما نطالب بحق التعليم للجميع وفي نفس الوقت تنتهك حرمة المنظومة التعليمية من هذا الطرف أو ذاك بإرادة ومع سبق الإصرار والترصد، وبدون أن يولد ذلك لدينا الموقف المطلوب الحازم والمناسب.

ألا تحرك فينا صرخة الأطفال ورعشتهم وإرهابهم المتعمد بآلة الحرب وحرمانهم من مقعد التعلم كل مشاعر التقزز والإحباط بل والتشكك في قيم الحق والعدالة؟

أن هذا الوضع النشاز كان سبباً وراء إطلاقي لمبادرة إنشاء مؤسسة التعليم فوق الجميع في ديسمبر الماضي، التي من بين أهدافها رصد وتحري وتوثيق كافة الانتهاكات التي تطال المنظومة التعليمية في وضعية الأزمات والصراعات والحروب وإيجاد البدائل الممكنة.

السيد مدير عام اليونسكو،،

في مناسبة ماضية سبق لي أن خاطبتكم بشأن ترسيخ مفهوم ثقافة السلام ضمن المناهج التعليمية. وذلك لاعتبارات تربوية أخلاقية، وقانونية.

أنني أؤمن بأننا نحن الكبار قد فشلنا في استيعاب ذلك المفهوم ربما بسبب اختلاف أجنداتنا السياسية وتضاربها أحياناً. ولذلك فأملنا وملاذنا يجب أن يظل معلقاً بأجيالنا الصاعدة.

ومن هنا يتبدى لنا وبصفة حتمية الدور المركزي للمنظومة التعليمية النوعية في تشكيل تلك الأجيال وإعدادها الإعداد الجيد لتحمل المسؤولية.

وهذا الدور هو ما أكدته توصيات الندوة الأخيرة التي نظمناها بباريس منذ بضعة أيام بشراكة مع اليونسكو.

حضرات السيدات والسادة،،،

علينا أن نتحرك وبسرعة وكفاءة الآن وقبل فوات الأوان.

مصداقية اليونسكو نحن من يصنعها، بدون ذلك ستنطبق علينا مقولة سيمون دو بوفوار " يكتفون بقتل الوقت في انتظار أن يقتلهم".

شكراً على حسن إصغائكم.