مؤتمر القمة العالمي للإبتكار في التعليم "وايز" 2012

الدوحة, 13 نوفمبر 2012

السلام عليكم... 

أرحبُ بكم مرةً أخرى بالدوحة 

لنواصلَ ما شَرَعنا به عام 2009 من عملٍ مقرونٍ بشروطِ المستقبل في مجال التعليم.. وأحيّي إسهامَكم في التصدي لمختلفِ قضايا التعليم، وخصوصاً ما يتصلُ منها هنا بالابتكارِ من أجلِ التغيير، ونحن نلمسُ نجاحَ وايز في نظرتِهِ الشمولية وقدرتِهِ على تكريسِ الخصوصية المركزية للتعليم التي تؤثرُ بقضايا الإنسانِ والحياةِ والعالم جميعِها وتستدعي بالتالي شراكاتٍ متعددةِ الاختصاصاتِ والاهتمامات لنصوغَ معاً مستقبلاً غيرَ مثقلٍ بأميّاتِ الحاضر:

من أميّةٍ أبجدية وأميّةٍ ثقافية وأميّةٍ اقتصادية وغيرها. 

ولكن امكانيةَ التغييرِ في أيّما مجال من المجالات ستتعثّر إذا لم تبدأْ مفرداتُ هذا التغيير من التعليم.وها نحن نجتمعُ سنوياً تحتَ مظلّةِ وايز لنكرّسَ ثقافةَ الابتكارِ في التعليم.. والتجديدَ في الابتكار.. مدركينَ أن التعليمَ هو الحقلُ الذي يختصرُ القضايا كلَّها. منه تذهبُ البلدانُ إلى الإزدهارِ أو إلى الخراب.. 

وفي التعليم يُصاغُ العقلُ الجماعي للمجتمعات.. ومن التعليم نرسمُ ملامحَ المستقبلِ الذي ينبغي على الدوام أن يكونَ جديداً.. مستقبلاً مبتكراً.. وفي التعليم نختارُ التقدّمَ أو التأخّر.. التحضّرَ أو التخلّف.. في التعليم نؤسّسُ لقيمِ السلام أو لقيمِ الحرب.

ومن هذا كلِّهِ يكتسبُ مؤتمرُكم السنوي قيمتَهُ التاريخية لأنه ليس مناسبةً طارئةً للاجتماع، إنما هو تجمّعٌ سنويٌ ينشغلُ طوالَ السنة بما اتفقَ المشاركون على الانشغالِ بهِ من مشاريعِ وموضوعاتِ الابتكار في التعليم.. فالحاجةُ إلى التجديدِ في كيفيةِ مواجهةِ تحدياتِ التعليم وتحفيزِ روحِ الابتكار تستدعي منا عملاً نوعياً ينسجمُ مع حاجتِنا إلى تعليمٍ نوعي، مثلما تشترطُ التنميةُ المستدامةُ تعليماً مستداماً.. وكما تتطلّبُ المشاكلُ الاستثنائية حلولاً استثنائية.

ولعلَّ رياديّةَ وايز، في واحدٍ من ملامحِها، تتجلّى في العملِ على دعمِ وتعميمِ المشاريعِ الابتكارية للتطبيقِ في بيئاتٍ مختلفة.. ضمنَ شبكةِ ابتكارٍ تقومُ على التعاونِ والتنسيقِ المتواصل.. 

ويُعتَبر مشروعُ مؤسسةِ "براك" في بنغلاديش، التي فازَ مؤسسُها السيد فاضل حسن عبيد بجائزة وايز عام 2011، خيرَ مثالٍ على دعمِ الحلولِ المبتكرةِ لمواجهةِ مثلِ هذه الظروف، فهناك كانت المساحاتُ المائيةُ تعزلُ المجموعاتِ السكانية وتعرقلُ امكانيةَ إنشاءِ المدارس، حتى قدّمتْ مؤسسةُ براك حلاً مبتكراً يوفر ما يمكن تسميتُهُ "المدارس العائمة" من خلالِ جمعِ الطلبة في صفوفٍ دراسية على مراكبَ أُعدِّتْ لأغراضِ التعليمِ والنقل. 

وحينما قصدتُ في الشهر الماضي زيارةَ إحدى هذه المدارس لأطلّعَ على المشروعِ عن كَثَب، أدهشتْني قدرةُ الإنسانِ اللامحدودة على تحدّي الصعوباتِ وترويضِ الظروفِ الطبيعية. 

وهذا هو دورُ وايز الذي نتطلّعُ لترسيخِهِ وتوسيعِهِ في خلقِ علاقةٍ معرفية وتواصلية بين القضايا المستعصية والقادرينَ على ابتكارِ الحلولِ الناجعة لها.

أيتها السيدات والسادة... 

إننا نعيشُ في عالمٍ لم يعدْ فيه لأحد أن يملي على الآخرين نموذجَهُ.. عالمٍ مشتركٍ نتقاسمُهُ بروحِ التعاونِ والتنسيق.. كما لم يعدْ بمقدورِ أحد أن ينفردَ بالتميّزِ والابتكار، أو أن يغلقَ حدودَهُ ويعتزلَ العالم.

ولا أظنُّ أنّ هناك قطاعاً يستدعي التعاونَ والتنسيق كما هي الحال بالنسبةِ للتعليمِ الذي يعتبرُ، بلا منازع، البيئةَ التي تُصاغ فيها التنميةُ والمستقبلُ وأحلامُنا المشتركة. 

وإذا ما عالجنا مشاكلَ التعليمِ ورسَّخنا الإيمانَ بكونِهِ حقاً للجميع سنقضي على مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية كثيرة ناتجة عن التقصيرِ في إحقاقِ هذا الحقِ الإنساني. 

وهل من العدالةِ والإنسانية أن يضمَّ عالمُنا في القرنِ الحادي والعشرين سبعَمئةٍ وخمسةً وسبعين مليون أمي وواحداً وستينَ مليون طفل لا يتمتعون بحقِ التعليمِ الإبتدائي، بينهم ثمانيةٌ وعشرونَ مليوناً وضعتْهم أقدارُهم في مناطقِ النزاعات، وهم أكثرُ الفئاتِ استحقاقاً للتعليم إذا ما أردنا جغرافيا عالمية بلا بؤر أزمات وصراعات. 

وبالرغمِ من الجهودِ المبذولةِ دولياً في مجالِ التعليم إلا أنه لا يزال هناك قصورٌ يقتضي منا الجديّةَ في التعاونِ لإنجاز التغيير. وقد جدّدَ زعماءُ العالم، في منتصفِ سبتمبر الماضي بالأممِ المتحدة، تعهّدَهم بأن يحصلَ جميعُ أطفالِ العالم على التعليمِ الابتدائي مع حلولِ عام 2015، الأمرُ الذي يتطلبُ جهداً دولياً شاملاً تنتقلُ بنا نتائجُهُ مستقبلاً من معالجةِ هذه القضية إلى التصدي لتحدياتٍ أخرى. 

ويتجه وايز حالياً نحو عقدٍ اجتماعي جديد من خلالِ عددٍ من البرامج، بَيْدَ أنّ إنجازَ التغييرِ في التعليم يملي على الجميعِ التزاماً أخلاقياً وعملياً للمساهمةِ في هذه الجهود التي لن تنجحَ إذا لم نؤمنْ بشراكةٍ حقيقيةٍ وفاعلة. 

السيدات والسادة... 

يستطيعُ كلٌّ منا، انطلاقاً من بلدهِ أو مؤسستِهِ، أن يباشرَ بالتغييرِ في سياقِ سعيهِ لغرسِ ثقافةِ الابتكار في التعليم، ولكن الفعلَ المعرفي عموماً، وصناعةَ ثقافةِ الابتكار خصوصاً تتطلبُ عملاً جماعياً يسودُهُ التعاونُ والتنسيق لإنجازِ الأهدافِ المشتركة.

وفي هذا السياق، ومن منصةِ وايز، أدعوكم غداً لحضورِ إطلاقِ مبادرةٍ جديدة تساهمُ في وضعِ حلولٍ عملية لإعادةِ الأطفالِ المحرومين من التعليمِ إلى مقاعدِ الدراسة.

أتمنى لأعمالِ مؤتمركم التوفيق والنجاح

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته